حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لم يجافِ الحقيقة رئيس روسيا الاتحادية بوتين حين قال (طريق النصر يمر ببغداد) في معرض إبداء رأيه حول استنفار بلاده الامني والعسكري والاستخباراتي والمعلوماتي الذي بدا في الاونة الاخيرة اشبه بالحلقة التي كانت مفقودة في سلسلة حلقات الحراك الدولي المتعثر الذي تقوده الولايات المتحدة لمكافحة داعش الذي استفحل خطره خارج اسوار مناطق نفوذه وتمركزاته في سوريا والعراق انطلاقا من بؤرة نشاطه الارهابي التدميري في مايسمى بالدولة الإسلامية وقد كان من المتوقع (الذي يشوبه الحذر الامريكي والخليجي) ان تدخل روسيا كدولة عظمى وقطب فاعل واخيرا كشريك في الحلف الرباعي (العراق وايران سوريا وروسيا) ومقره بغداد والذي تشكل مؤخرا كغرفة استخبارات معلوماتية ويضم هيئات اركان جيوش هذه الدول، ولكن ليس في مضمار الحرب الباردة والتسابق على المصالح، فالخطر الداعشي يهدد الجميع كما يهدد الامن القومي الروسي في القوقاز والجمهوريات السوفياتية السابقة وفي قلب روسيا ذاتها، وليس من مصلحة احد الوقوف موقف اللامبالي والمتفرج بل يجب على العالم ان لا يتصرف بطريقة غير منطقية اتجاه ما يجري في سوريا حسب تعبير وزير الخارجية الصيني (يانغ يي)الذي تنوي بلاده الدخول في الحلف الرباعي ولذات الاهداف التي تتوخاها روسيا. ومن المنطقي والاخلاقي ايجاد تسوية سياسية معقولة وحلحلة مستعصيات الازمة الروسية وفك طلاسم شفراتها التي استعصت على الولايات المتحدة والغرب الذين تورطوا في متاهات هذه الازمة ومنذ اندلاعها قبل مايقرب من خمس سنين ولم يدركوا خطورتها على الامن العالمي والاقليمي وعلى العراق بشكل خاص ومايجري في العراق من احتلال اكثر من ثلث اراضيه بيد داعش الا انعكاس مباشر لهذه الازمة ونتيجة حتمية لها وليست عرضية، وبعد ان عجزت الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف الستيني عن وضع مخارج معقولة ورسم خارطة طريق لازمة التواجد الداعشي في العراق وسوريا وامتداداته كجيش النصرة الارهابي وتحجيم منافذ تمويله وانسيابية تدفق مقاتليه عبر الحدود والدول التي تعد "مصدرة" للإرهابيين ومازال التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة يتخبط في وضع نهاية لها افق منظور لمعاناة الشعبين العراقي والسوري ودرء الخطر الداعشي المحتمل عن المنطقة والعالم. ويبدو ان الولايات المتحدة ايقنت مؤخرا ومعها شركاؤها ان الرؤية العراقية الإستراتيجية تجاه الملف السوري هي الرؤية الاكثر اعتدالا وصوابا وكانت روسيا الاتحادية وايران وسوريا تقاسم العراق هذه الرؤية يضاف اليها الصين وبعض الدول ذات الاتجاه اليساري كفنزويلا وكوريا الشمالية، وقد كانت الولايات المتحدة وهي اللاعب الدولي الاكبر في الشرق الاوسط ترى ان جوهر المشكلة (وليس الحل) يكمن في بقاء بشار الاسد في الحكم وعليه الرحيل فورا ودون شرط وراحت تمد الفصائل الإرهابية المناوئة بكل مقومات الحرب وتتحجج بان هذه الفصائل هي من ضمن المعارضة(المعتدلة) والمشروعة للشعب السوري بينما كانت الرؤية الروسية تختلف تماما وترى ان بقاء الاسد هو ضمان بانحسار الفصائل الارهابية التي تمدها الكثير من الاطراف الاقليمية كدول الخليج وتركيا ولأجندات سيا / طائفية مبيتة بأسباب استمرار نشاطاتها الارهابية فهي ليست معارضة حقيقية ولا معتدلة ضد نظام حكم له سجل غير مشرف في مجال حقوق الانسان بل فاقت النظام السوري في خروقاتها اللاانسانية والوحشية ولهذا فان ضمان انحسار خطر هذه التنظيمات والفصائل عن المنطقة والعالم يتمثل في دعم بقاء الاسد في الحكم ولو لفترة مؤقتة وعدم