حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ توارثت المخيلة الشعبية والمنظومة السايكلو ـ سيوسولوجية العراقية جملة من المفاهيم الاقتصادية الخاطئة وربما لاتوجد عند شعوب عالمثالثية اخرى بهذه الدرجة المكثفة التي لايستشف منها التخطيط الإستراتيجي المستقبلي المطلوب وذلك بالاتكاء على الرفاه النسبي الذي يتمتع به العراق ومن مصادر الثروات التي تكتظ بها أرضه المعطاء ومن هذه المفاهيم السيوسولوجية ـ اقتصادية الخاطئة (اصرف مافي الجيب ياتيك مافي الغيب) سواء أكان الصرف عن تبذير ام على تخطيط وسواء أ كان الآتي عن طريق الماورائيات التي ليس لنا القدرة على الخوض في غمارها وتحديد ماهياتها او عن طرق اخرى مشروعة كانت ام غير مشروعة، وان القائل بهذا المفهوم المغلف بالميتافيزيقيا والذي ضرب مثلا على عدم الاهتمام بالأمور المادية، متأكد تمام التأكد من هذا الآتي الذي سيعوض الذاهب من المصروف. ومفهوم اقتصادي آخر يخلو من التخطيط الاستراتيجي المستقبلي ايضا (عصفور باليد خير من عشرة عصافير على الشجرة) أي الاكتفاء بما موجود وعدم النظر في موارد اخرى للرزق او عدم السعي الى تلك الموارد وذلك طلبا للراحة والسكينة. ومفهوم اقتصادي اخر (هذا من حصة النفط) واين حصتنا من النفط ؟ لفتح الباب مشرعا أمام الإنفاق غير المنضبط والمطالبة بحقوق إضافية من المال العام مادام هنالك نفط يُصدر وتغذي عوائده اكثر من ستة وتسعين بالمائة من الدخل القومي للعراق ويلقم بالرزق الريعي العميم اكثر من ثلاثين مليون فاها من العراقيين الذين ينتظرون خيرات وبركات سلة اوبك المنظمة لأسعار برميل النفط في الأسواق العالمية ويصرفون مافي الجيب الى ان ياتيهم مافي الغيب... غيب سلة اوبك. ويبدو ومن هذه المقدمة ان النخب السياسية وأصحاب القرار وواضعي السياسات الاقتصادية في العراق لم يتخلصوا من رواسب تلك المفاهيم السيوسلو ـ اقتصادية الشعبوية الخاطئة فمازالت الموازنات " الانفجارية" تتبخر إما في مسارب ومتاهات الفساد المالي والإداري او تتلاشى في متون قوائم الصرفيات والنثريات الباذخة وغير الضرورية وبدون وجع قلب كما يقول المثل. ولم يضع مقررو السياسات المالية والنقدية نصب أعينهم التخطيط الإستراتيجي المستقبلي لمناسيب سعر النفط في الأسواق العالمية مادامت جميع الموازنات العراقية ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد الان تعتمد على سعر برميل النفط ولم يحتسبوا مؤشرات الطفرات الحادة التي تطرأ على أسعار النفط كما حصل في الشهور الأربعة الأخيرة حيث وصل سعر برميل النفط الى دون مستوى نصف سعره قبل سنة من الان الامر الذي حدا بالحكومة الى إعلان حالة التقشف وفي جميع مفاصل الدولة العراقية والسؤال الذي يفرض نفسه اذا كانت وتائر أسعار برميل النفط في "تصاعد" فوق المائة دولار في السنين السابقة، لمَ لم يكن هناك فائض نقدي ترليوني كما وجد بعد مناقشة مشروع الموازنة ان هناك عجزا ترليونيا فيها وهذا العجز ممكن ان يقلص بفرض الضرائب على امور عدة هي في رأي واضعي الخطوط العريضة للموازنة (2015) غير ضرورية ولاتمس حياة المواطنين بصورة مباشرة مثل الهواتف النقالة والسيارات وخدمة النت وغيرها فضلا عن استقطاع جزء من رواتب الموظفين "كادخار" إجباري وسؤال اخر يفرض نفسه ايضا لماذا كانت أبواب الاستيراد العشوائي مشرعة؟ ومن كافة المناشئ خاصة نفايات الصين الشعبية والهند ودول اخرى ليس لها أهمية إستراتيجية على خارطة الأولويات الجيبولوتيكية في العالم وحتى من قبل بعض الدول المجهرية والمقزمة ؟ ولم يتخذ أي إجراء لحماية الاقتصاد العراقي المتهالك من السقوط ووقاية وتحصين قطاعي الزراعة والصناعة اما قطاع السياحة فيكفي دخول اكثر من مليوني زائر ايراني دفعة واحدة وعنوة وبدون ان يدفعوا فلسا واحد يدخل في جيب الحكومة العراقية التي تتكلم عن عجز ترليوني في موازنة 2015 وفي حال إقرارها سيتم إدخال الشعب العراقي في نفق اقتصادي مظلم اسمه التقشف وهو تقشف يدفع ثمنه العراقيون البسطاء من لقمة عيشهم وليس لتراجع أسعار النفط في سلة اوبك وانما لفشل تخطيط السياسات المالية والنقدية وعم وجود رؤية مستقبلية في هذا التخطيط وهو ما أدى الى عجز ترليوني في ثاني بلد نفطي في العالم. كاتب واعلامي مستقل [email protected]