حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال بعبارة: (بعد جدك ما إيْعَرِف اليمنة من اليسرة) && حسن كاظم الفتال في قديم الزمان حين كنا نساق إلى الخدمة العسكرية كما يساق الدجاج إلى القن كنا نحذر كثيرا من عدم تطبيق الأوامر (بحذافيرها) معلنين التزامنا التام بكل ما يطلب منا تطبيقه حتى حين تكون تلك الأوامر تعسفية أو تعجيزية أو حتى مخالفة لما نعقل أحيانا. وكم كنا نتبادل في خلواتنا الحديث بسرية تامة، فيوضح كل منا موقفه وعندما تجتمع الآراء يستنتج المتلقي نتيجة واحدة وهي: أن لا حول ولا قوة لنا إلا تنفيذ الأوامر دون أي تفكير لا بالرفض ولا بالعصيان. وما كان يستغرق تعليمنا وقتا طويلا طالما أن التعليم قسري ويجرى بعنف وقسوة من قبل الجميع. والجميع (في الهوى سوا ) ما عدا حريفش الذي جيء به مع مجموعة من أقرانه بعد إلقاء القبض عليهم لأنه متخلفون عن الإلتحاق بالخدمة العسكرية وقد بلغوا من العمر عتيا. سيق حريفش إلى خدمة الوطن أو خدمة العلم كما كنا نسميها مهاجرا حقول البردي والهوايش والباذورة والحشيش والمشحوف والكوخ الجميل الذي تم تشييده من سعف النخيل وأعواد الكالبتوز وبعض بيوت القصب (البواري) ومودعا رائحة اشتعال الحطب الطيبة وكل نكهة سواء للقهوة أو للخاثر والبحت أو لحلاوة الحليب التي كان يأتي بها لنا البعض من أعماق الريف الجنوبي ـ تلك التي غابت عن ذهني تسميتها . ودع كل ذلك حريفش مرغما بألف حسرة ولوعة. والتحق بأحد المراكز التدريبية التي يديرها أفضل المدربين وأعنفهم وأشدهم قسوة لتأهيله وجعله مقاتلا شجاعا مقتدرا حتى ولو بعد ما شاب.... وبما أنا أول مرحلة تدريبية في الجيش بما يسمى الـ (يس يم) أي كيفية المسير بشكل نظامي وثم إلى اليمن أو إلى اليسار (در) وكثيرا ما يسمى المدرب بـ (العريف) فقد كان العريف يوعز لحريفش بأن يستدير إلى اليمين أو إلى اليسار فيجد أن حريفش لا يستجيب لأمره إذ هو لا يميز بين اليسار واليمين. وقارب أن يعجز المدرب عن تعريفه عليهما لولا أن يسعفه ابتكاره طريقة لا يمكن أن يفشل فيها أبدا. فوضع حصاة في يد حريفش اليمنى وحجرا باليسرى فكان يقول له: على أم الحصوة در. فيدور على اليمين ثم على أم الحجر در فيدور على اليسار. وعندما ركز حريفش وثبت اليد اليمنى وميزها عن اليسرى وأراح العريف بتنفيذه الأوامر طلب منه العريف أن يلقي الحصاة والحجر ففعل ذلك. ووجه له سؤالا أيهما اليمنى ؟ أشار لها وأيهما اليسرى ؟ فأشار لليسرى. وبعد أن تنفس العريف الصعداء سار قليلا واثق الخطى وهو يتبختر ثم توقف ليبرهن لنفسه وللآخرين بأنه فعلا قد أفلح في تعليم حريفش. فطلب منه أن يشبك يديه ففعل ذلك ثم طلب منه أن يثني الواحدة على الأخرى ويلفهما بحركات سريعة كمن يبرم حبلا من مسد ففعل ذلك حريفش.انتظر العريف قليلا ثم توجه بالسؤال إلى حريفش وابتسامة الواثق من فلاحه وظفره تملأ شفتيه: إذن الآن قل لي يا حرفيش: أيهما اليسرى وأيهما اليمنى فأجاب حريفش بكل ارتياح وطمئنية: ((بعد جدك ما إيْعَرِف اليمنة من اليسرة.... تاهت عَلَي)). فما كان من العريف إلا أن يبادر بتقديم طلب للآمر يرجو به نقله إلى مخبز الوحدة. وفي حادثة أخرى أشير لها إشارة خاطفة: سمعت أحدهم يوما حين شاهد حادثة معينة يقول: (چنها إِخْبُطَت أُو علي). بهذا أكتفي.. ولكم حق الإختيار وبحرية تامة لأن تعتمدوا أحدى هاتين الحكمتين لتبلغوا مرادكم وتريحوا أنفسكم من تكرار طرح الأسئلة ؟؟؟؟؟
أقرأ ايضاً
- المرجع السيستاني.. المواقف تتكلم
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!