- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ببعض الجوانب المشرقة من حياة أمير المؤمنين / الجزء التاسع
حجم النص
بقلم: عبود مزهر الكرخي صلح الحديبية بعد كل تلك الحروب التي خاضها الرسول(ص) كان لابد من أن هناك فسحة من الأمن والسلام وبعد أن تحقق بإثبات أن الإسلام قد رسخ وجوده وعرف بين العرب ولهذا كان لابد من إعطاء رسالة السلام للدين الإسلامي باعتباره دين المحبة والإخاء والسلام وكان المسلمين يحنون في زيارة بيت الله الحرام والغربة في معاودة بيوتهم بالنسبة للمهاجرين وانه كان يصرح دوماً بأنه لايريد الحرب مع قريش أو غيرها وأن رسالته المحمدية هي رسالة سلام وتنبذ الحرب وإراقة الدماء لهذا عزم نبينا الأكرم على الحج هو وأصحابه وأتخذ كل الترتيبات للتوجه إلى قريش لأداء فريضة الحج ورافع راية السلام وعدم حمل السيوف وجاء الأمر الآلهي والبشرى لحبيبه وصفيه محمد(ص) بقوله نقرأ في سورة الفتح وصف مواجهة المسلمين لقريش في الحديبية، في قوله تعالى: {وَهُو الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا. هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْىَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.(1) ولهذا خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للعمرة في ذي القعدة سنة ست للهجرة(2)، ومعه ألف وأربعمئة(3) من أصحابه، وساقَ من الهدي سبعين بدنة(4)، كما ساق أصحابه أيضاً. ومعهم السيوف في أغمادها، وأعلن في أكثر أنحاء الجزيرة بأنَّه لا يريد حرباً ولا قتالاً، وبلغ المشركين خروجه. وسار رسول الله صلى اللهعليه وآله وسلم، بأصحابه حتَّى دنا من الحديبية، وهي على تسعة أميال من مكَّة، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رأى في المنام أنَّه دخل البيت وحلق رأسه وأخذ المفتاح.(5) ولما علمت قريش بالخبر جندت نفسها واتخذت العدة لذلك وقررت منع النبي وجماعته من دخول قريش مهما كلف الأمر ولهذا أعدت الفرسان لغرض بذلك بقيادة خالد بن الوليد للعمل على ذلك. وهنا يجب أن نشير إلى دور الأمام علي(ع) في صلح الحديبية والذي حاول الكثير من المؤرخين والكتاب التعتيم عليه وتحريفه ولهذا سنشرح وبنوع من الإسهاب هذا الدور الخالد لأمير المؤمنين(ع)لأنه دور مشرف وبطولي لم يستطع احد القيام به إلا من هو أهلاً لها وبتكليف من نبي الرحمة محمد(ص) والذي كلها كانت بوحي من الله سبحانه وتعالى لأنه لا ينطق عن الهوى ولنذكر الحوادث كما جاءت في كتبهم وكتبنا. وحين نزل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والمسلمون منطقة (الجحفة) ؛ كان الماء قد نفد لديهم ولم يجدوا ماءً، فأرسل (صلّى الله عليه وآله) الروايا فلم يتمكّنوا من جلب الماء لتردّدهم وخوفهم من قريش، عندها دعا (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) وأرسله بالروايا لجلب الماء، وخرج السقاة وهم لا يشكّون في رجوعه لمّا رأوا من رجوع من تقدّمه، فخرج عليٌّ (عليه السلام) حتى وصل (الحرار) واستقى، ثمّ أقبل بها إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولها زَجَل، فلمّا دخل كبّر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ودعا له بالخير.(6) ثم إن قريشاً اضطرّت النبيّ أن يعدل عن الطريق المؤدّي إلى مكّة، وانحرف به رجل من (أسلم) إلى طريق وعرة المسالك خرجوا منها إلى ثنية المراد، فهبط الحديبيّة، وحاولت قريش أكثر من مرّة التحرّش بالمسلمين ومهاجمتهم بقيادة خالد بن الوليد، لكنّ عليّاً (عليه السلام) وجماعة من المسلمين الأشدّاء كانوا يصدّون تلك الغارات ويفوّتون الفرصة على قريش في جميع محاولاتها العدوانية.