حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ مع الانطلاق المبكر لماراثون الانتخابات النيابية المقبلة التي من المقرر ان تُجرى في نهاية نيسان من العام الجاري وفي أتون حمى الدعايات الانتخابية (والدعايات المضادة والمتعاكسة) فان بوصلة الناخب العراقي تتجه باتجاهين متعاكسين وبحسب سايكلوجية هذا الناخب في التعاطي مع ملف الانتخابات، الأول صوب المشاركة في الانتخابات والثاني صوب العزوف عنها، وكلا الاتجاهين له مبرراته ودوافعه وايضا نتائجه، وكلا الأمرين (المشاركة والعزوف) طبيعيان في جميع المشاهد السياسية في العالم وفي جميع الأنساق الديمقراطية المعمول بها ولكن وفي المشهد السياسي العراقي ذي الديمقراطية التوافقية والمنهج التشاركي/ التحاصصي وعلى ضوء المناكفات السياسية وحرب التسقيطات والاحترابات المتبادلة ودخول وسائل الإعلام بأنواعها على الخط، والسلبيات والاحباطات والفساد المالي والإداري التي رافقت الكثير من مفاصل الأداء الحكومي طيلة عقد من الزمان هي عمر الديمقراطية الفتية في العراق فان مسالة خوض الانتخاب او العزوف عنها لها مقاربات اخرى لاتذهب بعيدا عن صميم العملية السياسية نفسها بل هي من صلب هذه العملية، يضاف اليها تعقيدات وملابسات الملف الامني وخلفياته السياسية والطائفية واسقاطاته على مجمل الفعاليات السياسية ومنها الانتخابات. من ناحية المشاركة في الانتخابات فهي من جهة أضحت بديهية عراقية مُسلَّما بها: ممارسة ديمقراطية وحق دستوري حُرم منها الشعب العراقي لعقود طوال من الديكتاتوريات الشوفينية المتعاقبة لاسيما سياسة النظام البعثي الشمولي البائد الذي مارس اقسى انواع التوتاليريات البوليسية وعمل على سياسة التجهيل والتسطيح والرعب وتهديم أسس العقد الاجتماعي وتفكيك روابط المواطنة وتحطيم مقاربات المواطنية وإفراغ الوعي السياسي والمجتمعي من محتواه الوطني، ومن جهة ثانية: ان العراق يُعد واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم الثالث وهي ـ الانتخابات ـ استحقاق تاريخي وحضاري وأخلاقي في الوقت نفسه وليس منَّة من احد فيكون الشعب العراقي حاضنا لهذه الصفة ولهذا الحق، وانطلاقا من الناخب العراقي "المشارك" الذي هو جوهر العملية الانتخابية ومادتها ونتيجتها والذي صوته هو من يصنع الديمقراطية ويعطي للعملية السياسية فعاليتها وديمومتها ومشروعيتها فان المشاركة في هذه الانتخابات تمثل استحقاقين مزدوجين استحقاق دستوري واستحقاق حضاري. وهناك اصوات تدعو للعزوف (ليس من باب المقاطعة الكيدية) عن المشاركة في الانتخابات ولأسباب كثيرة ما يتعلق منها بالجانب المعيشي للمواطن ومستوى الرفاهية وتوزيع الثروات ومستوى الدخل القومي والحصول على الوظائف في مرافق الدولة وهياكلها السلطاتية، ويأتي في مقدمة التبريرات التي تحض على العزوف عن المشاركة ملف الخدمات والملف الأمني الشائك وهما ملفان أضحيا يثيران قلق المواطن وشجونه وهذا القلق يبين مستوى مناسيب الخيبة والحرمان ومستوى الفقر لقطاعات وشرائح كبيرة من المواطنين الذين كانوا يأملون حياة أفضل وأكثر أمنا ورفاهية, ولأسباب كثيرة موضوعية وذاتية فان الأصوات التي تدعو الى العزوف في هذه الانتخابات يجب ان تُؤخذ في الحسبان وإن كانت قليلة وليست ذات تأثير واضح على مسار الانتخابات وتُؤخذ ايضا في عين الاعتبار الأسباب التي دعت الى هذا العزوف والنتائج الوخيمة على العملية السياسية إذا ما ارتفعت مناسيب هذا العزوف من دون النظر الى الأسباب والنتائج المتضمنة له، وهي مسؤولية الكتل السياسية والفرقاء السياسيين جميعهم إذا ما أرادوا النجاح في مستقبلهم السياسي ونجاح العملية السياسية،وان تُؤخذ على محمل الجد خيبة الامل الكبيرة بالعملية السياسية التي كان يأمل منها العراقيون ان تنقلهم الى واقع افضل وقد تكون بعض أسباب هذه الخيبة هي خارج إرادة الفرقاء السياسيين أنفسهم إلا ان المواطن العراقي "الناخب" عنده شعور بالامتعاض من أداء الكثير من الساسة العراقيين وفي مختلف السلطات لاسيما ان الناخب العراقي قد تحدى الكثير من الصعاب والمشقات والتهديدات الإرهابية وقدم الكثير من التضحيات في هذا المجال وأدلى بصوته الثمين وأعطى ثقته لمن يراه مناسبا لتمثيله والنيابة عنه مؤديا دوره التاريخي ومحققا حلمه الديمقراطي الذي انتظره كثيرا، وقد لا يكون هنالك تعاكس سايكلوجي كبير مابين الاتجاهين سواء في العزوف او في المشاركة او لايكون هنالك تضاد كبير بين الاتجاهين فالوعي الوطني والشعور بالمسؤولية التاريخية هو ذاته عند الجميع ولكن يجب الالتفات من قبل السياسيين الى ان صوت الناخب العراقي صوت ثمين ومثقف وواعٍ ويعرف مايريد ويطمح الى الاحسن فيجب ان لايخسروا هذا الصوت في المستقبل لأنه ركيزة العملية السياسية وضمان مستقبلهم السياسي، ونتيجة للوعي الوطني والمجتمعي المتنامي للمواطن العراقي فان بوصلة المواطن العراقي تميل الى المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة كاستحقاق دستوري وحضاري وتوخيا للمصلحة العامة في ظرف مصيري وتاريخي يستوجب عدم العزوف. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- أزمة منصب رئيس السلطة التشريعية في بوصلة المرجعية
- شهر رمضان بوصلة ترشد للتكامل الجزء الثالث
- شهر رمضان بوصلة ترشد للتكامل الجزء الثاني