حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ بغضَّ النظر عن الصخب الانتخابي واللغط الدعائي الذي رافق الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب ترامب الذي اصبح الرئيس الـ 45 للولايات المتحدة في مشواره الذي انتهى به في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض فان الطروحات الانتخابية كـ (برنامج) و"التعهدات" التي قدّمها لناخبيه حيال العراق يجب أن تُؤخذ بجدية مفرطة وتُحسب له في حال نفذَها، وعدم النظر إليها كـ"فرقعات " انتخابية أثارت جدلا واسعا ـ في وقتها ـ وكان المقصود منها لفت أنظار وسائل الإعلام لدعم حملته الانتخابية وكسب المزيد من الأصوات لترجيح كفته أمام غريمته كلينتون، ويكمن السبب في اخذ طروحات ترامب الانتخابية بما يخص العراق على مأخذ الجد: 1. أهمية العراق الذي يشكل قلب المصالح الجيوستراتيجية الأمريكية والتي لها علاقة مباشرة بالأمن القومي الأمريكي 2..كون الملف العراقي ومنذ الغزو الصدامي لدولة الكويت (عام 1990) اي منذ عهد بوش الأب (الجمهوري) في مطلع تسعينيات القرن المنصرم ، اخذ يشكل مرتكزا هاما في أي برنامج انتخابي لأي مرشح رئاسي سواء أ كان ديمقراطيا أم جمهوريا، فعلى سبيل المثال كان احد أسباب فوز الرئيس الديمقراطي السابق اوباما بكرسي الرئاسة تعهده بانسحاب قوات بلاده من العراق وأفغانستان وطي صفحة الانتشار والتدخل المباشر العسكري ـ في الأقل في عهده الذي استمر لدورتين متتاليتين ـ مستغلا تبرم الشارع الأمريكي من هذه المسالة التي تكررت كثيرا في عهود الجمهوريين، وهو ما أثار حفيظة وانتقاد ترامب الجمهوري الذي ألقى اللوم عليه لما آلت إليه الأوضاع في الشرق الأوسط بسبب "البرود" الأمريكي غير المسبوق تجاه مآلاته، لاسيما العراق الذي يشكل المرتكز وعقدة المنشار فيه، متهما إياه بتبديد هيبة أمريكا وتضييع مصالحها الحيوية في المياه الدافئة وهو ما شجّع روسيا (التي كانت قطبا مناوئا لأمريكا إبان الحرب الباردة) على التفكير في بسط نفوذها الذي خسرته بعد تفكك الاتحاد السوفياتي والتقاط زمام المبادرة في سبيل ملء الفراغ الذي تركه الإحجام الأمريكي عن الانغماس في حيثيات الشرق الأوسط وهو "فراغ" سبَّب في نشوء وتنامي التنظيمات الإرهابية كداعش ليس في العراق فقط بل وفي عموم الشرق الأوسط الكبير، ومن هذه الأرضية انطلقت رؤية ترامب الانتخابية حيال العراق والتي تتمحور بـ (لا خيار لنا سوى القضاء على داعش واستئصال الإرهاب الذي يجب أن يختفي من على وجه الأرض) و (سنعزز التحالفات القديمة ونشكل تحالفات جديدة ونوحّد العالم المتحضر ضد الإرهاب والتطرف) ناهيك عن وعوده الاستعراضية والنارية بالقضاء على الإسلام المتطرف وهي وعود عدّها البعض مجرد "فرقعة" انتخابية قد تتبخر بعد توليه الرئاسة لاسيما وان الأنباء بدأت تتواتر بان شخصية ترامب بعد توليه الرئاسة قد اختلفت نوعا ما عن شخصيته أثناء الحملة الانتخابية وهو ما أزال بعض الشيء من مخاوف إيران بالنسبة للاتفاق النووي مع (5 +1) وبدد شيئا من قلق روسيا التي تراقب عن كثب،وسوريا التي تنتظر الكثير من ترامب، والذي يهمنا من هذه المعمعة ـ كعراقيين ـ هو ترجمة وعود ترامب الخارجية تجاه العراق بالتطبيق العملي لها، وهذا الأمر منوط بمتابعة برنامجه الانتخابي خاصة في المائة يوم الأولى من ولايته كون الرؤساء الأمريكيين حريصين على مستقبلهم السياسي ومستقبل أحزابهم أيضا في العودة تارة أخرى وبالتناوب الى البيت الأبيض، كعرف سياسي أميركي متبع فالمائة يوم الأولى هو بارومتر حقيقي لمصداقية أي رئيس أمريكي منتخب. وأخيرا نقول وبشيء من التفاؤل إن العراق وهو يعيش ظروفا أمنية واقتصادية وسياسية بالغة في الصعوبة يجد في اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة بين البلدين عام 2008 والمتعثرة لأسباب شتى، فرصته الوحيدة والثمينة بعد تفعيلها تفعيلا حقيقيا في ظل (تعهدات) ترامب باستمرار العمل بهذه الاتفاقية، وزيادة الدعم الأمريكي للعراق والتعامل معه كشريك استراتيجي، فضلا عن تعهده بمكافحة التنظيمات الأصولية (ومنها داعش) وتحشيد جهود الولايات المتحدة وقوى حلفائها مع إنشاء تحالفات جديدة لهذا الغرض إذا اقتضى الأمر واهم إشارة صدرت عنه بهذا الخصوص: (إنكم شركاء أساسيون لنا وستجدون منا دعماً قوياً وراسخا). البرود والتعثر في تفعيل هذه الاتفاقية لايرجع الى إدارة الرئيس السابق اوباما فقط وإنما يعود الى المسؤولين العراقيين ايضا وتحديدا وزارة الخارجية العراقية التي لم تخرج من شرنقة المحاصصة والتوافق وعدم وضع رؤية إستراتيجية واضحة في التعاطي مع أهم شريك للعراق (الولايات المتحدة) وذلك لان الثقل الأميركي في مواجهة التنظيمات الإرهابية أمر يعد حاسما وضروريا نظرا للإمكانات التسليحية والاستخبارية الضخمة التي تملكها واشنطن, وحسنا فعلت الحكومة العراقية مؤخرا بالموافقة على مُقترَح وزارة الخارجيَّة بتشكيل لجنة عليا تـُعنى بإدارة الملفات المُشترَكة بين الوزارات العراقيَّة والأميركيَّة في إطار الاتفاق الإستراتيجي وبرئاسة وزير الخارجيَّة الدكتور إبراهيم الجعفريّ، والهادفة الى تفعيل بُنود الاتفاق، ورعاية المصالح المُشترَكة بين الشعبين، علماً أن هذه الاتفاقية لا تفرض أي التزامات على العراق وإنما الالتزامات على أميركا فقط وانطلاقا من هذه الاتفاقية التي بقيت شبه مجمدة [القسم الثالث: التعاون الدفاعي والأمني تعزيزاً للأمن والاستقرار في العراق، وبذلك المساهمة في حفظ السلم والاستقرار الدوليين، وتعزيزا لقدرة جمهورية العراق على ردع كافة التهديدات الموجهة ضد سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها، يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه.] أرى في هذا الاقتباس إن أهم أولويات الرئيس ترامب في العراق تتمثل في جانبين الأول هو العاجل ويتمثل في القضاء على الإرهاب أو المساهمة الفاعلة في ذلك والثاني الآجل وهو تفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي وعدّها خارطة طريق نحو تأسيس علاقات إستراتيجية آمنة مع العراق بما يؤمّن شبكة المصالح الجيوستراتيجية الأمريكية في المنطقة، إن أرادت الولايات المتحدة شرقا أوسطا آمنا ومزدهرا وليس حديقة خلفية لواشنطن او بقرة حلوبا تدر المليارات للخزانة الأمريكية لقاء خدمات مقبوضة الثمن مسبقا . كاتب عراقي