حجم النص
بقلم: جسام محمد السعيدي كثيرة هي الدعوات التي نسمعها من إخوتنا في الوطن للذوبان في هذه الجهة الدينية أو تلك بدعوات حق يُراد به باطل. وكثيرة هي الأطراف المعادية للعراق والتي تعمل وفق مصالحها – ومن حقها ذلك– طالما كان لكل وطن الحق في استثمار طاقات ابنائه لخدمته، ولكن ليس في مقابل الإضرار بأوطان الآخرين، وذلك استناداً للقاعدة الأصولية المُستمدة من السُنة النبوية (لا ضرر ولا ضرار). وكثيرة هي الأصوات التي تدعو لنسيان الحدود بين بلدان المسلمين، وترمي – تحت هذه اليافطة - بأبناء بلدان إسلامية أخرى، إلى أتون معارك لا تحقق سوى مصالحها ومصالح البلدان التي أرسلتهم إليها، ولا صلة لها لا بالدين ولا بالمذهب، إلا ظاهراً. والعجيب أن نفس الأصوات التابعة لجهات هنا أوهناك، والتي تدعو لنسيان الحدود بين تلك البلدان التي يجري فيها تصفية حسابات لصالح تلك الجهات الخارجية، لا تسمح لأحد من هؤلاء المسلمين بالتملك في أراضيها، أو الدراسة بنفس ضوابط مواطنيها، وتعامل باقي المسلمين كأجانب مالم يكونوا من أتباع سياستها!!! إذن هذه الدول تتعامل مع الآخرين حسب مصالحها الوطنية، وهذا من حقها، فلماذا إذن تريد من أبناء البلدان الأخرى التابعين لها أن ينسوا وطنيتهم ومصالح بلادهم، وينصاعوا لأوامرها التي هي عادة ضد مصالح بلدانهم؟!!!! ربما لأن بائها تجر وبائهم لا تجر!!!! وربما إلى هذا أشار المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ محمد اسحاق الفياض في استفتاء صدر هذه الأيام فيما يلي نصه: " السياسات المتداولة بين الحكومات والدول في العالم لا صلة لها بالدين، لأنها تتبع في كل حكومة مصالحها الذاتية إقليمياً وعالمياً، نعم السياسة في الحكومة الإسلامية - وهي الحكومة التي تقوم بكافة أجهزتها ومكوناتها على أساس الحاكمية لله وحده لا شريك له- من الدين، ولكن لا وجود لهذه الحكومة في الوقت الحاضر في أي بقعة من بقاع الأرض". وهو جواب نص استفتاء وجه إليه هذا نصه: ما المراد من المقولة المشهورة (لافصل بين السياسة والدين)؟ وهذا رابط الاستفتاء وجوابه من موقع سماحته الرسمي: http://alfayadh.org/ar/#post?type=post&id=6045 أما المرجعية الدينية العليا متمثلة بآية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني فقال على لسان ممثله السيد أحمد الصافي في خطبة الجمعة 21 جمادي الاول 1436 هـ الموافق 13/03/2015 م ما نصه: " إنّ الجيش العراقي والإخوة المتطوّعين إنّما يدافعون عن بلدهم العزيز، هذا البلد الحضاريّ بل الذي تجذّرت فيه مجموعةُ حضارات، هذا البلد الذي سيكون كما كان منيعاً عن أيّ محاولة لتغيير هويّته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه، إنّ أبناءه البررة على طول التاريخ تحمّلوا ما تحمّلوا من أجل أن يبقى عزيزاً شامخاً مستقلّاً سيّدَ نفسه، لقد أُريقت ولا تزال على هذه الأرض الطاهرة دماءٌ زكيةٌ وغاليةٌ علينا جميعاً، دفاعاً عن كرامتنا وعزّتنا ومقدّساتنا وهويّتنا الثقافية التي نعتزّ بها ولا نرضى بها بدلاً، إنّ أبناءنا الأبطال في جبهات القتال -سدّدهم الله تعالى- يخوضون اليوم