حجم النص
بقلم:فالح حسون الدراجي لم تكن الفلوجة معروفة للعراقيين من قبل.. ولولا جودة الكباب في مطاعمها، لما عرفت هذه المدينة في بغداد بتاتاً.. خصوصاً بعد شيوع صيت (مطعم زرزور) الذي إفتتح في الفلوجة بمطلع أربعينيات القرن الماضي، وأشتهر بجودة كبابه في بغداد ومدن العراق، ومن ثم مطعم حجي حسين، وكباب البادية اللذان لا يقلان جودة عن كباب زرزور. لقد ظل (الكباب) الفاخر ماركة فلوجية مسجلة، حتى هذه الأيام، حيث إنتشرت مطاعم الوجبات السريعة الأمريكية في الفلوجة، على الرغم من انها مطاعم (إمبريالية)، وكذلك مطاعم (الكنتاكي)، والهمبرغر، والبيتزا مع الأجبان التركية والسويدية والبطاطا المقرمشة بزيت الزيتون وشرائح الدجاج، تماشياً مع المودة.. وفي مطلع الستينيات عُرفت الفلوجة من خلال بروز إبنها العقيد عبد السلام عارف، الذي شارك في قيادة ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة، لكن الرجل طمع في كرسي الحكم، فغدر برفيقه وصديقه وأخيه، وصاحب الفضل الكبيرعليه الشهيد الخالد عبد الكريم قاسم، لكن العناية الإلهية، ونباهة الزعيم الخالد أفشلت محاولة الإغتيال التي قام بها عبد السلام. وبعد تلك المحاولة الغادرة، وحصول سلسلة من التطورات الدراماتيكية، ووصول عبد السلام عارف لكرسي الرئاسة الأول، بواسطة الإنقلاب البعثي الدموي، عاد لهوايته في لعبة الغدر مرة أخرى، فغدر هذه المرة بحلفائه البعثيين الذين جاءوا به الى سدة الحكم، لينقلب عليهم، وينجح في أن يكون رئيساً مطلقاً للجمهورية العراقية، ثم ينتهي به الأمر بعد ذلك الى ميتة شنيعة بطائرة مروحية سقطت به في البصرة. وقتها عرف الناس أن عبد السلام عارف من عائلة منحدرة من إحدى ضواحي الفلوجة.. وهكذا عاد إسم الفلوجة للضوء ثانية، بعد ان تردد كثيراً في نشرات الأخبار العربية والعالمية.. ولا أدري أهي مصادفة أن (يغدر) أيضاً أعضاء الثلاثي الشهير، ابراهيم الداود، أمر الحرس الجمهوري، وسعدون غيدان آمر دبابات القصرالجمهوري وعبد الرزاق النايف مدير الإستخبارات العسكرية، بولي نعمتهم عبد الرحمن عارف رئيس الجمهورية آنذاك، وهم من نفس مدينته الفلوجة، بعد أن وثق بهم، وأمنهم على حمايته، فتآمروا عليه، وتعاونوا مع البعثيين ضده، وباعوه في سوق النخاسة بيعة بخسة.. فماذا دها الفلوجة ليطلع منها كل هذا العدد من الغادرين والمتآمرين، حتى على أقرب الناس اليهم؟! لقد حصلت مراسلات عديدة قبل سنوات بيني وبين قيس، النجل البكر للرئيس الراحل عبد الرحمن عارف، وقد نقل لي الرجل حزن أبيه من غدر، وخيانة الثلاثة، الذين وضع بيدهم أكبر السلطات، ووثق بهم فسلمهم حتى عنقه، لأنهم أخوته، وأبناء مدينته الفلوجة.. وعدا الكباب، وغدر عبد السلام عارف، والثلاثي الفلوجي المرح، فإن الفلوجة عرفت أيضاً بكونها مدينة المساجد، حتى يقال أن لكل ألف مواطن مسجداً