(7) واضطرّت قريش أن تفاوض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعدما رأت العزيمة والإصرار منه ومن المسلمين على دخول مكّة، فأرسلت إليه مندوبين عنها للتفاوض. قال علي(عليه السلام):لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين،منهم سهيل بن عمرو فقالوا:يا رسول الله قد خرج إليك ناس من أبناءنا وإخواننا وارقائنا وليس بهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فأرددهم إلينا فإن لم يكن فقه في الدين سنفقههم. فقال رسول الله (صل الله عليه واله وسلم):"يا معشر قريش لتنتهين او ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين. قد امتحن الله قلوبهم على الايمان "قال ابو بكر وعمر: من هو يا رسول الله؟ قال:هو خاصف النعل وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها ثم التفت إلينا علي(عليه السلام) فقال: قال رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم). من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.(8) ولنرى مايقوله علماء السنة والجماعة حول دور الأمام والتعتيم الذي وقع عليه. ولنسرد الأحداث كما قيل منهم ولنرجع إلى سورة الفتح وصف مواجهة المسلمين لقريش في الحديبية، في قوله تعالى: {وَهُو الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا. هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْىَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.(9) فنرى ظفراً عسكرياً واضحاً للمسلمين حتى اعتبر الفقهاء مكة مفتوحة عنوة، وقيل في، عن الآية: ((وهذا صريح في الفتح)). لكن رواة السلطة القرشية أخفوا علائم الظفر العسكرية، لأن بطلها علي(عليه السلام) صاحب راية النبي(صلى الله عليه وآله) ، أو نسبوها إلى محمد بن مسلمة، أو ابن الأكوع، بل إلى خالد بن الوليد، مع أنه كان قائداً في جيش المشركين!.(10) وغرضهم هنا أن يخفوا وحشية قريش وسوء أخلاقهم في صد النبي(صلى الله عليه وآله) عن العمرة، ويخفوا بطولة علي(عليه السلام) في مواجهة قريش! ويمدحوا أشخاصاً مقربين من السلطة وينسبوا اليهم أدوار غيرهم، وخاصة خالد بن الوليد الذي قال الله تعالى فيه: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُودًا. وَبَنِينَ شُهُودًا! قال المفيد (رحمه الله) : ((ثم تلا بني المصطلق الحديبية، وكان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) كما كان إليه في المشاهد قبلها، وكان من بلائه في ذلك اليوم عند صف القوم في الحرب للقتال ما ظهر خبره واستفاض ذكره)).(11) أقول: رحم الله المفيد فقد ظهر ذلك واستفاض الى عصره في القرن الرابع، لكنه طُمس بعد ذلك وأخفي، ولم يصلنا إلا محرفاً مبتوراً! قال رواة السلطة:((إن قريشاً بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين رجلاً، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ليصيبوا لهم من أصحابه، فأخذوا أخذاً، فأتى رسول الله(ص)فعفا عنهم وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله (ص) بالحجارة والنبل)). وفي رواية ابن عبد البر أنهم كانوا ثمانين. (12) فمن الذي قاد هذه العملية النظيفة، وهاجم هؤلاء الفرسان، وتمكن من أسرهم جميعاً بدون سفك دم ؟ لقد نسبوه إلى محمد بن مسلمة، وكأن علياً(عليه السلام) كان نائماً، وهو صاحب اللواء وقائد الجيش، الذي يُعَيَّن الحراسات ويسير الدوريات ويسهر على سير الأمور! لكنهم يحبون ابن مسلمة، لأنه شارك في تأسيس النظام القرشي، وكان من المهاجمين لبيت فاطمة وعلي (عليهما السلام )!. بل وتذهب الروايات أن الأمام علي رد المهاجمين من قريش على المسلمين ثلاث مرات والى الكعبة ولم يتم سفك دم أحدٌ منهم في دلالة على مدى شجاعة الأمام علي وحنكته وتنفيذه الدقيق لأوامر النبي الأكرم محمد(ص). ولكن كتب التاريخ لديهم لم تشير إلى أسم من رد هجمات المشركين على أعقابهم وأسرهم لأنها كتب ذات هوى أموي وعباسي وكل مبغض لأمير المؤمنين. وللدلالة على ما نقول يذكر الرواة والمؤرخين ما يلي: ثم رووا أن سهيل بن عمرو قال في مفاوضته للنبي(صلى الله عليه وآله):((يا محمد! إن هذا الذي كان من حبس أصحابك، وما كان من قتال من قاتلك، لم يكن من رأي ذوي رأينا بل كنا له كارهين حين بلغنا، ولم نعلم به وكان من سفهائنا، فابعث إلينا بأصحابنا الذين أسرت أول مرة، والذين أسرت آخر مرة. قال: إني غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي. قال: أنصفتنا. فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بالشتيم بن عبد مناف التيمي فبعثوا بمن كان عندهم، وهم: عثمان وعشرة من المهاجرين وأرسل رسول الله أصحابهم الذين أسروا)).