حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ لم يتوقع السياسيون وأصحاب القرار ان تصل الأمور الى ماوصلت اليه الان من ولوج الاقتصاد العراقي الى هذه المطب الذي جعل من الحكومة مضطرة الى إعلان التقشف في جميع مفاصل الدولة بدءا من الحلقات المتقدمة فيها (الرئاسات الثلاث) ويسري هذا القرار ليشمل الحلقات الأصغر والأضعف والأقل أهمية. كما لم يكن أصحاب القرار يتوقعون ان يكونوا مضطرين الى إعلان سياسة شد الأحزمة على البطون بعد الإعلان عن خواء الاحتياطي النقدي العراقي من العملات وكما متوقع ان يبلغ عجز الموازنة للعام الحالي نسبة تصل الى 20 % " وان يصل معدل العجز المخطط في الموازنة العامة بعد التخفيض، نحو 27 تريليونا و611 مليار ديناروهي مسؤولية مزدوجة تقع على عاتق السلطتين صاحبتي القرار الاول في البلاد وهما السلطة التنفيذية في مسؤوليتها عن رسم سياسة مالية ونقدية متزنة ومتوازنة تراعى فيها جملة من الاستراتيجيات كالإيرادات والصادرات والاحتياطي النقدي ومعدل الدخل القومي للفرد العراقي ومستوى المعيشة ومناسيب البطالة والتضخم ومقدار المحرومية ووضع أسس مستقبلية لإدارة عجلة الاقتصاد العراقي الريعي المنهك وتنويع مصادره ومن جهة اخرى تتحمل السلطة التشريعية مسؤولية أخرى عن هذا الخواء بقدر ما تكون المسؤولة الأولى عنه وذلك بالاستمرار بعدم إقرار الموازنة (التي رُحِّل إقرارها من العام الماضي) بسبب بعض المزاجات السياسية غير الناضجة والإرهاصات الحزبوية المتنافرة والمتضادة والأنانية المفرطة ما أدى الى عدم إقرار الموازنة التي تشكل عصب الحياة مايعني ان هذا العصب قد أصيب بالشلل في جميع مفاصل الدولة ونضوب النسغ الذي يمدها بالطاقة والاستمرارية او يكاد فيأتي التقشف ليحول دون ذلك او هو محاولة أخيرة لامفر منها للحيلولة دون انهيار الاقتصاد العراقي في وقت يخوض الجيش والقوى الأمنية وفصائل الحشد الشعبي والعشائر حربا ضروسا ضد العصابات التكفيرية من جهة ومن جهة اخرى مازالت البنى التحتية وآلاف المشاريع الخدمية لقطاعات واسعة من الشعب العراقي تعاني من التهالك والركود والإهمال نتيجة عدم إقرار الموازنة فضلا عن ارتفاع وتائر البطالة خاصة بين الخريجين وتدني المستوى المعيشي للكثير من المواطنين بسبب التضخم. والتقشف بحسب تعريفه المقتضب هو سياسة حكومية ترمي إلى خفض الإنفاق ويكون غالبا من خلال تقليص الخدمات العامة، وتلجأ الحكومات إلى الإجراءات التقشفية بهدف خفض العجز في الموازنة، يرافق ذلك زيادة الضرائب. ويكون هذا الحال "استثناء" مؤقتا في البلدان التي تعيش ظروفا طبيعية فيكون التقشف استثناء لظروف معينة تمر بها تلك البلدان حتى المتقدمة منها اما "الاستثناء" العراقي فهو ليس استثناء عابرا او نسبيا او مؤقتا بل هو استثناء أزماتي مستديم لاينفك عن مجريات العملية السياسية الجارية منذ 3003 ولحد الان. وبلغة الأرقام ان الموازنة الاتحادية التي لم تر النور جاءت محملة بعجز مالي مقداره 77 مليار دولار في حين ان انخفاض أسعار النفط جاء بحوالي 25 % خلال الأشهر الأربعة الماضية الى 85 دولارا وكان المفترض به ان يقفز فوق حاجز 100 دولار كمعدل وسقف لسعر اعتمده مقررو الموازنة كما كان متوقعا في السنوات الأربع الماضية وقد جاء هذا الانخفاض الحاد في أسعار النفط وفي الكميات المصدرة منه ليضيف بعدا كارثيا اخر للاقتصاد الريعي الذي اعتمدته الحكومات العراقية منذ نشوء دولة العراق المعاصرة بالتركيز على الصادرات النفطية التي تمد بـ(%95) من إجمالي الموازنة الاتحادية وليضيف مطبا آخر للموازنة التي أعلن عن خوائها الأمر الذي جعل صندوق النقد الدولي يتوقع انكماش الاقتصاد العراقي بنسبة (2،7%) مايعد اول انكماش اقتصادي من عام 2003. يضاف الى ذلك التذبذب المستمر في أسعار النفط في الأسواق العالمية وتهديد التنظيمات الإرهابية وضبابية الوضع الأمني واثره على مصادر الإنتاج والتصدير والخطوط الناقلة للنفط الخام.. ان واضعي السياسات المالية والاقتصادية في أي بلد يجب ان يضعوا في استراتيجياتهم المستقبلية المفاجآت التي تحيق بالبلد كالكوارث الطبيعية المدمرة والعدوان الخارجي وانهيار العملة الوطنية وتدني قيمتها واحتمال تأثر البلد بالأزمات المالية العالمية او اندثار احتياطي العملة الصعبة او تعرض البلد لانتكاسات سياسية او امنية او مالية والذي حدث في العراق من أزمة أمنية خطيرة بسبب تسونامي داعش المدمر الى الجهود العسكرية والأمنية التي تتطلب موارد استزنافية كبيرة، أثقل كاهل الخزينة العامة فضلا عن تكاليف الحشد الشعبي الذي تأسس للدفاع عن العراق ودرء الخطر الداعشي عنه يضاف اليه الاستحقاقات الدولية على العراق والتزاماته مع المجتمع الدولي وواقع التنمية الهشة ومناسيب التضخم العالية ومتطلبات البنى التحتية والاستثمار وملف النازحين (الطارئ) تشكل كلها ضغوطات جمة على حجم الموازنة. الحكومة ارتأت سلوك السبيل الأقرب لتفادي انهيار الاقتصاد العراقي إذا ما استمرت وتائر العجز المالي للأسباب التي وردت آنفا يضاف اليها الفساد المالي المستشري الذي يسبب هدرا كبيرا في المال العام وذلك بتقليص النفقات وضغطها خاصة غير الضرورية منها كمصاريف السفر والايفادات والنثريات وما الى ذلك وهو أجراء تأخذ به معظم دول العالم التي تتأثر اقتصادياتها وهو إجراء سريع وفعال وله تأثيرات ايجابية على المدى القريب وبحسب مسؤولين عراقيين فان الميزانية التشغيلية لن تتأثر بالتقشف مع ترحيل بعض الفقرات الى موازنات لاحقة الى ان يشهد العراق بحبوحة مالية اخرى!!!!!! إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- ملك الموت رفيق بالمؤمن شديد بالكافر
- معركة النزاهة أشد ضراوة من الإرهاب
- شهر رمضان بوصلة ترشد للتكامل الجزء الثالث