حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ انطلقت ماراثونات الدعايات الانتخابية للإشارة الى بدء العد التنازلي للسقف الزمني الموقوت للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها نهاية نيسان الجاري وذلك وسط ترميزات شعاراتية فضفاضة وهلامية المضمون ووعود خارقة توحي أكثرها بأن هذه الكتلة او تلك او ان هذا المرشح او ذاك لديهم العصا السحرية لجميع مشاكل وأزمات البلاد الموروثة والمستحدثة، لعبت سيميائيات الفوتوشوب وفنون الدعاية والنشر والاعلان دورا كبيرا في ذلك الإيحاء رغم بدائية الكثير منها وخلوها من الحرفية الفنية المطلوبة في هذا المضمار وفي إيصال لغة الإشارة الدعائية الى الناخبين وهم متلقو تلك الإشارة،وقد تكررت اللعبة الدعائية ذاتها ولم تأتِ بجديد من حيث الأسلوب الدعائي او التصريح باسم ورقم الكتلة ورمزها وشعارها الذي من المفترض ان يوحي بالبرنامج الانتخابي المطروح لهذه الكتلة او تلك فضلا عن المرشحين المستقلين. ولم يكن بجديد ايضا الإشارات التفخيمية والتعظيمية مثل (اللقب والشهادة الأكاديمية او المنصب او المركز العشائري او النفوذ المناطقي وحتى الطائفي) وقد عملت فنون التزويقات الفوتوشوبية على اظهار المرشح بمظهر الواثق من "النصر" او "الفوز" في هذا المعترك المصيري الذي يحدد مستقبل البلاد واضفاء سيميائيات تفاؤلية انسجاما مع اغلب الشعارات المطروحة مع التركيز على الابتسامات العريضة المتواشجة مع موضوع الدعاية وغايتها المتوخاة لتتشيأ في آخر المطاف "صورة" توحي للناخب بأن صوته لن يذهب هدرا بل سيذهب في الاتجاه الصحيح!!. وكما قال شاعر العرب الاكبر الجواهري (وقائلة أعندك من جديــــــــد..... أقول لها القديم هو الجديد) وهنا نقول ان القديم نفسه قد أعيد إنتاجه وصياغته بذات الأسلوب الترميزي والإيحائي وذلك باعتماد اغلب المرشحين على "كاريزمات" رؤساء الكتل لاسيما الكبيرة المؤثرة في إنتاج وصياغة القرار السياسي في السلطات الثلاث او بالاعتماد على كاريزمات شخصيات لها تاريخ سياسي طويل وعريض او لها حضور سياسي واعلامي واضح وبارز طيلة السنين الفائتة ناهيك عن ان الكثير من الوجوه البرلمانية الحالية قد اشتركت في المضمار الانتخابي الجديد ليكون القديم هو الجديد نفسه قلبا وقالبا!!. والملاحظ من واقع الحال بعد ان أعطي الضوء الأخضر للمرشحين في هذه الانتخابات (عدد القوائم التي ستخوض الانتخابات 107 تتوزع بواقع 36 ائتلافًا سياسيًا و71 كيانًا سياسيًا.. ويحق التصويت لـ 21 مليونًا و400 ألف ناخب ويتنافس 9040 مرشحًا على 328 مقعدًا برلمانيًا بينهم نحو2500 امرأة) هو فنطازية اكثر الشعارات الدعائية التي تضمنتها الملصقات والبوسترات والفلكسات وعشوائية توزيعها ونصبها (وتعرض البعض منها للتخريب والاعتداء او السقوط بفعل العوامل الجوية) وحمل اكثرها مداليل استعارية ومجازية تضمنت أبعادا زئبقية بعيدة عن واقع المشهد العراقي الذي ينوء بالأزمات والمشاكل التي تحتاج الى حُزم لحلول حقيقية متكاملة ونيات صادقة وفعالة لمعالجتها. وكعادتها فــي الانتخابات السابقـــة بدت الدعـــايات الانتخابيـــة مجـــرد استعراض للأسماء والكتل والشخوص فيمــا خلت الحملات الدعائية من طرح اي برنامج سياسي او اقتصادي او استثماري او امني او اجتماعي او خدماتي او توضيح رؤية معينة او تحليل ستراتيجي لمجمل القضايا والأزمات التي تخص مفاصل عمل الدولة العراقية فلم نر برنامجا انتخابيا واحدا تضمن رؤية ستراتيجية متكاملة لمجمل الأوضاع العراقية لاسيما الأوضاع الحساسة والخطيرة الراهنة كمسألة الارهاب وازمة الانبار وقضية الموازنة والبطالة والفقر والتأمين الصحي والمستوى المعيشي للمواطن والتضخم والاستثمارات والقوانين المعطلة او المؤجلة في البرلمان واخفاقات السلطات التنفيذية في تنفيذ الكثير من مشاريع البنى التحتية وملف التسليح وتنظيم العلاقات مابين الحكومة المركزية والمحافظات وبينها وبين إقليم كردستان وغيرها من القضايا التي تمس عمل السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية بل جميع مفاصل وهياكل الدولة والمجتمع والقضايا الستراتيجية الاخرى مثل الأمن القومي العراقي والعلاقات مع بقية الدول وخاصة دول الجوار والتزامات العراق تجاه المجتمع الدولي وحقوق العراق المفروضة على الاسرة الدولية خاصة وهو يقاتل الارهاب "نيابة" عن العالم بأسره. وكما هو معمول به فــي اغلب الديمقراطيات فان الكثير من المرشحين للانتخابات يقومون بجولات مكوكية بين مدن البلاد للتعريف بهوية وبرنامج المرشح او الكتلــة، الا اننا لم نر مرشحا واحدا نزل الى الشارع وتوسط الجماهير وطرح برنامجه الانتخابي او عقد مناظــرة تلفزيونية او إذاعية او غيرها رغم الكم الهائل من وسائل الميديا العراقية حتى تلك المجيرة لبعض الكتل والاحزاب وذات التوجــه الاعلامي التعبـــوي فضلا عــــن وسائل الاتصــال الاجتماعـــي، كما بقيت اغلب الحملات الدعائية -ان لم نقل كلها- تأخذ طابعا جغرافيا محددا او مناطقيا او اثنيا ولم تأخذ طابعها الوطني الجامع وكما يفترض ان مرشحي البرلمان يمثلون جميع اطياف الشعب ومكونات فسيفسائه بل وحتى داخل المحافظة الواحدة نفسها فقد توزعت بعض الدعايات الانتخابية بحسب "طبيعة" ميول هذه المنطقة او تلك الى هذه الكتلة او تلك مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الكتل الكبيرة والمؤثرة قد استحوذت على الأماكن الحيوية والستراتيجية وبما يتناسب مع حجمها وتأثيرها السياسي وحجم الدعايات الانتخابية وانتشارها كاتب واعلامي مستقل.