(13) فقد أسَرَ النبي(صلى الله عليه وآله) إذن مجموعة من المشركين وأطلقهم، ثم أسر مجموعتين واحتفظ بهم! فمن قام بذلك، وما هو دور علي(عليه السلام) قائد الجيش في أسرهم؟! ثم رووا أن خيل النبي(صلى الله عليه وآله) وكانوا مئتي فارس، قاتلوا فرسان قريش وهم خيل عكرمة بن أبي جهل، وهزموهم حتى أدخلوهم حيطان مكة! قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ:((لما روي أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة، فبعث رسول الله (ص) من هزمه وأدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثانية حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة فأنزل الله: وهُوَ الَّذي كفَّ أيديهم)).(14) فمن الذي بعثه النبي(صلى الله عليه وآله) وقاد هذه العملية النظيفة داخل الحرم، وهزم القوة الضاربة في جيش قريش بدون سفك دم، ومتى كان ذلك ؟ ويأخذك العجب من وقاحة رواة قريش ونسبتهم ذلك الى خالد بن الوليد، مع أنه كان قائد خيل المشركين واعترض النبي(صلى الله عليه وآله) في الطريق وأراد أن يهاجم المسلمين وهم في صلاتهم، لكن النبي(صلى الله عليه وآله) تحاشى القتال لأنه يريد العمرة فغيَّرَ طريقه، وسلكوا طريقاً آخر الى الحديبية، فافتقدهم خالد. هي رواية مفضوحة اضطر ابن كثير الناصبي اعترف بكذبها((لأن خالداً لم يكن أسلم، بل كان حينئذ طليعة للمشركين كما ورد في الصحيح))! لكن رواة السلطة تشبثوا بها وما زالوا يروونها في تفسير الآية ويعدونها من فضائل خالد ومناقبه! لأنهم يريدون أن يكون أسم سيف الله وسيف رسوله لخالد، ولا يريدونه لعلي(عليه السلام)!.(15) ولنأتي إلى رواية كتابة وثيقة صلح الحديبية والتي كان فيها الكثير من الافتراء على الأمام علي(ع) وأنه تمرد على الرسول ولم يقبل بذلك ولنجلبها من مصادرهم لكي نتعرف على مدى تزييف وظلم التاريخ لهذه الشخصية العظيمة فتصرح تلك الرواية التي تقول: إنه لما طلب سهيل بن عمرو محو (بسم الله الرحمان الرحيم). قال النبي (ص) لعلي: أمح ما كتبت. فقال أمير المؤمنين: لولا طاعتك لما محوتها. فمحاها. وكتب: باسمك اللهم. فقال له النبي (ص): اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله (ص) سهيل بن عمرو. فقال سهيل: لو أجبتك في الكتاب الذي بيننا وبينك إلى هذا لأقررت بالنبوة، أمح هذا، واكتب اسمك. فقال علي: والله، أنه لرسول الله على رغم أنفك. فقال سهيل: اكتب اسمه يمضي الشرط. فقال علي: ويلك يا سهيل، كف عن عنادك. فقال عليه السلام: امحها يا علي. فقال: إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة. فقال: فضع يدي عليها. فمحاها (ص). وقال لأمير المؤمنين: إنك ستدعى إلى مثلها فتجيب على مضض. وتمم الكتاب(16) وبعدما تقدم نقول: إن اتهام علي بأنه قد خالف أمر رسول الله إنما حصل ـ فيما يظهر ـ بعد عشرات السنين من قضية الحديبية، بل لعله قد حصل في وقت متأخر من الحكم الأموي. أي بعد وفاة مروان بن الحكم، والمسور بن مخرمة، وأنس، وغيرهم. وذلك لما تقدم من أن هؤلاء وغيرهم قد رووا هذه القضية بصورة سليمة وقويمة أي من دون إشارة إلى تلك المخالفة المزعومة. رغم أن فيهم الحاقدين على علي، إلى درجة أنهم لا يطيقون حتى ذكر اسمه في هذه القضية بالذات. ونستطيع أن نقول: إن تزوير الحقيقة في قضية كتابة الصلح قد جاء لعدة أسباب: الأولى: الحفاظ على ماء وجه معاوية وحزبه الذين أصروا على محو كلمة (أمير المؤمنين) في قضية التحكيم بعد حرب صفين، الأمر الذي صدّق نبوءة رسول الله (ص) حينما قال لعلي: لك مثلها ستعطيها، وأنت مضطهد، أو مضطر. الثاني: إنكار فضيلة لأمير المؤمنين (ع) ظهرت من خلال نبوءة رسول الله (ص) بما سيحصل له من بعده، حسبما تقدم. الثالث: النيل من علي عليه السلام،واتهامه بأمر شنيع وخطير. الرابع: أنه لا بدأن لا يبقى أحد من الصحابة إلا ويعترض على رسول الله، في أمر الصلح، ليبقى أبو بكر وحده هو الموافق، ليتبين علو مقامه، وليظهر فضله على من سواه. حتى إنه ليصبح شريك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الإطلاع على الغيب، وهو حقيق بذلك. قال دحلان: (ولم يكن أحد في القوم راضياً بجميع ما يرضى به النبي (ص) غير أبي بكر الصديق (رض). وبهذا يتبين علو مقامه. ويمكن أن الله كشف لقلبه،وأطلعه على بعض تلك الأسرار، التي ترتبت على ذلك الصلح، كما اطلع على ذلك النبي (ص)، فإنه حقيق بذلك (رض). كيف وقد قال النبي (ص): والله، ما صب الله في قلبي شيئاً إلا وصببته في قلب أبي بكر) (17) وإذا عرف السبب بطل العجب!!. وحديث ثالث رواه الجميع: لما رفض سهيل أن يكتبوا كلمة (رسول الله).:" فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو: هذا كتاب بيننا وبينك يا محمد، فافتتحه بما نعرفه واكتب باسمك اللهم. فقال: أكتب باسمك اللهم وامح ما كتبت. فقال(عليه السلام): لولا طاعتك يا رسول الله لما محوت. فقال النبي(صلى الله عليه وآله): أكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال سهيل: لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوة، فامح هذا الإسم واكتب: محمد بن عبد الله. فقال له علي(عليه السلام): إنه والله لرسول الله على رغم أنفك. فقال النبي(صلى الله عليه وآله): أمحها يا علي. فقال له: يا رسول الله إن يدي لا تنطلق تمحو اسمك من النبوة! قال: فضع يدي عليها فمحاها رسول الله بيده، وقال لعلي: ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض".(18) ثم نزيد من مصدر آخر:((ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا علي إنك أبيت أن تمحو إسمي من النبوة، فوالذي بعثني بالحق نبياً لتجيبن أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد! فلما كان يوم صفين ورضوا بالحكمين كتب: هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، فقال عمرو بن العاص: لو علمنا أنك أمير المؤمنين ما حاربناك، ولكن أكتب: هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): صدق الله وصدق رسوله(صلى الله عليه وآله) ، أخبرني رسول الله(صلى الله عليه وآله) بذلك))!.(19) عليّ (عليه السلام) في غزوة خيبر (*): وبعد أتمام الصلح في الحديبية أصبح مصير الرسالة الإسلامية في أمام حيث أن نبينا الأكرم محمد(ص) قد أمن غدر ومحاربة قريش والكفار من العرب وأصبح صلح الحديبية يمثل انتصار له وللدين وأصبح العرب يدخلون في الدين وبصورة متزايدة لأنه عمل على نشر الرسالة الإسلامية والدعوة إليها وأن عتو وطغيان وهمجية فريش قد انكسرت شوكتها وفشلت كل الخطط التي كانت تعملها من أجل القضاء على الدين الإسلامي ومن هنا كان صلح الحديبية هو استسلام لقريش والاعتراف بالدين الجديد مع العلم أن العديد من الصحابة قد اعترضوا على الصلح وحتى تطاولوا على الرسول(ص)وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب الذي وصل للتجاوز على نبي الرحمة محمد(ص) حيث يذكر المفسرين ومن مذهب أهل السنة هذه الحادثة حيث وفيما أخرجه البزّار والطبراني وعن الدولابي وعزاه الهيثمي الى أبي يعلى عن عمر أنه قال: (اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) برأي وما آلوت عن الحق) وفيه قال: فرضي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبينا حتى قال يا عمر: (تراني رضيت وتأبى).