حجم النص
نــــــــزار حيدر فيما سبق ختمت مقالتي بالقول؛ ان على الرأي العام ان يمارس دوره في تقديم المستشارين الحقيقيين الى مؤسسات الدولة العراقية لتوظيف خبراتهم في خدمة البلد. في هذا المقال، سأسعى الى تدوين بعض المقترحات بهذا الصدد. اولاً: تشجيع البحث العلمي في مؤسساتنا التعليمية، خاصة الجامعات والمعاهد العالية. كما ينبغي رعاية الموهوبين وتهيئة الأجواء العلمية المطلوبة لهم، وكل ما يساعد على تحقيق وانجاز نظرياتهم العلمية، من قبيل الإيفادات العلمية والتواصل مع المؤسسات التعليمية العالمية ومصادر البحث وغير ذلك. ومن ثمّ تهيئة الأجواء اللازمة لاستيعاب نتاجاتهم، والا ما فائدتها اذا لم تجد ما يستوعبها برامج ومشاريع عملية؟!. ثانياً: ان يجد كل مسؤول في الدولة، خاصة المشرّع تحت قبة البرلمان والوزير في الحكومة، طريقةٍ ما للتواصل مع الاختصاصيّين في مجال عمله واختصاصه، سواء في داخل العراق او خارجه، وبحمد الله تعالى فلقد اتاحت لنا التكنلوجيا اليوم وسائل عديدة للتواصل، قصّرت المسافات واختزلت الوقت، فلماذا لا يستفيد منها المسؤول للتواصل مع من يجد فيه الكفاءة وعنده الخبرة في مجال عمله ليتواصل معه على الأقل بالمشورة والفكرة والمقترح والبحث والدراسة؟. ثالثاً: ان تُبادر كل وزارة الى تشكيل ورش عمل من ذوي الاختصاص في داخل العراق وخارجه، لتقديم المشورة بشأن كل مشروع من مشاريعها، كذلك عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وبذلك ستبني كل وزارة فريق مستشارين لا يكلّفونها شيئاً سوى الوقت للتواصل معهم، كلٌّ في موقعه، وربما ان في مثل هذه المجموعات الاستشارية فوائد اكبر بكثير من كتل المستشارين التي تحيط بالوزير مثلاً، لان المستشار الميداني الذي يقدّم رأياً في موضوع اختصاصه يكون اقرب الى الصحة وأكثر دقة من المنظّر الذي يعتمد الإنشاء وأحياناً الكلام الفارغ، خاصة وان العراقيّين اليوم موجودون في مؤسسات عالمية ودولية عديدة امتلكوا من خلال العمل فيها خبرة دولية احوج ما يكون اليها العراق اليوم. كما ان مثل هذه المجموعات الاستشارية قادرة على تقديم الخبرة للوزير او الوزارة المعنيّة بما يخصّ افضل طرق التعامل مع المؤسسات الدولية صاحبة العلاقة والشأن. خذ مثلاً على ذلك، وزارة المالية، فاذا نجح الوزير او الوزارة في تشكيل فريق استشاري بالطريقة المشار اليها، فانه سيحصل منه على استشارات في مجال التعامل مع المؤسسات الدولية المعنية كالبنك الدولي مثلا وما شابهه، وذات الشيء بالنسبة الى وزارة السياحة والاثار وغيرها من الوزارات. رابعاً: ان يبادر ذوي الاختصاص في اي مكان كانوا الى تشكيل فرق مستشارين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدأوا بدراسة ملفات الاختصاص فيما بينهم والمبادرة الى تدوين النتائج في ورقة عمل تقدم الى الوزير او الوزارة او المشرع المعني، شريطة ان يصغي اليها المعنيّون كلاً واختصاصه ومجال عمله، لا ان يتجاهلها ولا يعيرها اهمية تذكر فيضعها على الرف اذا وصلته من واحدة من هذه المجموعات الاستشارية. وانا على يقين من ان الكثير من مثل هذه الاوراق التخصّصية، سواء الفردية منها او الجماعية، فيها الكثير من الرؤى والأفكار والحلول للكثير من مشاكل العراق العالقة. ان المسؤول في بغداد قد لا يجد الوقت الكافي للتفكير والبحث في آفاق عمله، خاصة اذا كان حزبياً يحوم حوله عدد من المستشارين الفضائيين او (الدمج) ولذلك فان نتاج مثل هذه المجموعات الاستشارية المتطوعة يمكن ان تقدّم خدمة كبيرة للبلد من خلاله اذا ما انتبه الى نتاجها واعارها الاهمية اللازمة. وانا بهذه المناسبة أشدّ على يد الخبراء والباحثين والمتخصصين العراقيين الذين يبادرون بين الفينة والأخرى الى تقديم أوراقهم البحثية المتخصصة الى الحكومة او الى مجلس النواب كما هو الحال بالنسبة الى المبادرة النفطية التي تقدم بها عدد من الخبراء العراقيين مؤخراً. خامساً: وبهذا الصدد اتمنى على مختلف المجموعات التي تنتشر اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي، ان تسعى لان تتحوّل الى مجموعات استشارية بكل معنى الكلمة، فكلُّ واحِدَةٍ منها مشروع مركز أبحاث ودراسات اذا قرر الأعضاء فيه ان يكون كذلك، شريطة اعتماد الجدية والاختصاص والمثابرة ووحدة الموضوع. الى متى تبقى مثل هذه المجموعات، مع احترامي الشديد لها، مصدراً لتضييع الوقت بنسخ ونشر كل ما يصلها او يمر من أمامها وأغلبه حرب نفسية يصنعها الارهابيون وتنشرها هذه المجموعات؟ وجلّهُ مكرر حدِّ القرف؟. الى متى تظل مثل هذه المجموعات سبباً من اسباب تسطيح الوعي لدى المتلقي لكثرة ما يُنشر فيها من اخبار كاذبة وصور مفبركة وافلام مركّبة الغرض منها إشغالنا وتلهيتنا لنبتعد عن التفكير الجدّي والبحث في القضايا الهامّة التي تخصّ حياتنا وظروفنا؟. لماذا لا نوظّف هذه المجموعات في البحث والتحقيق والاستنتاج بما يقدم لنا رؤية تساهم في معالجة الكثير من مشاكلنا، وكذلك في بناء رؤية مستقبلية لبلدنا وشعبنا؟. يجب علينا ان نتوقف فوراً للحظات لنفكّر بما ننشره وما نقرأه وما نتداوله في هذه المجموعات، فسنكتشف اننا نضيّع وقتاً كثيراً ونحن نتبادل التوافه من الامور، وأحياناً في حروبٍ جانبيّة عبثيّة. في نفس الوقت، فان هناك من يبذل جهداً كبيراً، معرفياً وإدارياً، لتطوير هذه المجموعات وتبويب ما يُنشر فيها وتوجيهه بما يَصْبّ في صلب المواضيع التي تخصّ واقعنا. اتمنى ان ينتبه الجميع الى ذلك، لنحوّل هذه المجموعات الى ورش متخصّصة تهتمّ ببحث كل ما يخص واقعنا من اجل ان تساهم في بناء رؤية. ١٦ كانون الثاني ٢٠١٥ للتواصل: E-mail: nhaidar@hotmail. com