معركةً مصيريةً وغايةً في الأهمية في الدفاع عن العراق في حاضره ومستقبله، ويسطّرون تاريخ حقبةٍ مهمةٍ بدمائهم الطاهرة وهي أعزّ وأعظم ما لديهم لبذله في سبيل هذا الوطن، إنّنا نعتزّ بوطننا وبهويّتنا وباستقلالنا وسيادتنا وإذا كنّا نرحّب بأيّ مساعدةٍ تقدّم لنا اليوم من إخواننا وأصدقائنا في محاربة الإرهابيّين ونشكرهم عليها، فإنّ ذلك لا يعني في حالٍ من الأحوال بأنّه يمكن أن نغضّ الطرف عن هويّتنا واستقلالنا، ولا يمكن أن نكون جزءً من أيّ تصوّراتٍ خاطئة في أذهان بعض المسؤولين هنا أو هناك، إنّنا نكتب تاريخنا بدماء شهدائنا وجرحانا في المعارك التي نخوضها اليوم ضدّ الإرهابيّين وقد امتزجت دماءُ مكوّنات الشعب العراقي بجميع طوائفهم وقوميّاتهم، وأودّ أن أؤكّد مرةً أخرى على ضرورة حفظ هذا التاريخ الناصع من خلال التوثيق لكلّ جزئيات الأحداث خوفاً من التضييع أو التبديل، إذ من حقّ الأجيال القادمة أن تطّلع على تاريخنا وأن تقرأه واضحاً وصادقاً كما قرأنا نحن تاريخ أسلافنا". وهذا نص الخطبة وتسجيل مرئي مسموع لها من الموقع الرسمي للعتبة العباسية المقدسة(الكفيل)، للتأكد من حرفية النص الذي نقلته لكم: https://www.alkafeel.net/inspiredfriday/index.php… ونحن أزاء كلام المرجعية هذا، وتحليلاً لمفاصل هذا المقطع من الخطبة، يتبين لنا ما يلي: 1. شكر المرجعية من يساعد المتطوعين (المنضوين تحت راية هيئة الحشد الشعبي) من الخارج، وهذا الشكر مرهون بتحقق الاخلاص في هذا الدعم لا المصلحة!! بقرينة النقطة التالية. 2. تحذير من يُساعد الحشد مصلحياً، باستغلال هذه المساعدة واعتبارها سبباً وحجة لفرض أنظمته وثقافته وامتصاص خيراتنا ومنع تطورنا، من خلال رفع أتباعه إلى الواجهة الإعلامية، وبالتالي السياسية مستقبلاً في الانتخابات القادمة، لتحقيق تلك الأهداف، وذلك قول المرجعية العليا: "فإنّ ذلك لا يعني في حالٍ من الأحوال بأنّه يمكن أن نغضّ الطرف عن هويّتنا واستقلالنا، ولا يمكن أن نكون جزءً من أيّ تصوّراتٍ خاطئة في أذهان بعض المسؤولين هنا أو هناك". 3. التأكيد على العراقيين بضرورة الاعتزاز بالهوية العراقية الوطنية والثقافية ضمن حدود العراق، والمحافظة على استقلال دولتنا العراقية وذلك قولها – المرجعية الدينية العليا- "إنّنا نعتزّ بوطننا وبهويّتنا وباستقلالنا وسيادتنا"، وعبارتها هذه ضرب واضح لدعاة الذوبان في الآخر!!!، ولو لا حظنا ملياً لشاهدنا استخدام المرجعية لمصطلحات وطنية وليست دينية، في خطبها حينما يتعلق بالأمر بالوطن، بل تتنافى مصطلحاتها والدولة الدينية تماماً. 4. عبارة المرجعية في وصفها مجاهدي الوطن بأنهم "انّ أبناءه البررة على طول التاريخ تحمّلوا ما تحمّلوا من أجل أن يبقى عزيزاً شامخاً مستقلّاً سيّدَ نفسه " تؤكد مرة أخرى على السيادة والاستقلالية المطلوبة للعراق، وليس الذوبان في الآخر كما يريد الآخرون. 5. تذكير العراقيين بعظمة بلدهم كونه منبع الحضارات وجذرها، وذلك قولها: "إنّ الجيش العراقي والإخوة المتطوّعين إنّما يدافعون عن بلدهم العزيز، هذا البلد الحضاريّ بل الذي تجذّرت فيه مجموعةُ حضارات". 