حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ كانت مأسسة الحشد الشعبي ووضع فصائله على تنوع توجهاتها السياسية تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة وهو صاحب السلطة والصلاحية والاختصاص الوحيد في الحشد الشعبي قتالا وحركة وقيادة وإمرة وإدارة وتنظيماً وتدريباً وتسليحاً وتجهيزًا وتشكيلا وإلغاء، وإلحاقها بمؤسسة الجيش العراقي،كانت تلك الإجراءات ذات الطابع القانوني / التنظيمي أول مشروع سياسي/ قانوني صحيح ألجم الأصوات النشاز التي كانت وماتزال تنعق خارج السرب الوطني وتكشف عن سوأتها السياـ طائفية وامتداداتها الإقليمية وتشذُّ عن إجماع الأمة العراقية في تقييمها لهذه التجربة التي لم تتكرر في تاريخ العراق سوى مرتين، فجاء إقرار هذا القانون الذي تأخر كثيرا تدعيما لمشروع المأسسة وضربة قاصمة لمن سوّلت له عقليته المريضة بان يصف الحشد الشعبي بأنه "مليشيات" غير منضبطة وتابعة طائفيا لدول الجوار، ولولاه لتحوَّل العراق كله الى موصل أخرى ولأصبحت بغداد عاصمة مركزية لداعش، والمؤسف أن تلك الأصوات ـ وحتى بعد إقرار القانون ـ راحت تضفي عليه أوصافا ونعوتا لا تليق إلا بالمنظمات الإجرامية الخارجة عن القانون تشبه تلك التي تعُجُّ بها مدن الصفيح في العالم الثالث حيث تعيث فسادا وتخريبا وتقتيلا وترويعا للناس الآمنين، والحقيقة تؤكد أن الحشد الشعبي هو الظهير النوعي للجيش العراقي، والذي انطلق عفويا بفتوى السيد السيستاني (دام ظله) بوجوب الجهاد الكفائي لمن يستطيع حمل السلاح ولجميع العراقيين للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات وذلك في يوم الجمعة 13/حزيران/2014 الموافق لـ 14 شعبان 1435هـ أي بعد سقوط الموصل بثلاثة أيام، ومنذ ذلك التاريخ انطلقت مسيرة الجهاد ضد المحتل التكفيري الغاشم بانخراط عشرات الآلاف من المتطوعين عفويا ضمن فصائل الحشد الشعبي والتي تمأسست ـ فيما بعد ـ كهيأة مستقلة ضمن المؤسسة الامنية والعسكرية العراقية وكما جاء في القانون الذي اقرَّه مجلس النواب: (المادة -1 اولا – تكون هيئة الحشد (الشعبي) المعاد تشكيلها بموجب الأمر الديواني المرقم (91) في 24 /2 /2016 تشكيلا يتمتع بالشخصية المعنوية ويُعد جزءا من القوات المسلحة العراقية , ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة.) وذلك استنادا إلى أحكام البند (أولاً) من المادة (61) والبند (ثالثاً) من المادة (73) من الدستور. وبهذا فقد كفل القانون استقلال هيأة الحشد الشعبي عن وزارتي الدفاع والداخلية وجعل ارتباط الهيأة بالقائد العام للقوات المسلحة حصرا، كما أوجب القانون استقلال منتسبي الهيأة كافة عن الجهات السياسية والحزبية والأطر الأخرى وهو منهج تشريعي سليم يضمن فاعلية هيأة الحشد الشعبي ويحافظ على الطابع المؤسساتي لها كما ضمن حقوق منتسبيه وشهدائه وجرحاه . المعروف أن فصائل الحشد الشعبي ذات ارتباطات سياسية مكشوفة للجميع ولكن ليس لها امتدادات إقليمية أو دولية مخفية فتعاملَ معها القانون كهيئة (مؤسسة) وليس كفصائلَ (مجاميع) تلك التي انخرطت كلها في خندق واحد