- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عاشُوراءُ..وَعْيُ الْحَقيقَةِ
حجم النص
بقلم: نـــــــــــزار حيدر انّ اوّل ما يُبادر الطّاغوت للسّيطرة عَلَيْهِ في الامّة هو العَقلُ، فاذا تمكّن منه تمكّن من كلّ شيء، ولذلك فإنّ اوّل مسؤولية تضطلع بها كلّ الرّسالات السّماوية، وكذا المصلحين، هي تحريرُ عقلِ الانسان، تحريرهُ من الاهواء والشّهوات والعواطف والأغلال والخوف والتردّد والشّك، ليستوعب بشكل سليم ويُفرز الأمور وبالتالي ليفكّر بشكل صحيح، فلا تنطلي عليه كذبةٌ ولا تمرّ عَلَيْهِ خدعةٌ ولا يُستحمر او يُستغفل. يقول تعالى في محكم كتابه الكريم {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فيما يصف امير المؤمنين (ع) فلسفة البعثة بقوله {وَاصْطَفى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدَهِ أَنْبيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ، وَعَلَى تَبْليغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ، فَجَهِلُوا حَقَّهُ، واتَّخَذُوا الاَْنْدَادَ مَعَهُ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرفَتِهِ، وَاقتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ: مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد تَحْتَهُمْ مَوْضُوع، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَال تُفْنِيهمْ، وَأَوْصَاب تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاث تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَل، أَوْ كِتَاب مُنْزَل، أَوْ حُجَّة لاَزِمَة، أَوْ مَحَجَّة قَائِمَة، رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلاَ كَثْرَةُ المُكَذِّبِينَ لَهُمْ: مِنْ سَابِق سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَابِر عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ. على ذْلِكَ نَسَلَتِ القُرُونُ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الاْباءُ وَخَلَفَتِ الاَْبْنَاءُ}. ولذلك فإنّ أيّة دعوة سواءً أَكانت دينيّة او دنيويّة لا تحرّر العقل وتسعى للسّيطرة عليه وتضليلهِ، فهي دعوةٌ ضالّة وغير إنسانيّة أبداً، وهي من قبيل الدّعوة التي أطلقها الأمويّون عندما شَرْعنوا كلّ ما من شأنهِ مصادرة عقول النّاس لدرجة الاستحمار، والتي من علاماتِها، الى اليوم، اعتقاد النّاس باجتماع النّقيضين بل المتناقِضات، على الرّغم من انّ هذا النّوع من الاعتقاد ضدّ الفطرة الّتي فطر الله النّاس عليها، والتي تميل الى الشيء الصحيح وتتجنّب الشيء الخطأ، فعندهم القاتل والمقتول (رضيَ الله عَنْهُ) والصّحيح والخطأ (رضي الله عنه) والمستقيم والمنحرف (رضي الله عنه) وهي طريقة التّفكير التي غسلت ادمِغة النّاس وكرّست النّفاق والتّناقض في الشّخصية، فترى الواحد منهم يصلّي ويتقرّب الى رَبِّهِ بالذّبح وحزّ الرُّؤوس والتّمثيل بالجثث وحرقها، ويصوم ويتقرّب لربّهِ بسبي النّساء وانتهاك الأعراض، ويحجّ ويتقرّب لربّهِ بتفجير نفسهِ بحزامٍ ناسفٍ او سيّارةٍ مفخّخة وسط جموع الأبرياء. إنّها الثّقافة التي كان شعارُها في عاشوراء {يا خيلَ الله اركَبي، وبالجنّةِ أَبشري} كيف؟ بحزّ رأس سِبْط رسول الله (ع) الذي قال عنه جدّهُ المصطفى (ص) {الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا} وقوله (ص) {الحسن والحسين سيّدا شبابِ أهل الجنّة} وقوله (ص) {الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا} وهو أحدُ الخمسةِ اصحابُ الكِساء الذين قال عنهم رب الْعِزَّة {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وقولهُ عزّ مَن قائل {ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}. والطاغوتُ عادةً ما يلجأ الى الطرق والوسائل التّالية للسّيطرةِ على العقل؛ أولاً؛ حصر مصادر المعرفة ليسيطر على نوعيّة القراءة لدى المجتمع وبالتالي يُسيطر على طريقة تلقّي المعلومة، وبذلك يضمن سيطرتهُ على اتّجاهات الرأي العام من خلال غسيل الادمغة الذي يُمارسه مع النّاس على قاعدة [إكذب ثم إكذب حتّى يُصدّقكَ النّاس]. ولذلك ترى ان الأنظمة الشّموليّة تبادر فور حدوثِ ابسط تمرّد شعبي او تظاهر او تذمّر مجتمعي، الى قطع او مراقبة وسائل التّواصل الاجتماعي ليسيطر على حركة المعلومة ويقطع التّواصل بين الناس من اجل ان يمنع تناقل المعلومة. اما النّظم (الدّينية) التي تتستّر بالدِّين فتبادر فوراً للطلب من فقهاء البلاط ووعاظ السّلاطين لاصدار الفتاوى (الدّينية) لتحريم وتجريم المعلومة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها آلة الشيطان، كما عبّرت عنها فتاوى فقهاء الحزب الوهابي المحميّين بنظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية وعموم دول الخليج!. ثانياً؛ حصر مصادر التّفكير، فتراهُ يرسم خطوطاً حمراء كثيرة ومساحات واسعة من الّلامُفكر فيه، ليضمن عدم تفكير المجتمع بما يضرّ سلطانهُ، فترى النّاس ينشغلون بالتّفكير دائماً خارج الزّمن وبكلّ ما هو تافه وعديم الفائدة وبعيدٌ عن واقعِهم، وإذا ما حاول أحدٌ حثّهم على التّفكير في قضيّةٍ مصيريّةٍ تراهم يهبّون بوجهه وكأنّه كفر! فيما تشتغل اجهزة الطَّاغُوت ليل نهار لتسقيطهِ واغتيال شخصيّته اذا لم تصل اليه أيديهم لتصفيتهِ جسديّاً. ثالثاً؛ تحديد ميزان الحق والباطل به، فهو الجادّة الصّحيحة التي لا ينبغي الابتعاد عنها او تجاوزها، كما {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}. رابعاً؛ الضّرب بيدٍ من حديدٍ على كلّ من يُحاول الكشف عن حقيقةٍ ما ومن ايّ نوعٍ كانت، كما {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} ولذلك كانت أوامر الطّاغية يزيد صارمة بأخذ البيعة من الحسين بن عليّ (ع) خوفَ الفضيحة التي كان الامام يستعدّ للكشفِ عنها للرّاي العام. انّ فرائصَ الطّاغوت ترتعدُ فَرَقاً بمجرّد ان ينشرَ أحدٌ خبراً لا يعجبهُ، او يؤثّر على خططهِ او يفضح اكاذيبهِ او يسلّط الضوء على جانب من خلفيّتهِ وماضيه وأسرارهِ، ولذلك تراه يُنفِقُ أموالاً ضخمةً على الاعلام لقطع الألسنة بالتّرغيب والتّرهيب، فالإعلام بالنّسبة لهُ اداة مصيريّة وهي تمثّل الحياة والموت لخططهِ ومشاريعهِ التي تعتمد بالدّرجةِ الاولى التّضليل والتّزوير والكذب والإشاعةِ والفبركةِ. خامساً؛ التّضليل وإخفاءِ الحقيقة من خلال اخفاء الخبر ومصادره، كما وصف امير المؤمنين عليه السلام فعل الطّاغية معاوية مع أهل الشام قائلاً {أَلاَ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ، حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ}. فكانت عاشوراء وكانت كربلاء وكان الحسين السّبط عليه السلام لوعي الحقيقة من خلال اثارة العقول. E-mail: nhaidar@hotmail. com