حجم النص
بقلم الباحثة النفسية:قسمة الفضلي هناك يقين جازم بأن المجتمع والإنسان العراقي الآن يتغيران وفي حركة مستمرة، فالمجتمع يموج بتغيرات سريعة وحركات فكرية متعددة وأزمات اقتصادية وتناقضات داخلية وبالمقابل يشهد حركة إعمار وبناء لا بأس بها وتحسن في مستوى خدمات التعليم والصحة والسكن وارتفاعا لدخل الفرد وتغيرا ثقافيا نتيجة لدخول الآلات والأدوات والتكنولوجيا الحديثة واحتكاكا ثقافيا cultural contact الذي ساهم في التغير أو عملية التثقيف أو التكيف الثقافي acculturation، وعليه فلا يمكن تجاهل هذه العناصر كافة بحتميتها لإحداث تغير في البناء الاجتماعي ومنظومة القيم المرتبطة به وأنها ستساهم بشكل أو بآخر للدفع بعملية التنمية قدما فنظرتنا للواقع فيها شيء من التفاؤل والأمل والثقة... لذلك فإنه يجب علينا الإيمان بالمستقبل والحاضر دائما هو الأساس في فكرة التقدم وأن هذا التقدم يتحقق بمقدار ما يتحقق لكل من أفراد المجتمع من السعادة المشتركة ولا يكون ذلك إلا بالبحث عن الوسائل التي تخلق التوازن والاستقرار في المجتمع ومن خلال الفرد في مجتمعنا باعتباره مشروعا جديدا متمكنا من مواكبة الجديد والمتغير. فمن القضايا الحيوية الهامة هي النظر إلى الإنسان في موقع عمله باعتبار أن العمل يهدف إلى تحقيق أهداف الفرد والجماعة وما يرتبط به من مدي شعور الفرد بالتوافق المهني well occupational adjustment، وتأثير ذلك على صحته النفسية و على إنتاجيته ومستوى ما يقدمه من واجبات عمله. فالمعروف أن العمل هو الذي يحدد بدوره شكل الأسرة وميزانيتها ووظائفها المختلفة مثل تنشئة أفراد الأسرة وتشكيل سلوكياتهم وتأثير ذلك على البناء الاجتماعي، فلا تقف أهمية العمل عند تأمين حاجات الإنسان الفسيولوجية مثل الحاجة إلى المأكل والمشرب والملبس والهواء ودرجات الحرارة المناسبة..الخ بل تمتد إلى حاجات اجتماعية ونفسية عديدة كالحاجة إلى الحب والمحبة والحاجة إلى التقدير الاجتماعي والحاجة إلى شعور الفرد بالتقبل الاجتماعي social acceptance والحاجة إلى تأكيد واحترام الذات والحاجة إلى الأمن وبالتالي يؤدي إشباع حاجة الفرد إلى تحقيق الأمن النفسي psychological security والتوافق المهني يعني حصول الشخص على عمل يناسب قدراته وإمكاناته ويرضي ميوله وطموحاته ويشعره بالنجاح والتفوق ويدرك فيه رضا رؤسائه وزملائه عنه، وإذا فقد الشخص مشاعر الرضا والإرضاء في العمل ساء توافقه في عمله مع نفسه ومع الناس وبالتالي سينعكس ذلك سلبيا على بيئة العمل. لذلك فإننا نلاحظ أن على المستوى العام وفي أغلب دوائرنا ومؤسسات الدولة هناك سوء توافق مهني Mal occupational adjustment يتمثل في ظهور اتجاهات نحو عدم احترام العمل، و ضعف في تقدير المسئولية وأداء الواجب وانتفاء الولاء للعمل والمطالبة بالحقوق والإهمال في تأدية الواجبات وعدم الالتزام في الدوام الرسمي والغيابات المتكررة وعدم انسجام الزملاء مع بعضهم البعض وكثرة التبرم والشكاوي وعدم تقبل الواقع المعاشي رغم تحسنه بالفترة الأخيرة وكثرة التنقلات وعدم معرفة الموظف لمتطلبات وظيفته والإهمال المتعمد والهدر في المال العام وأن تفاوتت درجته من موظف لآخر وافتقاد القيم الإنسانية بالتعامل مع المراجعين وعدم اتخاذها بنظر الاعتبار في التعامل اليومي بين موظفي الدائرة الواحدة مثل عدم احترام الموظفين كبار السن أيا كان موقعهم الوظيفي والنفاق الاجتماعي والانتهازية والوصولية، وعدم انصياع الموظفين الجدد لأوامر مرؤوسيهم ...