حجم النص
بقلم:صالح الطائي قال شاعر بدوي قديم ممن كانوا يرجون لثقافة الذئبنة في مجتمعاتهم: ومن لم يكن ذئبا على الأرض أجرد كثير الأذى, بالت عليه الثعالب وأنا كلما أقرأ بيت هذا البدوي الأعرابي، يزداد يقيني وإيماني أن أمة تؤمن بالقاعدة الأخلاقية التي يذكرها بيت الشعر هذا لا تتواءم طباعها مع طباع البشر الأسوياء، وبالتالي لا يمكن لهذه الأمة أن تبني حضارة مطلقا، بما يعني أن حديث كتب التاريخ عن عظمة الحضارة العربية قد يكون مجرد كذبة صلعاء، لسبب بسيط وهو أنه يستحيل لأمة تحمل كل هذا التوحش وروح الافتراس أن تبني حضارة، ولاسيما وأننا نعيش اليوم تداعيات هذه الذئبنة وهذا التنمر الذي امتازت به عير التناريخ من خلال أعمال تنظيمات إرهابية متطرفة لا تنسب نفسها للعرب فحسب وإنما تنتسب إلى لإسلام أيضا، هذا الدين العظيم الذي من المفروض به أنه سما بالإنسان من مرحلة الانحطاط إلى مرحلة الآدمية، وتفتخر أنها الممثل الشرعي له في وقت نرى في الجانب الآخر، لدى من وضعتهم التنظيمات ضمن قائمتها المرحلية للافتراس أطنانا من الرحمة والألفة والمحبة؛ طبعا أصيلا بعيدا عن النفاق والمخاتلة والتظاهر، وليس تظاهرا أجوفا يراد من ورائه خداع الآخرين من خلال ترديد عبارات وشعارات دينية دون العمل بمنهج الدين. إن كل ما تقدم يجعلني على يقين تام بصدق ما وصفه القرآن بقوله تعالى: {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم) الذي قال المفسرون في شرحهم له: إنه يعني بأن الأعراب أشد جحودا لتوحيد الله وأشد نفاقا من أهل الحضر في القرى والأمصار وذلك بسبب جفائهم وقسوة قلوبهم وقلة مشاهدتهم لأهل الخير، فهم لذلك أقسى قلوبا وأقل علما بحقوق الله. وحقا ماذا تأمل من قوم يأبون أن يقبلوا أطفالهم لغلظة في قلوبهم، عن أم المؤمنين عائشة قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ قالوا: نعم. قالوا: ولكنا والله ما نقبل. فقال رسول الله: "وأملك أن كان الله نزع منكم الرحمة؟ أو من قلبك الرحمة" أي وماذا تأمل إن كان الله تعالى قد نزع من قلبك الرحمة؟ ولذا صح تباين واضطراب آراء العلماء في منزلتهم حتى بعد إسلامهم، فذهب بعض العلماء إلى عدم جواز إمامة الأعراب حتى وإن كان الأقرأ للقرآن، فقالوا: إن إمامة الأعراب بأهل الحاضرة ممنوعة لجهلهم بالسنة وتركهم الجمعة. وكره أبو مجلز إمامة الأعرابي. وقال الإمام مالك: لا يؤم وإن كان أقرأهم. وجوز بعضهم الآخر ذلك، قال سفيان الثوري والإمام الشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي: الصلاة خلف الأعرابي جائزة. واختاره ابن المنذر إذا أقام حدود الصلاة. ولمدعي العروبة والذين قد يستثيرهم هذا الموضوع ويستفز توجهاتهم القومية، أقول: قال أبو السعود: وهذا أي وصف الله لهم بهذه الصفات من باب وصف الجنس بوصف بعض أفراده، كما في قوله تعالى: {وكان الإنسان كفورا} ولأن الأعراب ليسوا كلهم كذلك، فقد بين قوله: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم}، فبين سبحانه في تلك الآية أن المراد بالجنس البعض لا الكل. وأنا هنا أتحدث عن البعض أيضا ولكن هذا البعض يمثل الأكثرية للأسف، وكلما أسمع بوقوع تفجير، أو جريمة سبي أو خطف أو ذبح، أو تكفير، أو دعوة إلى مقاطعة العالم، يزداد في قناعتي عدد الأشد كفرا، ويقل عدد المؤمنين، لأن الله العادل الرحيم الرحمان الرءوف، اختار الإنسان ليكون خليفته في الأرض يعمرها ويبنيها ويدير شؤونها ويحيها ومن المستحيل أن يختار كائنا وحشيا لا يملك صفة من صفات الإنسانية ليكون خليفته عليها، وهذا يعني أن هؤلاء طارئون على الإنسانية، فإما أن يتحولوا إلى بشر وإما أن تنفيهم البشرية من بين صفوفها!
أقرأ ايضاً
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟
- الوعي الصحي.. ثقافة مجتمع
- حين تُستودع مصائر الكبار لدى أمزجة الصغار !