حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ أجّج موضوع التوغل التركي للأراضي العراقية والذي كان دون علم الحكومة العراقية ومن دون طلب او اذن منها، موضوع الجدل حول السيادة العراقية مجددا ولمديات سياسية ابعد من هذا الموضوع وهو جدل احتدم مؤخرا وعلى خلفية هذا التوغل الذي يرقى حسب الأعراف الدولية الى درجة العدوان السافر، وهل ان العراق يتمتع بالسيادة كما مقر بالدستور (1/ جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة) ام هو ناقص السيادة كونه دولة رخوة ومنتهكة من قبل جيرانها الستة ؟ وفي الحقيقة ان هذا التوغل التركي المريب سواء استمر الى اجل معلوم لان في الحسابات التركية لايوجد سقف زمني معروف للانسحاب وحسب تصريح اردوغان نفسه، ام انحسر لأسباب منها التزام الجانب التركي بالأعراف الدولية والقرارات الأممية كون العراق هدد برفع المسألة الى الامم المتحدة في حال بقي الوضع على ماهو عليه، وسواء التزمت الحكومة التركية بجانب العقل واحترمت حقوق الجوار والصداقة التاريخية التي تربط البلدين ام لا، فان هذا التوغل المريب داخل إقليم كردستان البعيد نوعا ما عن سيطرة الحكومة الاتحادية وبالقرب وعلى تخوم الموصل المحتلة من قبل داعش وداخل دولة مازالت تعيش حالة حرب فان هذا التوغل لايعد انتهاكا سافرا وعدوانا مبيتا ضد العراق وباستغلال ظروفه الحرجة وطعنه من خاصرته الرخوة فحسب، وانما يعد إعلانا صريحا للحرب عليه مايتيح للعراق ان يطالب مجلس الامن بإدراج شكواه ضد تركيا تحت وصاية البند السابع. ولحد الان لم تقدم تركيا تفسيرا مقنعا للعراق وللعالم بسبب الاضطراب الملحوظ في التبريرات التي مررتها، فمرة ترمي الكرة في ملعب النظام السابق ومرة في ملعب الحكومة الحالية ومرة في ملعب حكومة إقليم كردستان ومرة تتحجج بالدفاع عن امنها القومي ضد منظمة بي كي كي المناوئة لها وان هذا التوغل هو إجراء "روتيني " يحدث يوميا كما كان في عهد النظام البعثي الزائل وكأن العراق هو حديقة خلفية لأنقرة! ومن علائم التخبط التركي انها وعلى لسان رئيسها اردوغان تؤكد رسميا انها ملتزمة بمبدأ حسن الجوار وعدم "التجاوز" على السيادة العراقية فإنها تؤكد ان قواتها باقية في أراضيه (لحاجة في نفس يعقوب) وانها لاتحفل بأي "مهلة" يحددها العراق او إجراء اممي ضدها في حين التزم العراق بالعقلانية السياسية وانه لا حاجة له الى استخدام القوة بل بالطرق الدبلوماسية المتاحة او عن طريق المظاهرات الاحتجاجية الصاخبة التي اوصلت رسالة احتجاج صارخة الى المجتمع الدولي . واحتدم الجدل عراقيا ايضا فالبعض انتقد تعاطي الحكومة العراقية "الضعيف" و"المهادن" وطالب بالتعامل مع هذا الملف بكل "قوة " وحزم وعدم "التهاون" وذلك بضرب القوات التركية المتواجدة على تخوم الموصل وكأن الحكومة العراقية في موقف يساعدها على فتح جبهات جديدة في وقت لم تحسم معارك تحرير الانبار والموصل بعد ونسَوا ان تركيا هي عضو فاعل ومؤسس بالناتو وضرب قواتها يعني تعريض العراق الى رد فعل الناتو، وفي هذا الإجراء مجازفة خطيرة للعراق هو في غنى عنها في الوقت الحاضر، بينما البعض الاخر طالب بإجراء "عقوبات" اقتصادية وتجارية وكأن الوضع الاقتصادي الصعب في العراق يساعد على ذلك وعلى خطى روسيا التي اتخذت حزمة إجراءات اقتصادية تأديبية ضد تركيا على خلفية إسقاط طائرتها على الحدود التركية، البعض كان يفضل الإجراء الذي اتخذته الحكومة العراقية باللجوء الى القنوات الدبلوماسية والدولية كمجلس الامن والامم المتحدة والتفاهم "بالحسنى" (كون حالة البلد لاتسمح بإشعال حرائق جديدة) وذلك باستدعاء السفير التركي لمعرفة الأسباب التي جعلت تركيا تدفع بقواتها التي تدعي انها جاءت "للتدريب" وليس للقتال!!في عمق دولة جارة تربطها مع تركيا علاقات طيبة ولكن بقي الموقف التركي المتخبط اكثر ضبابية حتى بعد زيارة وفدها "رفيع" المستوى والمتكون من وكيل الخارجية التركية)فريدون اوغلو) ورئيس جهاز المخابرات التركي (هاكان فيدان) للتوصل إلى حل للازمة الحالية التي بقيت دون حل سوى بالانسحاب من الأراضي العراقية كما أعلنت الحكومة العراقية. أقول: كان يفترض بتركيا التي هي العضو المؤسس في الناتو الذي التزم الصمت المريب، وهي العضو الفاعل في التحالف الستيني الدولي بقيادة الولايات المتحدة، يفترض بها ان توجه قواتها بعد طلب الإذن من العراق لقتال العصابات الإرهابية التي تهدد أمنها القومي على حدودها الجنوبية الا اذا كانت تركيا اردوغان تعيش في حالة شيزوفرينيا سياسية / طائفية وهو مايفسر غرابة التصريحات السياسية التركية حيال توغل قواتها داخل العراق والى الموصل بالتحديد فهي تريد قضم "ولاية" الموصل (المحتلة من قبل داعش) التي خرجت من أيديها وربما باتخاذ مبدأ تبادل الأدوار مع داعش وهو مايفسر الدعم التركي اللامحدود للتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا ولذات الهدف في سوريا ايضا بعد الإطاحة بالأسد عن طريق التنظيمات الإرهابية السورية التي تدعمها اضافة الى داعش. وهو مايفسر ايضا ان تركيا تحاول ان تشتت جهود التحالف الرباعي (روسيا، سوريا، ايران و العراق) بدليل اسقاط الطائرة الروسية لحجج واهية لبعثرة تلك الجهود وصرف النظر عنها بقضايا جانبية لاتخدم الجهود الحثيثة التي يبذلها المجتمع الدولي والتحالف الرباعي بالتعاون مع العراق لمكافحة داعش. اني شخصيا لم استغرب الموقف التركي السلبي من العراق والذي لايختلف عن موقف بعض الدول الخليجية منه كالسعودية وقطر ان لم يكن بالتنسيق معها فتركيا لم تتوانَ عن شن أنواع الحروب ضد العراق ليس اولها حرب المياه التي تهدد الاقتصاد الوطني العراقي بالضرر الشامل فضلا عن الجفاف ومنذ سنين، وليس اخرها مسلسل التدخل السيا/طائفي/ الشوفيني التركي في الشأن الداخلي العراقي فضلا عن الدعم المكشوف للعناصر الإرهابية وايواء المطلوبين للقضاء العراقي وإقامة المؤتمرات ذات الصبغة الطائفية لشق وحدة الصف الوطني. ولكن الذي يثير الاستغراب هو السكوت الدولي على هذه القضية اضافة الى سكوت حلف الناتو المريب ولم تجدِ نفعا "الاستنكارات" الإنشائية لجامعة الدول العربية التي لم تصل الى الحد الادنى من اضعف الإيمان. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- التباكي على أطلال السيادة
- الضربات الأمريكية والسيادة العراقية.. الغلبة لمن؟
- اين السيادة ... يا اصحاب السيادة ؟