حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لم يتأتَ للشعب المصري ان يسترد ثورته ويصحح مسارها ويسقط حكومة الاخوان (التي صُنفت كحركة إرهابية) إلا بأمرين متلازمين يُكمل احدهما الآخر ولاغنى لأحدهما عن صاحبه، الاول هو التكاتف الشعبي والتلاحم الجماهيري بكافة الوان الطيف المجتمعي والسياسي المصري ضد التجربة الفاشلة للإسلام السياسي المتمثل بالإخوان بحيث انفردت وانعزلت وانكفأت الاصوات النشاز والنبرات الشاذة وحُشرت في زاوية ضيقة وبان من هو في خندق الشعب ومن هو في الخندق المضاد، والامر الثاني وقوف ومساندة الشعب المصري وبكافة الوان طيفه ايضا وراء الجيش المصري الذي اخذ زمام المبادرة التاريخية في تصحيح مسار الثورة والحفاظ على مكتسبات الشعب كما لم يخذل الجيش المصري شعبه ولم يتخلَّ عنه في محنته وفي ظرف تاريخي عصيب وقد استطاع كلٌّ من الشعب والجيش ان يلعبا الدور التاريخي المطلوب ولولا هذا التلاحمُ والتكاتفُ المتبادل والتخادم الوطني مابين الشعب والجيش لتحولت الساحة المصرية الى حمام دماء وتفجير وتدمير وتخريب ولاستحالت الى ساحة تصارعات وتخندقات لاجندات خارجية تعشش فيها التنظيمات والفصائل الارهابية المسلحة فتم تفويت الفرصة على هذا التنظيم وعدم تمرير المخطط الذي أراد تدمير مصر وإرجاعها الى الوراء، في حين ان هذا المخطط قد نجح في سوريا التي تشهد حربا اهلية ماساوية يخوض اغلب اطرافها حربا بالوكالة عن فاعلين اقليميين ودوليين لاجندات سيا/طائفية تمزيقية معروفة،والثابت ان تنظيم الاخوان او "الجماعة" كما تُسمى في الأدبيات السياسية المصرية له تاريخ طويل في الحياة السياسية والمجتمعية المصرية ومن اهم أعمدة الراديكالية المصرية وله ثقل واضح في مجريات الأحداث خصوصا من خمسينيات القرن الماضي لحين اقالة مبارك ومن ثم مرسي. وفي المقابل ان الحملة التي قام بها الجيش العراقي في الانبار ومناطق اخرى ضد الارهاب والتنظيمات التي عاثت فسادا في العراق ومنه في الانبار المحافظة العراقية الاصيلة، هذه الحملة لاتقل أهميةً عن حملة الجيش المصري ضد الاخوان والتطرف إن لم تكن اخطر منها واعتى،وهذه الحرب التي تخوضها القوات الأمنية العراقية ومعها قوات العشائر والاهالي الذين ذاقوا الامرَّين من تصرفات هذه التنظيمات الارهابية واجرام المليشيات الطائفية أوضحت الكثير الذي تحاول بعض الجهات والاطراف والسياسيين وبعض رجال الدين اخفاءه وتطميسه عن الرأي العام وتُعاضدهم في ذلك وسائل الاعلام المشبوهة (بكافة انواعها) والمأجورة والطائفية، لكن الواضح للعيان كالشمس في رابعة النهار ومما لالبس فيه او غموض ولايحتاج الى تأويل او تفسير هو ان حقيقة هذه التنظيمات ودوافعها باتت مكشوفة للجميع وان حصلت على بعض الحواضن والملاذات والدعم اللوجستي من بعض الأطراف المحلية فانها شاذة عن الواقع الوطني في العراق، اضافة الى الوعي العالي والوطنية الصادقة التي يتمتع بها الشعب العراقي والإحساس العالي بخطورة المرحلة التي يمر بها العراق وضرورة عدم الانزلاق في البرامج والمخططات التدميرية والتخريبية التي تريد إرجاع العراق الى مربع الصفر وقد غاب عن بعض السياسيين والأطراف الطائفية ان الشعب العراقي قدَّم درسا عاليا في الوطنية والمواطنة واخذ زمام المبادرة التاريخية كما حصل في مصر. العراق يعيش جملة منعطفات تاريخية حادة وشائكة ومصيرية (وليس منعطفا واحدا كما في مصر) الا ان بعض السياسيين العراقيين لم يعوا طبيعة هذه المنعطفات ولاخطورتها ولاطبيعة المنزلقات الوعرة التي تكتنف تلك المنعطفات فتعاملوا مع الملفات السياسية والامنية بحساسية طائفية ومناطقية ورؤى حزبية ضيقة فلم يستوعبوا الدرس المصري المستوحى من التلاحم الشعبي المصيري مع الجيش، كما لم يتكتافوا مع الشعب العراقي في حربه ضد الإرهاب على يد جيشه وسواعد قواه الامنية المتجحفلة في سوح الوغى لدحر الارهاب وتجفيف منابعه وتخليص الشعب العراقي نهائيا من شروره فكان هؤلاء السياسيون في وادٍ والشعب العراقي مع جيشه في وادٍ آخر، فهؤلاء سواء عن قصد او بدون قصد ومع اختلاف النوايا والتوجهات باتوا ينخرطون في سيناريوهات لا تصب في مصلحة احد من ضمنها التورط في اجندات مشبوهة كالتواطؤ المكشوف مع جهات اقليمية او مع التنظيمات الارهابيية التدميرية ولعب ادوار هزيلة ومكشوفة أمام الرأي العام وفي مسرحيات رتيبة سئم منها المواطن العراقي كمسرحية الانسحاب المتكرر من العملية السياسية او التلويح بالانسحاب واعطاء رسالة سيئة التاثير ومتعاكسة مع قناعات جماهيرهم ومناطقهم باعتبار ان هؤلاء هم شريحة قليلة من السياسيين لها توجهات طائفية ومناطقية ضيقة وهي توجهات لم تعد تستقطب الجماهير سواء لاسباب انتخابية ام لاسباب سيا / طائفية فاللعبة باتت مكشوفة والادوار لم تعد مقنعة حتى لذوي الفهم البسيط فقد اختزل درس الانبار جميع الدروس المستنبطة من الوطنية العراقية فمتى يستوعب هؤلاء الدروس وهي كثيرة. فما اكثر العبر وما اقل الاعتبار (الامام علي عليه السلام) . إعلامي وكاتب مستقل [email protected]