- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فتش في العراق عن السعودية وإسرائيل
حجم النص
د. علي المؤمن حين يستمع العراقيون الى أخبار التآمر على العراق؛ من تفجيرات وفوضى أمنية، ومخططات مخابراتية وسياسية معادية، وقصف إعلامي تحريضي، وتخريب إقتصادي؛ فإن وعيهم السياسي الفطري يقودهم بشكل طبيعي الى التأكيد على أنها: ((أصابع اسرائيلية وسعودية))، أو بمعنى أدق ((تآمر وهابي صهيوني)). ويترافق هذا التاكيد مع تحليلات وتفسيرات تربط التاريخ بالحاضر بالمستقبل، وتربط الجغرافيا المحلية بالإقليمية بالدولية، وربما يؤدي تململ المتحدثين وتوترهم العصبي الى سباب وشتائم ضد المتآمرين على العراق ولبعض السياسيين المرتبطين بالمخططات السعودية والإسرائيلية. هذه العفوية العراقية الواعية؛ لاتعبر عن أحكام نمطية مسبقة أو سذاجة سياسية، ولكنها حكمة شعب خبر الحياة وعاش الأزمات السياسية بكل جزئياتها. ففي العقود الثاني والى السابع من القرن الماضي؛ كان العراقيون يقولون: ((لو رأيت سمكتين تتعاركان في الماء فلا بد أن يكون الإنجليز وراء ذلك)). ولاينسون الدور الأردني بعد عام 1958؛ فيقولون: ((كنا نتهم الأردن في كثير من أحداث العراق بعد عام 1958؛ لأن الملك حسين أقسم بعد مقتل ابن عمه الملك فيصل الثاني والإطاحة بالاسرة الهاشمية؛ أن يجعل في كل بيت عراقي مناحة. وهذا الأمر لا يتعارض مع الدور السعودي التخريبي في العراق منذ عام 1980)). ويضيفون بإصرار الخبير:((كل التخريب السياسي والاقتصادي والأمني الحالي المضاد للعراق وسوريا وإيران ولبنان؛ تقف وراءه أنظمة السعودية وإسرائيل وتركيا وقطر)). وهذه الأنظمة تقبع في عمق المحور الأمريكي. ولسنا بحاجة الى عناء و عمق لتحليل وإكتشاف حقائق مايقوله الشارع العراقي؛ بل ولاعناء لإكتشاف المعادلة الإقليمية المتمثلة بوجود محورين متعارضين ومتصارعين؛ لأن صراع المحورين وأهدافهما وأساليبهما وأدواتهما، والخلفيات العقائدية والسياسية لكل منها؛ بات مكشوفاً وواضحاً؛ حتى للمواطن العادي: المحورالأول: محور التآمر على المنطقة العربية والإسلامية؛ الذي تتصدره أنظمة السعودية وإسرائيل وتركيا وقطر، ويرتبط بالولايات المتحدة الامريكية، ويغذيه اللوبي الصهيوني في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. ومن أهم أدواته الميدانية: المنظومة الدينية السياسية الوهابية التي أفرزت تنظيمات القاعدة وداعش وطالبان وغيرها من التنظيمات المسلحة التكفيرية، والتيار السلفي في جماعة الاخوان المسلمين، وتنظيمات حزب البعث العراقي، وبعض التيارات الطائفية في لبنان والعراق، والإئتلاف السوري المعارض. وهذا المحور هو محور مهاجم ومنظم و واسع وحكومي وغني مالياً وإعلامياً، ومؤثر في المنظمات والاحلاف الدولية والإقليمية؛ كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والإتحاد الاوربي وحلف الناتو وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، و يستخدم كل أساليب العنف والقتل والإرهاب والترويع؛ على المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية. وهو وريث المحور الغربي التقليدي خلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي المنحل. وعلى الرغم من كل مايمتلكه هذا المحور من إمكانات