فيها.. وهذا امر يدعو للفرح، فالمدينة (مؤمنة) كما يبدو، لكن فرحتنا ستزول حين نعرف أن هذه المساجد تحمل أسماء كريهة، ودموية، وقاتلة تستفز مشاعر الناس، إذ مامعنى أن يسمي الفلوجيون مساجدهم بإسماء يزيد بن معاوية، وعمر بن سعد ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وغيرهم من (القنادر) العتيقة.. حتى يقال نقلاً عن شهود عيان أن (إمام وخطيب) جامع يزيد بن معاوية في الفلوجة هو الذي أشرف على إعدام الشهيد مصطفى العذاري.. وعذراً لمن يراني بصورة متحيزة، فأنا لم أر للأسف غير هذه الصورة البائسة عن هذه المدينة، حتى أذكر إني مازحتُ مرة صديقي الفنان التشكيلي الكبير مطيع الجميلي، وأنا أتمعن منبهراً بواحدة من لوحاته الفاخرة، فقلت له: مطيع أحلفك براس النبي، إنت صدگ من أهل الفلوجة؟ فضحك، وقال: ولو أن في سؤالك خبثاً كبيراً.. لكن والله العظيم، آني من الفلوجة، ولادة وترعرعاً وأصلاً وإنتماء، ومازلت أسكن فيها. أما الفلوجة بعد سقوط نظام صدام، فحكايتها باتت على كل لسان.. بحيث أصبحت (علكة) في أفواه أعداء العراق، كالسعودية والأردن وقطر وغيرها من البلدان المعادية.. وكي يُستغل الأمر سياسياً ضدنا فقد تبنى أعداؤنا (ثورة) الفلوجة، لتصبح هذه المدينة بين ليلة وضحاها بؤرة الثورة التحررية العالمية، وقلعة الصمود الجاجيكي، وعلى هذا المستوى من (الخرط) قيل الكثير فيها.. لقد أصبحت الفلوجة اليوم (حاشا الشرفاء والطيبين فيها) بيتاً للقتلة، ومأوى لكلاب داعش، وصار أهلها ينشدون علناً بلا حياء، وخجل (احنه تنظيم إسمنه القاعدة)!! وراح شيوخ عشائرها، ورجال دينها، وسياسيوها يتفاخرون بأنهم سيقطعون رؤوس الرافضة، ولا مكان (لعبد الزهرة) في الفلوجة بعد اليوم. ولعل الأمر المؤلم أن عمليات القتل الطائفي بدأت من الفلوجة عام 2004، أي من ذبح الجنود والشرطة الشيعة، ومن ذبح سواق التريلات الشيعة أيضاً، ومن تعميم القتل على الهوية، ليتواصل دمنا مهدوراً مسفوحاً بسكاكينهم الغادرة حتى يومنا هذا.. وقد كانت آخر مآثر الفلوجة انها باتت مقراً قيادياً منيعاً للدواعش، بدءاً من القيادي شاكر وهيب، وإنتهاء بالقيادي أبي عائشة التونسي، فضلا عن أن الفلوجة باتت اليوم حجر عثرة في طريق تحرير الموصل، إذ لايمكن تحرير الموصل قبل تحرير الفلوجة!! هذه هي الفلوجة، وهذه (ثمار) زرعها، لذلك يجب أن يتنبه أبطال جيشنا الباسل، ورجال حشدنا الميامين وهم يتقدمون فيها بعون الله، فيحذرون من غدر شيوخ العار، ورجال دين الفتنة في هذه المدينة، فلهؤلاء الناس جذور، وأساس في الغدر، فلا يثقون بأحد منهم ويندمون بعدها لا سمح الله.. وأن لا ينسوا ان لنا دماً في عنق هذه المدينة، دماً حراً طاهراً بريئاً ومظلوماً. وطبعاً فنحن نثق بقصاص أبطالنا العادل..
أقرأ ايضاً
- التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد