حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لم يكن ملف الكهرباء طارئا على هامش حياة العراقيين او متون معاناتهم ومنذ عقد من الزمان ونيف منه بعد ان انخرط ملف الكهرباء الى سلسلة الملفات الساخنة التي احالت حياة العراقيين الى كابوس مزعج ليس الوضع الامني والارهاب المتفشي والفساد المستشري باقل منها وايضا مسالة المياه والبيئة والوضع المعيشي الصعب ومناسيب البطالة، ويحل ملف الكهرباء في كل صيف عراقي قائظ ضيفا ثقيلا ومحمّلا بالكثير من المعاناة والهدر بالاموال والجهود وهو ملف ـ كما يبدوـ يشوبه استعصاء مزمن مع تعدد الحكومات المتوالية الا انه كان ضمن استراتيجيات برنامج حكومة د.العبادي الحالية (المحور الثاني الخاص بالارتقاء بالمستوى الخدمي والمعيشي للمواطن ج ـ توفير الخدمات الأساسية للمواطنين (السكن والماء والكهرباء) وهي الوزارة الوحيدة التي بقيت التخصيصات المالية الواردة اليها شبه مفتوحة ولأسباب عديدة منها لإدامة ديناميكيات القطاعات الإستراتيجية التي تشكل عصب الحياة كالزراعة والصناعة ومستلزمات البنى التحتية وقطاع الصحة وللتخفيف من معاناة العراقيين. ولكن هذه المرة دخل ملف الكهرباء "الوطنية" في متاهات اخرى اولها نظرية المؤامرة التي لم تنفكّ عن ردود الافعال الشعبية الغاضبة ضد قرار وزير الكهرباء المهندس قاسم الفهداوي برفع اسعار تعريفة الكهربائية ولم يتمَّ امهال الفهداوي كي يوضح دواعي هذا القرار وملابساته إعلاميا وسرى مفعول هذه النظرية حتى على الوزير الفهداوي نفسه ونسجت حوله الكثير من "القصص" التي تخص تاريخه المهني وخلفياته المناطقية والطائفية وتم تسييس ملف الكهرباء وتجييره طائفيا ومناطقيا واقواميا وحُمّل حمولات غريبة عنه وعن واقع الكهرباء نفسها وكان يجدر بوزير الكهرباء ان يقوم بتوضيح الامر توضيحا كافيا يزيل به اللبس والغموض والإبهام الذي اكتنف هذا القرار وماحفّه من موجات غضب عارمة استغلتها وسائل الاعلام المغرضة اسوأ استغلال واعادت انتاجها على كونها حالة عصيان وتمرد شعبي ضد الحكومة التي صورتها عدوة للشعب العراقي وتعمل ضد هذا الشعب من خلال التهويل والتزييف والفبركة وقلب الحقائق واعادة منتجتها لتوحي بان ثمة "ثورة" شعبية عارمة ستندلع في العراق في وقت يخوض فيه أبناء العراق حربا ضروسا ضد داعش. اما لجنة الطاقة البرلمانية فهي الاخرى لم تكلّف نفسها بتقديم اي توضيح لملابسات هذا القرار الذي يهم شريحة واسعة من العراقيين لاسيما اصحاب الدخل المحدود او الذين لادخول لديهم بالمرة في وقت تلقف الكثير من السياسيين الغضب الشعبي وحاولوا ان يقدموا مزايدات سياسية قوامها معاناة الناس ومستعرضين "تعاطفهم" مع الجماهير من خلال وسائل الاعلام وليس بعيدا ان تكون الكثير من الاحزاب والكتل السياسية قد دخلت على هذا الخط الساخن بعدما تُرك قرار رفع تعريفة الكهرباء على عواهنه دون تفسير او توضيح سوى إشارات مبهمة من تصريحات الوزير الفهداوي نفسه الذي برر هذه الزيادة تبريرات زادته إبهاما وتلغيزا من مثل ان على وزارته (الكهرباء الوطنية) استحقاقات مالية كثيرة ومتراكمة ويجب تسديدها وانه بهذا القرار يريد "التشجيع" على "ترشيد" الاستهلاك. ولم يوضح الوزير لماذا وكيف هذه المستحقات وماهو دور الفساد الإداري والمالي في تراكمها بالمليارات من الدولارات كما لم يوضح كيفية وآليات وضوابط "ترشيد" الاستهلاك لشعب حُرم من نعمة الكهرباء لسنين مع استنزاف الكثير من مقدرات المواطنين المالية كشراء المولدات او مولدات المناطق وخطوط "السحب" وهذه التبريرات لم تقنع رجل الشارع ولا الرأي العام بل العكس زادت من حدة السخط الشعبي اضطراما وتأجيجا سواء في الشارع المحتقن او على صفحات التواصل الاجتماعي وبعد ان تحولت بعض وسائل الإعلام ومنها الفضائيات الى "منابر" و"منصات" اكتظت بـ "المحللين" و"الخبراء" الذين ربط البعض منهم هذا القرار بداعش مباشرة وان هناك "مؤامرة" يقودها وزير الكهرباء ضد مناطق وشرائح معينة وقد تناسى الجميع ان هذا القرار هو قرار مجلس الوزراء (حكومي) وليس قرار الوزير (شخصي) كما ليس من حق اي وزير ان يتخذ قرارا ما دون الرجوع الى مجلس الوزراء الذي هو عضو فيه، والغريب اني لم اجد اشارة واحدة تشير الى مسؤولية الحكومة التنفيذية او رئيس الوزراء د.العبادي شخصيا في صياغة وفرض هذا القرار الذي اتُخذ بالإجماع ومن سوء حظ الوزير انه اختار توقيتا غير مناسب والصيف يطرق ابوابنا على عجل ومازال قطاع الكهرباء يعاني من مرض عضال. وقد اصاب مجلس الوزراء الهدف حين تلقف إشارة الشارع الغاضب وامتص غضبه بعدما قرر إعادة "النظر" في هذا القرار الذي قرر "التريث" العمل به بعد إطلاقه في محاولة لامتصاص غضب الشارع وتسكين فورته الهائجة واعلن دعمه لوزارة الكهرباء وتأجيل تسديد القرض الذي بذمة الوزارة الا انه لم يوضح ماهية آليات إعادة "النظر" وكيفيتها فهل يُفاجأ العراقيون بمفاجأة اخرى من العيار الثقيل وفي قلب الصيف اللاهب وهل تستحيل الوعود بصيف "بارد" الى اضغاث احلام، سؤال مازال ينتظر وزارة الكهرباء "الوطنية"!!!! اعلامي وكاتب