6. التحذير من ذوبان العراقيين في الآخر مما هو دوننا ثقافة وحضارة، وذلك قولها " إنّ أبناءه البررة على طول التاريخ تحمّلوا ما تحمّلوا من أجل أن يبقى عزيزاً شامخاً مستقلّاً سيّدَ نفسه، لقد أُريقت ولا تزال على هذه الأرض الطاهرة دماءٌ زكيةٌ وغاليةٌ علينا جميعاً، دفاعاً عن كرامتنا وعزّتنا ومقدّساتنا وهويّتنا الثقافية" ودليل اعتبار تلك الثقافة والحضارة دوننا هو عدم رضى المرجعية اعتبارها بديلاً لحضارتنا وثقافتنا، وذلك قولها "كرامتنا وعزّتنا ومقدّساتنا وهويّتنا الثقافية التي نعتزّ بها ولا نرضى بها بدلاً "، فلو كانت حضارة وعِزة وثقافة الآخر أفضل منا لارتضتها لنا المرجعية بديلاً، وهي الحكيمة المأمورين باتباعها، ولا تميل للهوى والقوميات والوطنيات، وإلا كانت ترجيحاً بلا مرجح، وهو ما أرادته المرجعية بالحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية العراقية، (أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَىَ بِالّذِي هُوَ خَيْر) (البقرة-61). 7. التأكيد على وحدة العراقيين تحت لواء الهوية الوطنية العراقية، وذلك قولها " إنّنا نكتب تاريخنا بدماء شهدائنا وجرحانا في المعارك التي نخوضها اليوم ضدّ الإرهابيّين وقد امتزجت دماءُ مكوّنات الشعب العراقي بجميع طوائفهم وقوميّاتهم "، واستخدام ضمير (الأنا) هنا يدل على أن المرجعية تريد تذكير مواطني العراق بتأريخهم هم لا غيرهم، حتى لا ينسوه ويسمحوا لآخر بتمرير تأريخه عليهم وسرقة تأريخهم الناصع الذي طالما كان يتعرض للسرقة من هنا أو هناك، وهو رد على من يريد مسخ هذا التأريخ ونسبته له زورا وبهتاناً. 8. التأكيد على حفظ التأريخ من التزوير من قبل الجهات التي أصبحت منذ بدأت فتوى الجهاد الكفائي تجير انتصاراتنا في الحشد الشعبي لغيرنا، وتحاول باسم عدم وجود الحدود، ووحدة الدين والمذهب، وغيرها من كلمات الحق التي يُراد بها باطل، تحاول تضييع الحقوق ومسخ التأريخ، وذلك قول المرجعية الدينية العليا: "وأودّ أن أؤكّد مرةً أخرى على ضرورة حفظ هذا التاريخ الناصع من خلال التوثيق لكلّ جزئيات الأحداث خوفاً من التضييع أو التبديل، إذ من حقّ الأجيال القادمة أن تطّلع على تاريخنا وأن تقرأه واضحاً وصادقاً كما قرأنا نحن تاريخ أسلافنا"، ولو لاحظنا كلمات المرجعية لرأينا تركيزها الشديد على تأريخ الوطن وحضارته وتراثه. وإن أبقانا الله، وحفظنا من شر المنفذين لمخططات الآخر، سنتطرق لأمور أخرى في منشورات لاحقة... وعلى الله التوكل ومنه نستمد العزم لنصرة عراق الحضارات والأنبياء والمعصومين.. العراق الذي لم يُمدح مثله بلد من قبل المعصومين صلوات الله عليهم، ووصفته المرجعية الدينية العليا في أكثر من خطبة بـ (الطاهر)، وكيف لا وهو أرضٌ مقدسة... إذن فانتمائنا له، ودفاعنا عنه تدين ووطنية معا، نعتز بهما امتثالاً لأمر المرجعية الدينية العليا التي يُمثل رأيها رأي شرع الله.
أقرأ ايضاً
- الديوانية.. محافظة تطفو على كنوز وسكانها الأفقر في العراق
- المياه الجوفية.. تحذيرات من الاستنزاف ودعوات لتدابير مستقبلية
- تحذير دولي من "استحواذ" الصين على النفط العراقي.. نتائج عكسية وأعباء أكثر