- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الإغتراب الصناعي والتقسيم الدولي للعمل
حجم النص
بقلم: مظهر محمد صالح لم نصدق باديء الامر مسامعنا بأن التقسيم الدولي الجديد للعمل هو نتاج العولمة وقواها الاقتصادية العابرة لسيادة الامم ولاسيما بعد ان ذهب المُنظرون الاقتصاديون شرحاً وتفسيراً للتحول المكاني للصناعة والانتقال بها من معاقلها القديمة التي استوطنت العالم الاول وبلدانها الأم المتروبولية الى البلدان النامية في محاولة جديدة لتوصيف ظاهرة تقسيم العمل كقوة مُعولمة. فعندما ساد التقسيم الدولي للعمل بشكله القديم كانت القوى العاملة الأجرية قد نهضت وتركزت في المجتمعات الصناعية حصرياً في حين وجدت تلك القوى الأجرية متكأ لها في العالم الثالث عبر الصناعات الاستخراجية او المعدنية وفي النشاطات الزراعية الكبيرة القائمة على المتاجرة والتصدير، الا ان تلك القوى الأجرية في البلدان النامية (التي هي من اشباه القوة العاملة البرولتارية) كانت تمثل حقبة تاريخية تجمع بين الحياة الفلاحية وانماطها القروية وبين النمط التجاري الحضري للمدينة. اذ يقول الكاتب ديفيد كوتس في مؤلفه الموسوم انماط الرأسمالية: (النمو والركود في الحقبة التاريخية الحديثة) الصادر عن دار نشر(بولتي) في العام 2000 موضحاً بأن وظيفة راس المال هي البحث عن العمل الرخيص وهو الامر الذي قاد الى مضاعفة عديد العاملين في الحقل الصناعي الى نحو 3 ملايين عامل في السنوات الثلاثين الاخيرة من القرن العشرين ولاسيما في البلدان النامية ان العجلة الرئيسة التي قادت الى انتشار النمط الراسمالي للانتاج في العالم الثالث هي ظهور مايسمى بالتعاون الانتقالي الدولي، اذ تنامى هذا النمط من التعاون في اشاعة الانتاج الصناعي خلال الربع الاخير من القرن العشرين من 7 آلاف وحدة صناعية في العام 1973 ليصبح بنحو 26 الف وحدة صناعية في العام 1993، ويُلحظ انه بين العام 1953 وحتى مطلع الالفية الثالثة انخفضت مساهمة العالم الاول في الانتاج الصناعي العالمي من 95 بالمئة الى 77 بالمئة في حين تضاعفت حصة البلدان النامية في الناتج الصناعي العالمي من 5 بالمئة الى 23 بالمئة خلال الفترة نفسها اعلاه. حيث تعاظم تدفق الاستثمارات الخارجية نحو بلدان العالم الثالث وتصاعدت حدتها في تسعينيات القرن الماضي،على الرغم من ان الكثير من تلك الاستثمارات قد ذهبت الى البلدان الصناعية الام نفسها، كما ان افضل نماذج عملية الانتقال التعاوني تمثل بنمو ظاهرة الوحدات المصنعية في مناطق اقتصادية حرة والتي اطلق عليها (ماكيلادورز) في منطقة الحدود المكسيكية-الاميركية،اذ تشكلت نواتها في العام 1965 حيث سُمح باقامة منطقة اقتصادية حرة امتدت على طوال المنطقة الحدودية للمكسيك مع الولايات المتحدة الاميركية وبمنطقة عازلة عمقها 10 اميال، واتيحت لتلك المصانع إستيراد المواد الاولية وقطع الغيار على اساس الاعفاء التام من التعرفة الجمركية شريطة ان يعاد تصدير المنتجات الناجمة عن تصنيعها كافة. ويلحظ ان ظاهرة ماكيلادورز قد اتسعت وتضاعف نشاطها لاسيما بعد العام 1993 عندما دخلت المكسيك مع الولايات المتحدة الاميركية باتفاقية التجارة الحرة لمنطقة اميركا الشمالية (نافتا) حيث اُزيلت القيود التجارية المتبقية كافة. ولم يمنع ذلك الاتفاق المستثمرين الاوروبيين واليابانيين فضلاً عن الاميركيين من تحريك رؤوس اموالهم نحو قوة العمل الرخيص ومعاقله في ماكيلادورز. فقد جرى نصب الآلاف من المعامل الممثلة للصناعات التجميعية على طول الحدود المكسيكية-الاميركية، سواء في صناعة السيارات ام في صناعة السلع الكهربائية وغيرها من السلع المنزلية المعمرة و النسيجية. من اللافت انه يعبر الحدود المذكورة يومياً رجال الاعمال المترفون ومديرو الشركات وكبار المستثمرين بحافلاتهم الفارهة،في حين تحتشد الالاف من قوة العمل المكسيكية بطوابير انتظار (بعد تجميعهم من مناطق عشوائياتهم او مايسمى بمدن الصفيح المجاورة) ليوضعوا في حافلات النقل المتجهة نحو اماكن أعمالهم و الممتدة على طول الحدود وعرضها مع الولايات المتحدة الاميركية. وتؤكد الابحاث والدراسات الاقتصادية الدولية ان ظاهرة العمل الرخيص هي ليست بسبب عرض العمل غير المحدود في المنطقة الاقتصادية الحرة (ماكيلادورز) ولكن ذلك يأتي من تشكيلات القوى العاملة غير المنظمة والبعيدة عن النظم الرقابية، بعبارة اُخرى انها قوة عمالية منتجة لا تخضع لاية معايير رقابية دولية تضمن حقوقها.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- تحليل مخاطر الذكاء الصناعي: بين مؤيد ومعارض