حجم النص
بقلم / مسلم ألركابي مَنْ يتأمل مسيرة العزاء الحسيني الكربلائي المعطاءة وعلى مر التاريخ بعد أن أرست هذه المسيرة مفاهيم الثورة الحسينية الخالدة بكل معطياتها , حيث استطاع العزاء الحسيني الكربلائي أن يجسد مفاهيم الثورة الحسينية من خلال مسيرات العزاء الحسيني والتي ينظمها عشاق الحسين , وفي مدينة كربلاء مدينة الرفض والإباء مدينة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن لأي متتبع لمسيرة العزاء الحسيني الكربلائي أن يتجاهل الدور الكبير والأثر الفاعل لموكب عزاء العباسية في مدينة كربلاء هذا الموكب الذي تجاوز كل الأعراف وتواصل وعلى مدى تاريخ طويل جدا مع الثورة الحسينية وفق منهج ورؤية تكاد تختلف عن باقي مواكب العزاء والتي تخرج في كربلاء بمناسبة عاشوراء ,وهذا ما جعل موكب عزاء العباسية يحتل موقع الصدارة والتميز والتفرد مما جعله يمتلك هويته الخاصة والتي من خلالها أصبح محط أنظار واهتمام ومتابعة من قبل جميع شرائح المجتمع الكربلائي فقد كانت الحكومات المتعاقبة على العراق وبمختلف توجهاتها تحسب ألف حساب لهذا الموكب الذي انتهج منهج التصدي والمعارضة لكل مظاهر الفساد والانحراف والظلم والطغيان على مر العصور ومن خلال عملية استلهام حقيقي لشعارات الرفض والتحدي والثورة على الظلم والظلام والطغيان والتي رفعها الإمام الحسين عليه السلام في محاربته أركان الطغيان في دولة بني أمية فقد جاءت شعارات الإصلاح منهجا ثابتا في الردات الحسينية والتي يرددها عشاق الحسين في ليالي عاشوراء , لم يكن موكب عزاء العباسية تقليديا بمعنى الكلمة بل بالعكس أصبحنا نشاهد التجدد كل ليلة فهو على تماس مباشر مع هموم الناس والوطن فلم تغب عن اهتمامات شعراء الموكب أي شاردة أو واردة أو أي حدث يحدث في البلد فقد كان وما زال شعراء الموكب يتعاملون يوميا مع الأحداث التي تحدث بالعراق بشكل عام ومدينة كربلاء بشكل خاص حيث هناك منظومة شعرية متكاملة يشكلها شعراء مبدعون صادقون مع أنفسهم أولا ومع قضيتهم ثانيا شعراء نذروا أقلامهم وإبداعهم لخدمة القضية الحسينية والتي هي بالنتيجة قضية وطن اسمه العراق فقد كان شعراء الموكب ومن خلال هذه المنظومة الشعرية المتكاملة يتفاعلون مع بعضهم البعض من خلال تلاقح الأفكار والرؤى والتي تنتج بالنهاية ردات حسينية تنبض بنبض الشارع العراقي والكربلائي حتى يخيل للبعض إن هذه المنظومة الشعرية تعمل وفق منطق الرصد والمراقبة الحقيقيتين لكل ما يحصل في البلد ومن هنا يمكننا إن نقول إن موكب عزاء العباسية يمثل ظاهرة فريدة في مسيرة العزاء الحسيني الكربلائي وهذه الظاهرة لها مقوماتها وأسبابها وعوامل نجاحها وتألقها وكل هذه الأسباب والمقومات والعوامل يقف خلفها رجال حسينيون ومن طراز خاص رجال نذروا أنفسهم للخدمة الحسينية سواء كانوا في إدارة الموكب أو في تنظيم العزاء والمشاركة فيه وفي مقدمة هؤلاء تقف كوكبة الشعراء المبدعين الذين يمثلون العنوان الأبرز في تميز هذه الظاهرة والتي تسمى موكب عزاء العباسية , فقد أعطت هذه الظاهرة هوية خاصة ومتفردة للموكب والتي جعلت الجميع يترقب وباهتمام بالغ العزاء كل ليلة لان الجميع يشعر إن ما يطرحه موكب عزاء العباسية من ردات حسينية يمثل همومه ومعاناته وهو بالتالي صوته الوطني الحقيقي والذي جسده موكب العباسية بدون كذب ونفاق ورياء بعد أن تحول الموكب إلى تظاهرة وطنية عفوية خالصة تخرج كل ليلة من ليلي عاشوراء وهي تحمل اسما من أقدس الأسماء وهو اسم الإمام الحسين عليه السلام وترفع شعارا من أقدس الشعارات وهو شعار الإصلاح والذي رفعه سيد الشهداء في واقعة الطف , تظاهرة ضد الظلم والظلام والتخلف والطغيان والحرمان والفساد والطائفية والانحراف , تظاهرة تطالب بحقوق المعدمين من فقراء هذا البلد الذي تناهبته حيتان الفساد , فقد أصبح المواطن العراقي بشكل عام والكربلائي بشكل خاص يجد ضالته في تظاهرة كبيرة اسمها موكب عزاء العباسية , ولذلك لا غرابة أن نقول إن موكب عزاء العباسية ظاهرة وتظاهرة.
أقرأ ايضاً
- ظاهرة التصحّر والحل الأمثل
- ظاهرة الحج السياسي
- لا عزاء للأصوات المأجورة.. تحية لأسود الرافدين ومدربهم