حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ من المفارقات التي تنوء بها حمولات بعض الأمثال الشعبية العراقية أنها تكاد تنطبق حرفيا على واقع الحال العراقي وتكون مصداقا لما يقال بان الأمثال تُضرب ولاتقاس وتكون الاستعارة لحمولات هذه الأمثال استعارات واقعية فتكون تنفيسا لمكبوتات نفسية بسبب الشعور بالمرارة والإحباط والسخرية ومن هذه الاستعارات ـ التي لابد منها ـ انطباق استعارة واقع حال الاقتصاد العراقي او الظرف المالي العسير الذي يعيشه العراق على مثل دارج وهو (خلالات العبد) الذي يُضرب لانحسار المردود المالي الذي كان يجب ان يكون وفيرا فصار شحيحا . فلم يعد سرا الحديث عن الاقتصاد العراقي انه اقتصاد ريعي / نفطي، وان جميع الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة 21 أهدرت الكثير ـ إن لم تكن كلها ـ من الفرص التي تجعل من الاقتصاد العراقي اقتصادا ناهضا وبعدة وجوه من التي تزيح احتكار القطاع النفطي في تغذية موارد الموازنة العامة للعراق ولأكثر من تسعة عقود وكان الاقتصاد العراقي ولم يزل عبارة عن "خزينة" يمولها "كاك" النفط المصدر و"كاك" النفط هذا عبارة عن بقرة حلوب تدر بالعملة الصعبة المغذية لديناميات مفاصل الدولة وقد ترسخ في سايكلوجية المخيال الجمعي العراقي باننا بلد" نفطي" ووجوب ان يحصل المواطن العراقي على "حصته " من النفط مثل ماتفعل دول الخليج التي انتبهت الى خطورة ان يكون الاقتصاد ريعيا / ونفطيا فحسب كدولة الإمارات والكويت وبقي لسان حال المواطن العراقي يقول (عمي احنه شمحصلين من النفط) ولهذا بقي اهتمام المواطن العراقي بالمسالة النفطية ينحصر في تمويل "كاك" النفط للرواتب التي تعد قياسا الى دول نفطية اخرى (قوت لايموت) مادام الريع النفطي يذهب هباء منثورا ولايلمس منه المواطن خيرا كثيرا والغريب في الأمر ان جميع الحكومات العراقية المتعاقبة لم تولِ اهتماما حتى لتنشيط وتطوير القطاع النفطي (العمود الفقري للموازنة) الذي بقيت بناه التحتية دون المستوى العالمي . كما لم يعد سرا بعد ان بدأت أسعار النفط تكشف عن خطورة بياناها وعورة تذبذب أسعارها في السوق العالمية في السنين الاخيرة، ان حكومات مابعد التغيير هي الأخرى أهدرت فرص النهوض بالاقتصاد مع وجود الإمكانات المادية الهائلة التي تسربت الى جيوب الفاسدين او تبخرت في المصارف العالمية او ذهبت لتنشيط اقتصادات دول الجوار فكان هدرا مزدوجا: هدر في جيوب الفاسدين وهدر (تخبط) على مستوى التخطيط من جهة اذ بقيت سايكلوجية "كاك" النفط المدر بالعملة الصعبة مسيطرة على قادة مابعد التغيير الذين أداروا الشأن الاقتصادي والمالي بنفس العقلية الاقتصادية القديمة ومن دون تطوير منافذ الاقتصاد العراقي الذي بقي مرتهنا بسعر البرميل مايعني ان قوت وامن العراقيين مرتهن ارتهانا لانفصام له عن بورصة أسعار برميل النفط العالمية ومزاجات بعض الدول كالسعودية وغيرها في سياسة الإغراق المتعمد لصادراتها النفطية والمؤثرة على سوق العرض والطلب وبالتالي على أسعار النفط ومن الطبيعي ان تتأثر الاقتصادات الضعيفة كالاقتصاد العراقي الهش بهذا وهو مايحصل حاليا وربما يستمر الوضع الى سنين لاحقة وهو ما اشار اليه صندوق النقد الدولي الذي حذر من احتمال "افلاس" العراق في سقف زمني اقصاه خمس سنين اذا ما استمرت أسعار النفط على هذا المنوال (فيما توقعت وكالة الطاقة الدولية أن تستعيد السوق النفطية توازنها تدريجيا وتستقر على سعر يقارب 80 $ للبرميل بحلول عام 2020 بعرض أقل وفرة) ولعدم وجود منافذ تمويلية اخرى تغذي موازنة الأعوام المقبلة كالزراعة والصناعة والاستثمار مع محدودية الجدوى المتأتية من منافذ اخرى كالاقتراض والاعتماد على القطاع الخاص وفسح المجال له للدخول بالتشارك مع القطاع العام وهذا التشارك لاتوجد له صورة واضحة لحد الان كونه يحتاج الى تضافر السلطات الثلاث لاسيما التشريعية منها لقوننة دخوله في مضمار الدولة وتمهيد الطريق لاقتصاد السوق الحر فضلا عن تشجيع الدولة وفسح المجال للاستثمار الأجنبي الذي يحتاج الى حزمة تشريعات وإجراءات تنفيذية واضحة للنهوض به وليأخذ دوره المغيب بسبب البيروقراطية والفساد، فيكون على هذا الأساس برميل النفط هو اللاعب الأساس في مقدرات العراق السياسية والاقتصادية والاستثمارية وحيويته الجيوستراتيجية مادام(95 %) من واردات العراق تتأتى من النفط فقط وعلى هذا المنوال ان الاقتصاد العراقي الريعي يكون معرضا للانهيار من أية "هزة" في سعر البرميل او في قيمته المعيارية العالمية وان كانت بسيطة، أي ان الاقتصاد العراقي يبقى مكبلا بالسياسات الاقتصادية والمالية للدول الكبرى ومرتبطا بالكارتلات العملاقة المسيطرة على النفط العالمية. الموازنات المالية تأرجحت مابين "الانفجارية" ومابين الشحيحة (خلالات العبد) والشحيحة تعني وجود أزمة مالية خانقة (وبعجز قد يكون غير مسيطر عليه) قد تستمر لعدة سنوات وقد تضع الحكومة في مواقف محرجة لاتحسد عليها كون المتطلبات من موازنة 2016 والأعوام المقبلة هي كثيرة يفرضها واقع حال الجانب التشغيلي الثقيل منها لسد رمق ملايين الموظفين ومستحقي الرعاية الاجتماعية والمتقاعدين وغيرهم يضاف اليها استحقاقات الأمن والحرب ضد داعش التي تكلف يوميا اكثر من عشرة ملايين $ فضلا عن إعادة اعمار المدن الساخنة وخطط إيواء النازحين والمهجرين ومستحقات العراق الدولية فالموازنة التي جاءت (بقيمة إجمالية 106 ترليونات دينار، وبعجز نحو 23 ترليون دينار) والمدفوعة حاليا الى مجلس النواب لقراءتها والتصويت عليها تم ضغط ومناقلة ابواب صرفياتها الى اقل حد ممكن قد تستطيع الحكومة تقليل فجوة العجز فيها سواء عن طريق الاقتراض او إشراع الأبواب امام القطاع الخاص او تسهيل مهام الاستثمار الخارجي او باستغلال موارد اخرى كالصناعة او الزراعة او السياحة وان كانت هذه الحلول مستبعدة في الأفق المنظور. ومع طمأنة الحكومة لموظفيها بأن سلم الرواتب الجديد لا يمس مخصصاتهم الا ان القلق سيستمر مع كل موازنة خشية تأثير العجز فيها على الرواتب وقد المح وزير المالية زيباري، الى أن العام المقبل لن يكون سهلا بالنسبة للموازنة نتيجة توقعات بقاء أسعار النفط التي لن تسر احدا. كما أعلن تمكن البنك المركزي العراقي من توفير سيولة بحدود 11 ترليون دينار للمصارف للإقراض الحكومي للعام الحالي، عادا إطلاق قروض الـ 6 ترليونات دينار خطوة ستسهم في تنمية الاقتصاد وتحريك السوق. ولكن رب ضارة نافعة فقد تكون الأزمة المالية الحالية والمرتقبة مفتاحا لخطوات جدية لتنويع مصادر تمويل الاقتصاد العراقي والإفلات من عقال احتكار برميل النفط. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!