هائلة؛ الّا إنه محور إنفعالي ومتشنج وفاشل. ويزداد فشلاً وتشنجاً وإنفعالاً بسبب خسائره المتوالية الفادحة منذ عام 2003 وحتى الآن. وهي إمتداد لخسائرة المريعة التي بدأت عام 1979؛ بإنتصار ثورة الإمام الخميني في إيران. المحور الثاني: محور الممانعة والمقاومة المتمثل بإيران والعراق وسوريا ولبنان؛ وتقوده إيران، ويحظى بتعاطف روسيا والصين، ومن أهم مكوناته الشعبية المنظمة: الحركات الإسلامية العراقية المقاومة؛ كحزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري وحزب الفضيلة وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وغيرها من التيارات التي تجتمع تحت مظلة التحالف الوطني العراقي. ومن مكوناته الأساسية أيضا حزب الله وحركة أمل في لبنان، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. ويغلب على هذا المحور الطابع الشعبي؛ رغم وجود ثلاث حكومات منتخبة فيه. ولا يحظى هذا المحور بدعم أية منظمة دولية وإقليمية؛ بل على العكس؛ فإن هذه المنظمات مكرسة لضرب هذا المحور؛ بإعتبارها خاضعة لنفوذ المحور الأول. ولكن يحظى هذا المحور بدعم وتوجيه قوة معنوية هائلة تمتلك زمام المجتمع الشيعي المتدين على إمتداد الكرة الارضية؛ وهي المرجعية الدينية؛ وتحديداً مرجعيتي الإمام السيد علي الحسيني السيستاني والإمام السيد علي الحسيني الخامنئي. وعلى الرغم من أن هذا المحور هو محور دفاعي ومتزن وهاديء، ويستخدم وسائل مشروعة دينياً وقانونياً وعرفياً، ولايمتلك حتى واحد بالمئة من الإمكانات المالية والإعلامية والعسكرية والسياسية التي يمتكلها محور التآمر؛ الّا إنه محور فاعل وناجح، وحقق إنتصارات هائلة ضد أمريكا وإسرائيل والسعودية وتركيا منذ عام 2003 وحتى الآن؛ لأنه يعتمد عقيدة الصدق والأمان والمحبة والخير والسلام والوحدة والأخوّة، كما يعتمد خطاب الدفاع عن المظلومين والمهمشين والمحرومين، ويعتمد القواعد الجماهيرية المليونية اللصيقة به. ولعل من المؤشرات الطريفة للإنفعال والتشنج لدى محور التآمر؛ هي الإنفعالات الأربعة الشهيرة للملك عبد الله بن عبد العزيز(السعودي)؛ عندما غضب في أربع مناسبات تاريخية؛ ورفع (عقاله) وأقسم به، ووضعه على الطاولة، كما أكد شهود عيان ومراقبون عراقيون ولبنانيون وسعوديون وسوريون: الأولى: عام 2006؛ عندما أقسم الملك عبد الله بن عبد العزيز على تدمير حزب الله اللبناني؛ في اعقاب اعلان انتصاره على الكيان الاسرائيلي في حرب تموز، وتحول أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله الى قائد عربي واسلامي تاريخي، ثم تزعم الحزب مطالب المعارضة اللبنانية بأن يكون لها دور في تقرير مصير البلاد، وما أعقب ذلك من مظاهرات مليونية أدهشت العالم وأرعبت اسرائيل والسعودية. الثانية: عام 2007؛ عندما اقسم الملك عبد الله بن عبد العزيز على إسقاط حكومة نوري المالكي؛ خلال لقاء مجموعة من الشخصيات الطائفية العراقية؛ التي استنجدت به وهي تذرف الدموع؛ لانقاذ عاصمة الرشيد وابي حنيفة وابن حنبل من حكم الصفويين (نص كلام عدنان الدليمي). والسبب؛ إن نوري المالكي كان يعمل على حماية مواطنيه العراقيين من التمييز الطائفي والعنصري الموروث، ومن الحرب الشاملة التي يشنها بقايا النظام السابق وجماعات القاعدة الوهابيين، ومن النفوذ الصهيوني؛ بعد أن رفض وإستنكر أي تطبيع مع إسرائيل؛ رغم الضغوطات الأمريكية وضغوطات بعض البلدان العربية، وهو بالتالي يحول دون عودة العراق الى الوضع الذي كان عليه قبل 2003، ودون تمكين السعودية واسرائيل من تنفيذ مشاريعهما في العراق. الثالثة: في عام 2009؛ حين أقسم الملك عبد الله على زعزعة الوضع في إيران خلال الأحداث الداخلية التي أعقبت الانتخابات الرئاسية، وسخّر كل إمكاناته المالية والإعلامية والإستخباراتية لضرب ايران؛ مستعينا بحلفائه الأمريكان والاسرائيليين، فضلا عن مجاميع القاعدة في بلوشستان وغيرها. الرابعة: في عام 2011؛ حين أقسم عبد الله بن عبد العزيز على الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، وإقامة نظام طائفي موال للحكم السعودي. وفي ثلاث مناسبات أخرى شتم عبد الله بن عبد العزيز مافعله الزمان، وقرر فيها التدخل بقوة: الأولى: عام 2007؛ حين فازت حركة الوفاق البحرينية بأكثرية المقاعد النيابية في البحرين. وبما أن هذه الحركة معارضة للتمييز الطائفي والمشاريع الإسرائيلية والأمريكية والسعودية، وتمثل الأكثرية السكانية الشيعية؛ كان القرار بالتدخل لتطبيق مشروع تغيير التركيبة الديمغرافية في البلد. الثانية: عام 2009؛ حين تحرّكت حركة الشباب المؤمن بقيادة الحوثيين في اليمن. وهنا كان قرار السعودية بالتدخل بكل أنواعه؛ بما في ذلك التدخل العسكري؛ الجوي والبري والبحري، فضلا عن الجهد الاستخباري والحصار الاقتصادي والهجوم الاعلامي الواسع والمركز. الثالثة: عام 2013؛ حين أصبح الحراك الطائفي في محافظة الأنبار على وشك الإنهيار؛ فقرر عبد الله بن عبد العزيز تشكيل محور إقليمي (سياسي واستخباراتي ومالي وإعلامي) يضم السعودية وإسرائيل وتركيا و قطر خاص بالوضع العراقي، وتشكيل محور طائفي عراقي محلي يضم التنظيمات المسلحة التكفيرية، ولاسيما داعش، وتنظيمات مسلحة طائفية أخرى، وبقايا تنظيمات حزب البعث، وبعض أبناء العشائر المغرر بهم، وبعض الجماعات السياسية المتواجدة في الحكم؛ للقيام بتحرك نوعي في المناطق الغربية ذات الغالبية السنية في العراق. ويكون منطلقه مدينة الموصل؛ عاصمة شمال العراق. وفي هذه الحالات السبع السالفة؛ كانت المملكة السعودية تلتقي في أهدافها ووسائلها بالكيان الاسرائيلي، وحاضنتهما واشنطن؛ في إطار تحالف إستراتيجي شديد العمق. ورغم تنوع أدوات وأساليب كل طرف في هذا المثلث، الاَ أنها تقف على الأرض نفسها، وبالتالي تتبادل الأدوار، وتنسقها في تنفيذ مشاريعها. وكانت قطر وتركيا تلعبان أدواراً مكلمة في البعدين اللوجستي والمالي والإستخباراتي. ولكن؛ ظل الفشل المتوالي حليف السعودية وإسرائيل وأمريكا، وهزائم كبيرة للعقيدتين الوهابية والصهيونية؛ ففي لبنان؛ سقطت الحكومة الموالية للسعودية وأمريكا وفرنسا التي يترأسها فؤاد السنيورة عام 2009 ثم سعد الحريري عام 2011، وتشكلت حكومة موالية لمحور المقاومة برئاسة نجيب ميقاتي، وبقي رئيس الجمهورية الموالي للمقاومة إميل لحود في كرسي الرئاسة حتى 2007، وتحوّل حزب الله الى أقوى تنظيم جماهيري وعقائدي وسياسي وعسكري في الشرق الأوسط، كما أصبح السيد حسن نصر الله رمزاً عالمياً شعبياً للممانعة والمقاومة والبناء. وأصبحت جبهة المقاومة المتمثلة بحزب الله وحركة أمل