حجم النص
في وسط مدينة الديوانية (180كم) جنوب العاصمة بغداد، افتتحت امراة في الاربعين من عمرها مع اولادها الصغار مخبزا لتكون الحالة الاولى في هذه المحافظة الجنوبية وربما على مستوى العراق. تناقلت الالسن خبر هذه السيدة، أم كرار، (42 عاما) ذاع صيتها واثارت اعجاب الكثيرين بشجاعتها وقدرتها على تحمل ظروف العمل الصعبة وايضا تحديها للمجتمع وعاداته. مجلة "عراقيات" زارت هذه السيدة التي كانت ترتدي قميصا كقمصان المقاتلين في الحشد الشعبي والجيش العراقي. ومن الملفت للنظر ان موقع المخبز الذي استأجرته يقع على الشارعين الرئيسيين وسط المدينة وهو يشهد حركة سير كبيرة. وقد سمت المخبز ب"مخبز المراة المجاهدة". ورغم حرارة الجو العالية، اضافة الى حرارة الفرن، وجدنا امراة شامخة لا تفارق الابتسامة وجهها الذي اخفت نصفه بالنقاب ليقيها من تلك الحراة التي صبغت وجنتيها باللون الاحمر الغامق... "العمل عبادة" الديوانية مجتمع يغلب عليه الطابع العشائري المحافظ الذي يتيح فرص العمل للرجال اكثر من النساء، الا ان "ام كرار" تحدت تلك المعوقات لتثبت وجودها بشكل علني، فهي تعمل في صنع الخبز منذ الثانية عشرة من عمرها بسبب ظروف الحياة الصعبة التي اجبرتها على الشغل لتأمين لقمة العيش الحلال بكرامة. شعارها في الحياة "العمل عبادة". لذلك سعت لتطوير شغلها بفتح هذا المخبز وسط المدينة حتى يتمكن الناس من الاستدلال عليه بسهولة. تعتبر ام كرار نفسها منافسة للرجال بعد ان اقتحمت عالمهم، فأغلب النساء يصنعن الخبز في بيوتهن الا انها اعلنت تحديها: "لا يوجد مانع من مزاولة النساء لجميع الاعمال وهذا يتوقف على شخصية المراة، فلو كانت شخصيتها قوية لعملت في اي مجال دون تردد وستنجح في ذلك ". وهي مقتنعة بأن المرأة شريكة مع الرجل في الحياة وفي كل شيء، حيث تقول: "من المستحيل ان تتردد المراة القوية عن مزاولة اصعب الاعمال، بل تتحدى كل الظروف لتعمل وتثبت للجميع قدرتها وقوة شخصيتها واصرارها على النجاح". "مخبز المرأة المجاهدة" لا تخفي ام كرار ان عملها مرهق ولكن كل شيء يهون امام كسب لقمة العيش بالحلال. "كل هذا الارهاق اعتبره راحة، فعندما اعود لمنزلي مع رزقي الحلال يزول كل التعب تلقائيا لاني فخورة بنفسي، وعملي هو السر الذي يجعلني اشعر بالسعادة المطلقة ". تقول ام كرار أنها لم تواجه اي صعوبة في فتح المخبز، بل بالعكس، لقد رأت اقبالا كبيرا من الناس وهم يشجعونها ويصفونها بكلمات جميلة. "وهذا دافع ايجابي للاستمرار بالعمل وتقديم افضل الخدمات."، تؤكد بفخر. زبائنها من الرجال والنساء، فهي تعتبر المخبز "دائرة حكومية" لأنه يستقبل الجميع بدون استثناء. وهي تتعامل مع الجميع بسواسية "فنحن نعيش في مجتمع نصفه رجال والنصف الاخر نساء، فلا فرق بين الفئتين، كلاهما شركاء في الحياة." ولم تكتفي أم كرار بفتح مخبز بادارتها واشرافها بل اختارت له اسما جميلا يحمل رسالتها في الحياة وهو"مخبز المراة المجاهدة" لان "رسالتي في الحياة هي الجهاد من اجل العيش الكريم ليبقى حاملا هذه الرسالة مدى الحياة، وايضا ليعلم الناس قدرة المراة على العمل وشجاعتها وتحديها لكل الظروف وانها ستبقى مدعاة فخر مهما تعاقبت الاجيال". ولا تتوقف طموحاتها عند مخبز متواضع تديره بأدوات بسيطة، بل تحلم باستخدام ادوات متطورة وتوسيع العمل وبناء مجموعة صحية. "ان شاء الله سأحقق ذلك مستقبلا مع زيادة الموارد المادية للمخبز." وعن سر ارتدائها للزي العسكري خلال العمل في المخبز، قالت بشموخ "هذه طريقتي لاشجع الجيش العراقي والحشد، فهم يدافعون عن الوطن بجهادهم ضد داعش والارهابن وانا اجاهد بعملي من اجل العيش الكريم ومحاربة الفقر والذل". "على كل امرأة ان تبني نفسها" لا تحترم أم كرار المرأة التي تطرق الابواب طلبا للمال وترى ان "على كل امراة ان تبني نفسها وتفكر بعمل مناسب حتى لو كانت لا تجيد اية حرفة او غير متعلمة، فعليها ان تبادر لتتعلم اي مهنة تدر عليها المال كالخياطة او صناعة المنتجات الغذائية او عمل المعجبنات والطرشي..الخ". وتختم قولها:"لابد ان تتذكر دائما انها كيان مستقل وفرد من هذا المجتمع لها حقوق وعليها واجبات، وواجبها الانساني الا تتكل على الاخرين، بل تختار لنفسها عملا مستقلا حتى لو لم تكن بحاجة للمال". عراقيات - نورا الزبيدي
أقرأ ايضاً
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)
- مع اقتراب موعده.. هل تعرقل المادة 140إجراء التعداد السكاني؟
- حل "ترقيعي".. خطة الداخلية لشراء الأسلحة تُنعش "سوق مريدي" ولن تجمع 2٪