- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إنشَغَلْنا بالماضي فَضَيّعْنا الحاضر
حجم النص
بقلم / نــــــزار حيدر فلا تسأل عن المستقبل، وانشغلنا بالشّعار والدّثار فأضعنا الجوهر والمحتوى، ولا يشذّ تعاملنا مع سيرة حياة الامام علي بن الحسين السجاد (ع) عن هذه الحقيقة، فعلى الرغم من انه عليه السلام ترك لنا واحداً من أعظم النصوص في مجال الحقوق والمسمّاة برسالة الحقوق، الا ان جُلّنا إمّا انّه سَمِعَ بها ولم يقرأها او انه قراها ولم يستوعبها او انه استوعبها كنص ولم يتعامل معها كمشروع. وأضفت اليوم في حديثي على الهواء مباشرة في برنامج خاص عن الامام السجاد (ع) في ذكرى استشهاده، مع الزميل الاستاذ فلاح الفضلي على قناة (الفيحاء) الفضائية؛ ولقد ظُلِمت الرسالة من قبل نموذجين: الاول؛ هم الشيعة الذين قصّروا في حقّها فلم يبذلوا الجهد اللازم والمطلوب لنشرها في العالم، لتكون نصاً عالمياً حاضراً في المعاهد المتخصّصة والجامعات المهتمة بقضايا الحقوق والعلاقات وما أشبه. الثاني؛ غير الشيعة من المسلمين الذين يتعاملون بطائفية مقيتة مع اي نص تاريخي مهما كان عظيما لمجرّد انه لإمام من أئمة أهل البيت (ع) او لانه يرمز الى التشيّع، فعلى الرغم من ان رسالة الحقوق مثلا لا علاقة لها بدين او مذهب او طائفة فهو نص يزخر بالبعد والمعاني الإنسانية في مجال الحقوق، الا انّنا نرى ان الكثير من المسلمين يحاولون تجاهله او عدم التعامل معه لمجرّد ان (الشيعة) هم الذين تعاملوا معها فاهتموا بطباعتها مثلا او نشرها او التعليق عليها وشرحها. ان ذلك ظُلمٌ عظيم للانسانية، فالبشرية التي تبحث اليوم عن قشٌة تتعلق بها لتنجيها من الغرق في غياهب الظلم والجور الذي تتعرض له جراء سياسات الكبار الذين يسيطرون على هذا العالم، كيف يجيز البعض لأنفسهم ان يخفوها او يتجاهلونها بسبب ضيق صدورهم التي سكنتها الطائفية والحقد الأعمى على كل ما يتعلق بأهل بيت النبوة والرسالة؟. لا يجوز التعامل مع النصوص الانسانية بروح العصبية والحقد الأعمى والنّفَس الطائفي، بل ينبغي التعامل معها على قاعدة [لا تنظُر الى من قال وانظر الى ما قال] فلماذا يتعامل أمثال هؤلاء من الكثير جداً من النصوص العلمية والفلسفية والأدبية على أساس انساني فلا ينظرون الى تاريخها ولا يبالون بمصدرها ولا يعيرون اهتماماً بقائلها او كاتبها، الا انهم يتحسّسون جدًا من كلمة وصلتهم من امام من أئمة أهل البيت (ع) فيشكّكون ويطعنون ويتجاهلون؟ ما هذا الحقد الأعمى؟ اين اذن علميّتكم التي تدّعون وإنصافَكم الذي تتحدثون به؟. اتمنى ان ينشغل الشيعة معشار انشغالهم بالقيل والقال بشأن الشعائر الحسينية والتي تصل في كل عام الى ذروتها في العشرة الاولى من شهر محرم الحرام اذا بهم يُسقّط بعضهم بعضاً ويسب بعضهم بعضاً ويتهجّم بعضهم على البعض الاخر ويتعرض العلماء والفقهاء والخطباء والمراجع الى بذاءة لسان من لا يسبغ وضوءه والاخر الذي لا يفهم من دينه الا قشوره ومن مذهبه الا شعاراته، وتُنتهك فيها ستورٌ واعراضٌ وأسرارٌ في حلقة مفرغة لن تنتهي منذ ان فتحنا عيوننا على هذا العالم ووعينا الحياة. تعالوا جميعاً ندع القيل والقال المتكرر والخلافات والصراعات الجانبية والثانوية التي تُضعف جبهتنا وتُذهب بريحنا، لنهتمّ اكثر فاكثر بجوهر قضايانا المقدسة، فنهتم مثلا بنشر علوم أهل البيت (ع) ومحاسن كلامهم ومنها رسالة الحقوق، فنحثّ طلبتنا وخاصة في مراحل الدراسات العليا، على تبني الرسالة كمادة في البحث العلمي الأكاديمي ومن جوانبها المختلفة. كما نحثّ طلبة الدراسات العليا في الجامعات العالمية، في أوربا والولايات المتحدة وغيرها، الى اعتمادها كمادة لنيل الشهادات العليا لتكون بعد عقد من الزمن مثلا نصاً عالمياً معتبراً يرجع اليه المتخصّصون في مجالات البحث المختلفة. ان الاهتمام بنشر رسالة الحقوق لتكون نصاً عالمياً سيساهم بشكل كبير جداً في إصلاح صورة الاسلام التي شوّهها الارهابيون بافعالهم الدنيئة وجرائمهم البشعة التي يرتكبونها باسم الدين والدين منهم برآء. انّ لرسالة الحقوق قيمة إنسانية وعالمية كبيرة تقدم للبشرية الاسلام الأصيل والناصع الذي بعثه الله تعالى رحمة للناس كافة، نلغي بها (الاسلام) الذي شوّه سمعته نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، والذي صرف اموالا طائلة لنشر (المذهب الوهابي) المشبوه الذي أسّس بُنيانه على الثنائي الكريه (الدم والهدم). ان رسالة الحقوق تعبّر عن أسمى المفاهيم الانسانية التي بُعث من اجلها رسول الله (ص) والتي ربما لخصتها الاية القرآنية الكريمة {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
أقرأ ايضاً
- السياحة الدينية .. الحاضر الغائب
- مدينة بابل بين الماضي والحاضر
- النموذج العراقي الحاضر في مؤتمر الديمقراطية