هي اللاعب السياسي الأقوى في لبنان ولايزال؛ فلاتتشكّل حكومة ولايعين رئيس جمهورية الّا بموافقة هذه الجبهة. وظل إنتخاب رئيس جمهورية في لبنان بعد إنتهاء ولاية ميشال سليمان معطلاً؛ بسبب رفض جبهة المقاومة مجيء رئيس معاد لها، و مدعوم سعودياً وإسرائلياً وأمريكياً. وأصبح لإرتباط حلقات المقاومة اللبنانية والسورية والعراقية لمواجهة الجماعات المسلحة في سوريا؛ تأثيراً كبيراً في الميدان السوري، ولم يعد سراً ما لحقه المقاومون اللبنانيون والعراقيون من حزب الله وحركة أمل وعصائب اهل الحق ومنظمة بدر وكتائب حزب الله العراقي ولواء الوعد الصادق وقوات الشهيد الصدر وفصائل حزب الوحدة الافغاني؛ من هزائم عسكرية واستخباراتية بمحور التآمر وأدواته المسلحة في سوريا. وبذلك ذهبت مليارات الدولارات السعودية وإعلامها المكثف وفتاوى مشايخها الوهابيين أرداج الرياح.. ومعها الحراك الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ الفرنسي في المجالات السياسية والدبلوماسية والمخابراتية. وبقي محور التآمر يعالج فشله بإرتدادات بائسة تتمثل بالسيارات المفخخة والتفجيرات في بيروت، ولاسيما في الضاحية الجنوبية. وفي إيران؛ كانت الحركة الميدانية التآمرية التي استهدفت وجود الجمهورية الإسلامية في عام 2009 وإسقاطها بسيناريو شبيه بإنهيار الإتحاد السوفيتي وتفككه وإستحالة الدولة عقائدياً وديمغرافياً؛ سبباً في تصاعد نفوذ إيران السياسي الإقليمي والدولي، وفي تحولها الى أكبر قوة عسكرية وتكنولوجية وعلمية في الشرق الأوسط؛ على الرغم من كل ألوان العقوبات المميتة والحصار الإقتصادي والسياسي والدبلوماسي والتكنولوجي؛ بذريعة النوايا الإيرانية لإمتلاك أسلحة نووية؛ فضلاً عن محاولات الإختراق الأمني في بلوشستان من قبل المجموعات المسلحة الوهابية التكفيرية، وإغتيال العلماء النوويين من قبل الموساد الصهيوني. فكانت السنوات الخمس (2009 ـ 2014) سنوات القفزات الإيرانية الكبرى على المستويات العلمية والتكنولوجية والسياسية والعسكرية، وأصبحت أمراً واقعا كقوة عالمية معترف بها، و محوراّ دولياً مستقلاً يتعامل بندية مع المحور الأمريكي الغربي. وربما تكون مفاوضات 5 + 1 أو 6 + 1 أو 3+3 من أقوى المؤشرات على الإعتراف الدولي بإيران كقوة عالمية نافذة. كما أصبحت حسب إحصاءات اليونسكو ومنظمات الإمم المتحدة؛ إحدى الدول التسع الأولى عالمياً في المجال العلمي والتكنولوجي والصناعي، وإحدى الدول الخمس الأولى عالمياً في الإنتاج الأكاديمي و الثقافي والفني والسينمائي والإعلامي، وإحدى الدول الثمان الأولى عالمياً في النفوذ والتأثير السياسي والميداني، والدولة الأكثر نفوذاً وتأثيراً في الشرق الأوسط، والقوة العسكرية الأولى فيه. وعلى مستوى السياسة الداخلية؛ فقد أثبتت إيران أنها نموذجاً للإستقرار السياسي وللتداول السلمي للسلطة والفعل الديمقراطي؛ فقد تم إنتخاب السياسي الإصلاحي المنفتح الدكتور حسن روحاني رئيسا للجمهورية عام 2013؛ بعد إنتهاء ولاية الرئيس الأصولي المتشدد أحمدي نجاد، ولم تنجح جبهة الأصوليين المحافظين في الإحتفاظ بالسلطة؛ لتثبت الجمهورية الإسلامية أنها تجاوزت جميع أزماتها؛ باستثناء الأزمة الإقتصادية التي ظلت تعيد إنتاج نفسها منذ عام 1980 بفعل الحظر الإقتصادي الأمريكي الغربي الخانق ضدها. وفي سوريا؛ خسرت رهانات محور التىمر على إنهيار الجيش والدولة السورية وسقوط بشار الأسد، وأصبح تقدم القوات الموالية للنظام السوري من جهة، وتصاعد نفوذ التنظيمات المسلحة التكفيرية التي تمرّد بعضها على السعودية وقطر؛ مدعاة لإطلاق السعودية وقطر صرخاتهم لإيقاف إطلاق النار، ومنع تقدم القوات السورية لتطهير باقي أراضيها. ولاتزال الأزمة السورية عاملاً مهماً في تماسك حلقات محور المقاومة الإيراني العراقي السوري اللبناني، وفي تجميع القوى الإرهابية الوهابية التكفيرية المسلحة القادمة من كل أنحاء العالم في أرض واحدة، وإستيقاظ معظم خلاياها النائمة؛ وبالتالي إنكشاف ظهرها ونقاط قوتها وضعفها وحجمها. وهذا من باب الضارة النافعة؛ لأن هذا الواقع الميداني الإستراتيجي الذي إمتد الى العراق؛ سيكون سبباً في كشف المضمون العقائدي والممارسة الشكلية للحركة الوهابية المسلحة؛ بصرف النظر عن مسميات فصائلها. كما نجح محور المقاومة في سوريا في إجراء الإنتخابات البرلمانية عام 2012، ثم الإنتخابات الرئاسية عام 2014 ؛ دون أن يلتفت الى الضغوطات السياسية والمخابراتية، والتصعيد المسلح، والحرب الإعلامية والنفسية ضد الشعب السوري. وهكذا جاء إنتخاب الرئيس بشار الاسد لولاية رئاسية جديدة؛ ليكون أحد المسامير الأساس في نعش مؤامرة تدمير دولة الممانعة السورية. وفي البحرين؛ إستمر الحراك الشعبي السلمي المقاوم بكل جرأة وقوة؛ رغم القمع العنيف له من قبل السلطات الخليفية والتدخل العسكري والأمني السعودي، وسرت أصداء الإنتفاضة البحرينية الى كل بقاع العالم، بعد أن ظل صوت الشعب البحريني مخنوقاً طيلة أكثر من قرنين ونصف من الزمن. وأصبحت القضية البحرينية محور إهتمام ودعم عشرات الملايين من جماهير محور المقاومة، وتدخلت لأول مرة في التاريخ ثلاث حكومات للدفاع عن مظلومية الشعب البحريني (حكومات إيران وسوريا والعراق). وأفرزت الساحة البحرينية قيادات دينية سياسية مقاومة؛ أخذت شهرة إقليمية، وأصبحت أمراً واقعا لايمكن للنظام البحريني تجاوزه؛ كالشيخ عيسى قاسم والسيد عبد الله الغريفي والشيخ علي سلمان. ولايزال الحراك الشعبي مستمراً بالعنفوان والجرأة نفسها؛ حتى تحقيق أهدافه في رفع الظلم والإضطهاد والتهميش والتمييز الطائفي. ومنذ الأشهر الأولى من عام 2014 ؛ بات النظام البحريني ميالا للرضوخ لمطاليب الإنتفاضة البحرينية؛ بعد أن ظل تعنته المشحون سعودياً؛ عاملاً مهماً في زعزعته وتهديد مصيره. وفي العراق؛ فشلت محاولات الأدوات المحلية لمحور التآمر؛ ولاسيما إئتلاف العراقية بقيادة أياد علاوي، ومعه بعض الأحزاب الكردية؛ في إسقاط الحكومة خلال عام 2008 وماتلاها، وبقي نوري المالكي رئيساً لوزراء العراق؛ بل وانتخب لدورة ثانية في عام 2010، وبقي يمارس دوره في دحر التآمر السعودي القطري التركي الإسرائيلي، وفي صد الهجمات الطائفية وتقسيم العراق، وفي مواجهة التطبيع مع إسرائيل. وقد تسبب ذلك في تصاعد حدة التآمر والهجمة الطائفية والشوفينية ضد العراق في بدايات عام 2014، ولاسيما بعد نجاح الحكومة والقوات المسلحة العراقية في إفشال التحرك الطائفي السياسي والمسلح في الرمادي والفلوجة، وفض الإعتصامات الطائفية في بعض مدن الأنبار وصلاح الدين وكركوك ونينوى وديالى. وكانت نتيجة التآمر الإقليمي الذي نفذته حكومات السعودية واسرائيل وتركيا وقطر في حزيران 2014؛ إحتلال الموصل وبعض مناطق محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى؛ من الجماعات الوهابية التكفيرية وغيرها من الجماعات المسلحة؛ ولاسيما تنظيم داعش وبقايا تنظيمات حزب البعث. ولكن هذا التقدم الذي حققه محور التآمر في شمال غرب العراق عبر أدواته السياسية والمسلحة؛ لايعد إنتصاراً بالمعنى السياسي والعسكري؛ بل هو تمدد ميداني مؤقت؛ أخرج المارد العراقي من غفلته التي تسببت بها الخلافات السياسية الداخلية والتشتت المجتمعي. فكانت نتيجة تمدد المسلحين التكفيريين؛ إنكشاف الموقف الإستراتيجي للمرجعية النجفية من الأحداث؛ والمتمثل بإصدار الإمام السيستاني لفتوى الجهاد الكفائي، وهي فتوى تاريخية على جانب كبير من الأهمية، وتستحق العديد من الدراسات والمؤلفات، وستكون مادة للأطاريح الأكاديمية على مدى عشرات السنين القادمة. فقد بيّنت هذه الفتوى عمق الخطر الوهابي التكفيري المسلح على وحدة العراق والمنطقة العربية والإسلامية، وأعادت للمجتمع العراقي وحدته الوطنية والعقائدية، وحشّدت موقف التيارات السياسية الشيعية المتعارضة؛ باتجاه وحدة الموقف ومواجهة الخطر المصيري المشترك، ولاسيما موقف بعض التيارات الدينية والسياسية التي أحرجتها الفتوى؛ بعد أن كانت مترددة أو ممتنعة في تأييد تحرك القوات المسلحة العراقية وعملياتها؛ بسبب معارضتها لرئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. كما حالت فتوى الإمام السيستاني دون إنهيار العملية السياسية؛ بل حالت دون إنهيار الإقتصاد العراقي وقيمة العملة العراقية. كما رفعت بقوة معنويات القوات المسلحة العراقية وأعادت لها زمام المبادرة على الأرض، وأعطت للقائد العام للقوات المسلحة العراقية مشروعية دينية ومجتمعية؛ لتوحيد القرار العسكري والأمني، وحصر السلاح بيد الدولة، وإسقاط ما في يد التنظيمات التي تحتفظ بالسلاح والمليشيات من إستمرار الإحتفاظ بها. وعلى صعيد إيران؛ التي ظلت حتى صدور الفتوى؛ تتصدر المشهد الديني الشيعي العام؛ فإن الفتوى سبقتها في تصدر المشهد؛ ودفعتها لعرض كل أنواع المساعدة العسكرية للعراق. وربما يكون موضوع صيانة وإدامة الطائرات العراقية الموجودة في إيران منذ عام 1991، وإعادتها الى العراق؛ مجاناَ ودون مطالبة بأية تعويضات، وتدريب الطيارين العراقيين الجدد عليها؛ بأمر من السيد علي الخامنئي شخصياً؛ هو جزء من التماثل النظري والعملي مع فتوى السيد السيستاني. والأهم من كل ذلك هو إن تمدد الجماعات المسلحة التكفيرية في شمال غرب العراق وفتوى الإمام السيستاني؛ زادا من تماسك محورالممانعة الإقليمي، وأضعفتا محور التآمر وجعلتاه أكثر تخبطاً في مخططاته ومعالجاته، و رسمتا تاريخاً جديداً للمنطقة؛ ستظهر وقائعه خلال الأعوام 2015 ـ 2017؛ لأن فتوى الإمام السيستاني في إجتثاث خطر الجماعات الوهابية التكفيرية المتمددة المحاربة، ومواجهتها بقوة السلاح؛ وجدت صداها الديني والمجتمعي والسياسي في كل البلدان التي تتعرض لخطر المسلحين الوهابيين؛ ولا سيما في سوريا ولبنان وايران والبحرين وباكستان وافغانستان والهند ومصر.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى