حجم النص
عباس الصباغ كثيرة هي الدلائل والعلامات التي تدل وتشير بوضوح جلي الى ان تنظيم داعش الارهابي بدأ يعاني من التقهقر المريع والموت السريري ويقترب من الاحتضار والتلاشي وبات يحتاج الى "عناية" مرّكزة تديم وجوده وبقاءه على قيد الحياة اطول فترة ممكنة وبما يحقق الأجندة التي كان يتوخاها مهندسو ومبرمجو وممولو هذا التنظيم الذي ولد بعملية قيصرية انتجت جنينا مسخا ومشوها من رحم تنظيم القاعدة الام التي انتجتها مآلات التحولات الدراماتيكية للحرب الباردة التي استعرت أوارها بين المعسكرين الشرقي والغربي والتي توجت سيناريوهاتها الساخنة بالغزو السوفياتي لافغانستان و"الفرصة" الثمينة التي انتهزتها الولايات المتحدة لوضع "الدب" الروسي في المصيدة وتقليم أظافره وكبح جماح المعسكر الاشتراكي في التوسع شرقا والى المياه الدافئة والى الخليج العربي بالذات المنطقة التي تشكل عصب الاهميات الجيوستراتيجية للولايات المتحدة وللعالم الرأسمالي عموما فوَّفر الاحتلال الروسي لافغانستان والغزو الصدامي للكويت فيما بعد الغطاء الكامل لشرعنة التواجد والتمدد الامريكي والغربي لحماية مصالحهم الحيوية والجيو ستراتيجية في الشرق الاوسط. ومن يتابع الخطوط البيانية لنشوء وصعود تنظيم داعش الارهابي وهو النسخة الاكثر سوءا وتوحشا ودموية من تنظيم القاعدة الام في الاراضي السورية وفق أجندات اقليمية سيا ـ طائفية وحسابات دولية ـ اقليمية تخص الشأن السوري ومالات الحرب الاهلية الطاحنة في هذا البلد ومن ثم زحفه الى الاراضي العراقية وتشكيل مايسمى بدولة الخلافة في العراق والشام (باعتبار ان العراق وسوريا يمثلان مجالا حيويا واحد ومنطلقا ستراتيجيا لداعش) ومن يتابع هذا السيناريو يجد ان داعش وان تمتع في بعض الأحيان ببعض إمكانات الدولة نتيجة الدعم والتأييد الإقليمي الواسع وامتداداته الدولية الأخطبوطية في كل أرجاء العالم وفي مناحٍ عدة شكلت العمود الفقري للقوة التي منحت داعش وجودا استطاع من خلاله ان يحتل مناطق شاسعة من العراق وسوريا، يضاف اليه دعم حواضن محلية تورطت في دعمه وإسناده وقدمت تسهيلات لوجستية وتكتيكية فضلا عن مواقع إستراتيجية كان يتحصن بها ويستثمرها في عملياته العسكرية والارهابية في كل الدول التي يتواجد على اراضيها لان الاخطبوط الداعشي وصلت مخالبه الى تخوم بلدان عديدة كمصر وليبيا ودول افريقية اخرى وصار يهدد دولا كبرى كندٍ لها. الا ان الخطوط البيانية العريضة لداعش لم تكن على وتيرة واحدة فتأرجحت صعودا ونزولا وفي الآونة الاخيرة شهدت خطوطه البيانية ادنى منسوب لها وذلك نتيجة أخطائه الفادحة وتخبطاته المريعة وفقدانه العديد من مصادر التمويل والدعم اللوجستي وبدأ نفوذه ينحسر ويتراجع كثيرا نتيجة الضربات الجوية الماحقة والانتصارات العسكرية النوعية والإستراتيجية التي تحرزها قواتنا العسكرية والامنية تساندها قوات الحشد الشعبي والبيشمركه والعشائر. كما بدأ داعش يخسر امتداداته الإقليمية بعد ان اصطفت الدول والجهات التي كانت تقف وراءه ضمن منظومة التحالف الدولي لمناهضة داعش بعد ان ادركت انها لن تكون بمأمن من شرور هذ التنظيم المتوحش كما بدأ يخسر حواضنه ومناطقه الإستراتيجية الواحدة تلو الاخرى بعد ان استردت قواتنا العسكرية تلك المناطق وجردت داعش من اهم مرتكزاته الحيوية التي كان يتمتع بها. فيكون وفق هذه المعطيات الملموسة على الارض ان زوال داعش المحتضر هو مسالة تحتاج الى بعض الوقت والجهد والتضحيات والصبر والتكاتف والتلاحم الوطني ناهيك عن الموقف الجاد والمطلوب إثباته على الارض من قبل المجتمع الدولي من خلال التزاماته تجاه العراق ومراجعة النفس بالنسبة للذين كانوا جسورا مجانية لداعش في العبور فوق تخوم الوطن.