حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ بذات السيناريو التدميري (سيناريو 11 سبتمبر في نيويورك) الذي تكرر هذه المرة في باريس في السابع من كانون الثاني الجاري وان بضحايا اقل قياسا، الا ان التهديد الماثل هو نفسه فان المأساة التي تكرر ذاتها هنا او هناك تبدأ (بعبارات الله اكبر) واضيف اليها في السيناريو الباريسي الإشارة العلنية بان هذا العمل جاء انتقاما للرسول محمد وذلك على خلفية نشر هذه الصحيفة الساخرة رسوما قيل عنها انها تسيء الى مقام النبي) وينتهي هذا السيناريو عادة بمشاهد مروعة وغاية في المأساوية وتكشف أحداث باريس (غزوة باريس في الإعلام الداعشي) عن دلالتين إستراتيجيتين وفي غاية الأهمية والخطورة، الأولى ان الإرهاب وكما حذر منه العراق مسبقا والذي اكتوى بناره ليست له هوية او دين او بوصلة معينة فهو بدأ يرسم ملامحه العالمية والعابرة للقارات ولايستهدف فقط الدول ذات الخاصرة الرخوة او الدول العميقة كالعراق وسوريا وليبيا وغيرهما وانما بدأ يشكل أخطارا دولية اكبر وأوسع بان يضرب دولا كبرى وعظمى وفي عقر دارها وهاهي الصفحة الثانية من سبتمبر الأمريكي قد فُتحت في باريس وقد تكون هنالك صفحات أُخر اذا ما بقيت الأسباب نفسها المؤدية الى هذا الخراب ما يدل على انه لايوجد اي حاجز يقف بوجه الإرهاب مهما تمتع ذلك الحاجز من حصانة ومتانة ومنعة، والدلالة الثانية التي كشفت عنها "غزوة" باريس هي ان حادثة جريدة شارلي ايبدو قد قوضت المساعي التي تروم الى تبديد التصور القاتم عن الإسلام والمسلمين في المخيال المجتمعي الأوربي وهي صورة مشوشة ساهمت أحداث 11 من سبتمبر في نيويورك في وضع ملامحها الاولى وفق محددات تضع الدين الإسلامي في زاوية ضيقة وحرجة بل وفي خانة الاتهام بالوحشية والسادية والبربرية وعدم احترام حقوق الإنسان وحرية المعتقد والتعبير وهدر الكرامة البشرية وإزهاق الأرواح لأتفه الأسباب وان المجتمعات الإسلامية المنتجة والمصدرة للإرهاب هي مجتمعات يعشش فيها التخلف والجهل والتعصب والعنصرية والتحجر الفكري والعقائدي والقيمي وساهمت أحداث باريس في تجذير وترسيخ هذه الصورة ومن المحتمل كرد لا إرادي على وحشية الجماعة التي قامت بهذه الاعتداءات في باريس التي بدئت في الهجوم الكاسح على مقر جريدة شارلي ايبدو (أو شارلي الأسبوعية، صحيفة سياسية يسارية هزلية أسبوعية فرنسية، تعنى بنشر التحقيقات الاستقصائية عن الداخل الفرنسي، وتمتهن السخرية من كل الأديان: المسيحية، الإسلام، واليهودية. وعرفت بجرأتها في تناول المواضيع الحساسة على اختلاف أنواعها. وتعرضت للكثير من التهديدات في مناسبات مختلفة كما سبق أن تعرض مقرها للحرق) وهو هجوم اسفر عن مقتل اثني عشر شخصا من طاقمها تلته أحداث إرهابية جزئية اخرى في باريس ذاتها، ومن المحتمل جدا ان تشهد فرنسا وغيرها من البلاد الغربية موجة رد فعل عنصرية عارمة تطالب بطرد الجاليات المسلمة فيها او التضييق عليها وعدم فسح المجال للنازحين الآتين من متون الشرق الأوسط او من شمال افريقيا او من جنسيات عالمثالثية، وإعادة النظر بالخرائط الديموغرافية والاثنية للمجتمعات الأوربية لاسيما في فرنسا (في فرنسا 6 ملايين مسلم اكثرهم من جاليات شرق أوسطية وافريقية) فضلا عن تجدد المخاوف من تنشيط الخلايا الإرهابية النائمة للقيام بأعمال عنف وأول رد فعل لاستطلاع الراى العام جاء في ألمانيا وهو ما يعكس وجهة النظر الأوربية بصورة عامة ان 57% من الشعب الألماني يعتبرون ان الإسلام لايتناسب مع المجتمعات الغربية بل ويشكل تهديدا مباشرا لها وقد تتحول اتجاهات الرأي العام في أوربا في المستقبل المنظور من مجرد وجهة نظر صاخبة ضد الإرهاب (كلنا شارلي) الى تبني وجهة نظر بندية اكثر ومغلفة بالتطرف والعنصرية والشروع الى اجتثاث الإسلام بالمرة من أوربا نهائيا وقد يكون الإرهاب ورد الفعل تجاهه "علامة " تمهيدية من علامات تصارع الحضارات واصطراع الثقافات. كاتب واعلامي مستقل [email protected]