الخ. وهذه جميعها تشكل سلوكيات مضطربة بحاجة إلى الوقوف عندها كونها لا تتناسب والمرحلة الحالية التي يمر بها المجتمع إذا أردنا إعادة بناء للشخصية الإنسانية والحضارية التي تواكب العصر وضرورة تعديل هذه العادات التي في غالبيتها هي مكتسبة وتجعل من بيئة العمل بيئة عصابية مشحونة بالتوتر وتولد قلقا عند العاملين الآخرين في مجال العمل، وهذا ما أشارت إليه دراسات عديدة من ارتباط سوء التوافق المهني بعصاب العمل occupational neurosis فالتأثير متبادل بين الصحة النفسية والتوافق المهني فكلما زاد توافق الموظف في عمله نمت صحته النفسية وكلما نمت صحته النفسية زاد توافقه المهني لأن الشخص المتمتع بالصحة النفسية حسن الخلق ، لديه دافعية إلى الإنجازn.achievement التي تدفعه إلى النشاط والاجتهاد والمثابرة وتحقيق النجاح والتفوق، حريص على إتقان عمله فالله يحب اليد التي تعمل وتتقن عملها وتخلص فيه فقد قال (عليه وعلى آله الصلاة و السلام):- " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ". لذلك وجب الاهتمام بدراسة هذه السلوكيات المؤثرة في بيئة العمل وضرورة دراسة ووضع برامج وآليات مناسبة لإكساب الموظف المهارات والخبرات اللازمة وطرق التعامل الإنساني التي تساعده على تحسين آدائه ورفع كفاءته وضرورة الاهتمام بعمليات التوجيه والاختيار المهني والانتقاء لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وبأهمية توفير التدريب الجيد والإشراف الواعي في العمل وبأهمية تنمية العلاقات الإنسانية بين الموظفين والمشرفين عليهم ووضع البرامج النفسية والاجتماعية للعاملين في المؤسسات الحكومية لرسم سياسة لخلق الميل إلى التوحد مع الجماعة في العمل وفي المجتمع ككل أي تمثل وتبني أهداف الجماعة واتجاهاتها ومعاييرها فلا بد أن يرى الفرد الجماعة وكأنها امتداد لنفسه يسعى من أجل مصلحتها ويبذل كل جهده من أجل إعلاء مكانتها ويشعر بالفوز إن فازت وبالأمن كلما أصبحت آمنة والوطنية هي أوضح نماذج التوحد مع الجماعة. فالعمل من تكاليف الحياة وهو نعمة يجب أن تصان الهدف منها كسب الرزق وتنمية الحياة وتطويرها وحماية الناس من فساد البطالة وملل الفراغ فلو رزق الله الناس بدون عمل لفسدت حياتهم ولكن شغلهم بالبحث عن أرزاقهم في هذه الدنيا حتى تستقيم حياتهم قال تعالى وهو أعلم بنفس عباده: " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ". وقال لقمان الحكيم لابنه يا بني:" استعن بالكسب الحلال فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال:" رقة في دينه ووهن في نفسه وذهاب في مروءته وأعظم هذه الخصال استخفاف الناس به ".
أقرأ ايضاً
- التزام الكوادر الطبية بالمحافظة على السر المهني
- التوافقيَّة العراقيَّة
- الانسداد السياسي ولا التوافقية