الاشتراط برحيله يتم فيها ترتيب وضع مناسب لحل الازمة السورية وهذا ما ادركته مؤخرا امريكا عبر لسان وزير خارجيتها كيري (عدا فرنسا السائرة بركاب السعودية) ما انعكس سلبا على واقع مكافحة الارهاب الذي أحال سوريا كدولة وثلث اراضي العراق الى خراب وساهم في تأخير الجهود الحقيقية المبذولة في هذا المسعى لاكثر من ثلاث سنين. وتجسدَ القصور في الرؤية الإستراتيجية الأمريكية في: 1 انها كانت متخوفة من بسط جناح روسيا الى المياه الدافئة بعد ان تتمكن من بسط نفوذها كدولة عظمى في سوريا لاسيما من خلال قواعدها قرب طرطوس، وفي هذا لم تبتعد اجواء الحرب الباردة عن المخيلة الإستراتيجية للولايات المتحدة وشركائها الأطلسيين وعودة مناخ حرب افغانستان بعد الاجتياح الروسي لها عام 79 من جديد. 2 انها وطيلة فترة الازمة التي امتدت حرائقها الى متون دول عديدة اخرى في الشرق الاوسط والعالم ومنه اوربا كانت تنظر الى ان الاسد هو جزء من المشكلة (او انه هو المشكلة) مع انه كان يقارع التنظيمات الارهابية ولم ينظروا اليه على انه يمكن ان يكون جزءا من الحل ومطلوب دعمه وفي هذا لم تتحرر الولايات المتحدة من اسار التوجه السيا /طائفي لحلفائها الخليجيين في تعاطيهم المفرط في السلبية مع هذا الملف الخطير 3.عدم الجدية الواضحة في معالجة خطر لايقل عن خطر النازية من خلال التسويف المستمر والمماطلة التي لم يجن منها العراق غير الوعود في وقت يتعرض لأبشع هجمة ارهابية.4 فصل الملف العراقي عن الملف السوري وكلا البلدين يتعرضان لخطر واحد ويحتاجان الى معالجة دولية جدية واحدة 5. عدم الالتفات الى الرؤية العراقية في هذا المجال ممافوّت اكثر من فرصة لدحر الارهاب فضلا عن عدم إشراك ايران اللاعب الإقليمي الاكبر والتغاضي المتعمد عن الدور الذي من المكن ان تقدمه طهران في هذا المجال، وقد اقتنعت الولايات المتحدة مؤخرا بأهمية الدور الايراني لايران مابعد الاتفاق النووي، ولكن بعد فوات الاوان 6 عدم جدية الولايات المتحدة في تفعيل اتفاقية الاطار الاستراتيحي التي وقعتها مع العراق عام 2008 وهي ماتزال حبرا على ورق من ذلك التاريخ. وياتي دخول روسيا على خط التحالف الرباعي لتصحيح الاخطاء الإستراتيجية الأمريكية الفادحة وقبل اندلاع حرائق اكبر اولا ولانقاذ مايمكن انقاذه وقبل ان يستفحل خطر داعش الى متون دولية اخرى او يدخل الارهابيون الى بيوتنا حيب تعبير الرئيس بوتين. الترحيب العراقي الحكومي والشعبي جاء مكملا "للترحيب" الرسمي للولايات المتحدة لإنشاء هذا التحالف الذي من المفترض انه يأتي مكملا للتحالف الذي تقوده امريكا التي وجدت في التحالف الرباعي الجديد طوق إنقاذ وحفظ ماء الوجه قد جاء في وقته الملائم لانتشالها من ورطة تخبطها في ملفات الشرق الاوسط الساخنة والمهددة للأمن القومي الأمريكي ذاته فلم يعد سرا فتور الاندفاع الخارجي الامريكي في عهد اوباما الذي وعد الناخب الأمريكي باتخاذ سياسة خارجية تختلف عن سياسة سلفه بوش الذي ورّط الأمريكان في عدة حروب مكلفة اقتصاديا وبشريا ولكن هذا لايبرر موقف امريكا اللاأخلاقي مع قضية بخطورة داعش على السلم الدولي وليس امام امريكا في الوقت الحالي سوى الانسجام مع الارادة الدولية والإقليمية المتواشجة مع التحالف الرباعي فضلا عن تحشيد جهودها كقائد للتحالف الدولي في خدمة التحالف الرباعي إن ارادت عالما آمنا وعليها قبل كل شيء ان تعيد ثقة العالم بها كدولة عظمى من العيار الثقيل. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- تأثير الحرب الروسية الأوكرانية في العراق
- سوق الحرب الاوكرانية الروسية
- مصير الشركات النفطية الروسية في العراق