ولهدف واحد لاغير وتآلفت جميعها في نسق وطني واحد وبقيادة واحدة هي القائد العام للقوات المسلحة حصرا وبموجب الدستور [ المادة (78): رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة] ومع هذا فان القانون خلع عنها تلك الخلفيات السياسية وقنَّن ارتباطها بشكل رسمي ضمن السلطة التنفيذية (5. يتم فك ارتباط منتسبي هيئة الحشد الشعبي الذين ينضمون الى هذا التشكيل عن كافة الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولايسمح بالعمل السياسي في صفوفه.) وضمن القانون ضمانا اعتباريا وماديا الحشد بمساواته مع الجيش النظامي له ماله وعليه ماعليه (4. يتم تكليف منتسبي ومسؤولي وآمري هذا التشكيل وفق السياقات العسكرية من تراتبية ورواتب ومخصصات وعموم الحقوق والواجبات.) وايضا يتم تعيين قادة الفرق كتعيين قادة فرق الجيش بتصويت البرلمان (يتم تعيين قائد الفرقة فما فوق بموافقة مجلس النواب واستناداً لأحكام المادة (61 / خامساً / ج من الدستور( وبهذا أضفى القانون الصفة الرسمية والوطنية لهيئة الحشد الشعبي بعد أن تم التصويت بأغلبية مريحة في البرلمان ومن اغلب الكتل السياسية ـ وهذا مالم يحدث مسبقا ـ على هيئة الحشد الشعبي كهيئة وليس كفصائلَ وهي المتكونة من جميع ألوان الطيف الاثني والمذهبي والمكوناتي العراقي وان توصيف الهيئة قانونا يعطي الحشد الشعبي شخصية اعتبارية تابعة للدولة العراقية مثل الجيش النظامي وبقية المؤسسات التي يرتكز عليها ملف الأمن. وردا على تلك الأصوات الناعقة بان الحشد الشعبي هو مليشيات شيعية وطائفية منفلتة فانه يتسرب الكثير عن هيكلية الحشد المعلنة رسميا بان أكثر (35) ألفا من المكون السُني هم مشاركون ضمن تشكيلاته بل هم يقارعون الإرهاب في الخطوط الأمامية يرابط معهم آلاف اخرى من المسيحيين والايزيديين والشبك والتركمان وقوات البيشمركه والحشد العشائري وهي كلها تشكيلات تمثل كافة شرائح النسيج المجتمعي والاثني العراقي يمثل الشيعة فيه الغالبية العددية بحكم نسبتهم العددية في العراق ، رغم أن الحشد انبثق بفضل فتوى الجهاد الكفائي للسيد السيستاني (دام ظله) فمرجعية النجف الاشرف ـ عاصمة التشيع في العالم ـ ومنذ تأسيسها لم تكن تابعة لجهة ما بل هي مرجعية قائمة بذاتها ومستقلة بكينونتها الفقهية والعلمية والعلمائية وكانت طوال تاريخها مرجعية وطنية واكبت الأحداث الجسام التي مر بها الوطن، يضاف الى ذلك ان الحشد انبثق من حاجة وطنية ملحَّة لطرد المحتل جاءت الفتوى في وقتها ضوءا اخضرَ لانطلاق مسيرة الجهاد وبعد أن أدرك (دام ظله) ببصيرته الثاقبة أن الخطر الإرهابي المحدق بالعراق لن يتوقف عند حدود المناطق التي استولى عليها داعش بل هو مشروع إقليمي / دولي / تدميري يهدف الى أبعاد أخرى لاتتمثل في احتلال مدينة هنا أو هناك فقط بدليل تمدده من الرقة الى الموصل ومن ثم الى شمال أفريقيا والعالم ،فالحشد الشعبي كان له الفضل الكبير في إيقاف وإفشال ذلك المشروع الذي اندحر بتضحيات ودماء أبنائنا في الحشد ولولاها لكان العراق في خبر كان وقد آن الأوان لرد الجميل لتلك الدماء . كاتب عراقي