(20) فان قول النبي (صلى الله عليه وآله): (أوَ في شك أنت) للإنكار التوبيخي ـ كما قال القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري ـ: لان النبي (صلى الله عليه وآله) كان عالما بما يخطر في نفس الخليفة وما يجول في باله، وعارفا بمفاد مقاله، لا أنّه استعلم عمّا خفي عليه من حاله، والخليفة لم ينكر ذلك، بل طلب من النبي (صلى الله عليه وآله) ان يستغفر له من وباله. فنزل القرآن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالفتح فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه فقال: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: (نعم) فطابت نفسه ورجع)). ولا ندري ما هو الاعتراض إذا لم تكن مواجهة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الشدة اعتراضاً؟! وبقيت قوّة أخرى تثير الشغب وتمثّل النفاق والغدر، تلك هي جموع اليهود الذين كانوا خارج المدينة، فكان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يراقبهم خشية أن يقوموا بعمل معادي بدعم خارجي، وخصوصاً أنّ تأريخ اليهود مليء بالغدر ونقض العهود، لذا قرّر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) غزو (خيبر) معقل اليهود وحصنهم. فأمر (صلّى الله عليه وآله) أصحابه أن يتجهّزوا للغزو بأسرع وقت، فتمّ ذلك فخرج من المدينة وأعطى الراية لعليّ (عليه السلام) ومضى يجدّ السير باتّجاه خيبر، فوصل إليهم ليلاً ولم يعلم به أهلها، فخرجوا عند الصباح، فلمّا رأوه عادوا وامتنعوا في حصونهم، فحاصرهم النبيّ وضيّق عليهم ونشبت معارك ضارية بين الطرفين حول الحصون. كانت خيبر ثلاث مناطق: النَّطَاهْ بفتح النون المشددة وسكون الهاء، وفيها ثلاثة حصون: حصن ناعم، وحصن الصعب، وحصن قلة. وتتصل بها منطقة الشق وفيها حصن أبيّ، وحصن البرئ. وعلى بعد كيلو مترات منها منطقة الكتيبة، وفيها واد فيه أربعون ألف نخلة وعلى جبلها ثلاثة حصون: حصن القموص، والسلالم، والوطيح. وقد استغرق فتح خيبر كلها وترتيب أمرها نحو شهرين. وبدأ النبي(صلى الله عليه وآله) بحصن ناعم في النطاة، ففتحه بعد بضعة أيام. ثم حاصر حصن الصعب أياماً، ثم فتح بقية الحصون في مدة قليلة. ثم ترك علياً(عليه السلام) في منطقة النطاة والشق، واتجه الى الكتيبة فحاصر حصنها (القموص) وهو حصن خيبر الأكبر، وطالت محاصرته له بضعة وعشرين يوماً! وتمكّن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من فتح بعض حصونهم، واستمرّ الحال هذا من الحصار والقتال بضعاً وعشرين يوماً، وبقيت بعض الحصون المنيعة، فبعث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) برايته أبا بكر فرجع ولم يصنع شيئاً، وفي اليوم الثاني بعث بها عمر بن الخطاب فرج خائباً وكان يرسل جيشه كل يوم بقيادة صحابي، فيصلون الى خندق الحصن فيرميهم اليهود من أبراجه بالسهام والأحجار، فيرمونهم هم، ويرجعون! ثم تجرأ مرحب وفرسانه فأخذوا يخرجون من الحصن ويتحدون المسلمين أن يعبروا اليهم، فلا يجرؤ أحد منهم عبور الخندق، بل كانوا يرجعون منهزمين حتى أحضر النبي(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام).!(21) وهنا عزَّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يعقد بيده لواءً فيرجع خائباً، أو يوجّه أحداً نحو هدف فيرتد منهزماً، فأعلن (صلّى الله عليه وآله) كلمة خالدة تتضمّن معان عميقة ومغاز جليلة، فقال بصوت رفيع يسمعه أكثر المسلمين: (لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار يفتح الله عليه، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله).(22) فاشرأبّت الأعناق وامتدّت وتمنّى كلّ واحد أن يكون مصداق ذلك، حتى أنّ عمر بن الخطاب قال: ما أحببت الإمارة إلاّ يومئذٍ، وتمنّيت أن أعطى الراية.(23) فلمّا طلع الفجر، قام النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فدعا باللواء والناس على مصافّهم، ثمّ دعا عليّاً (عليه السلام)، فقيل: يا رسول الله! هو أرمد، قال: فأرسلوا له، فذهب إليه سلمة ابن الأكوع وأخذ بيده يقوده حتى أتى به النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقد عصّب عينيه، فوضع النبيّ رأس عليّ في حجره، ثمّ بلَّ يده من ريقه ومسح بها عيني عليّ فبرأتا حتى كأن لم يكن بهما وجع، ثمّ دعا النبيّ لعليّ بقوله: اللّهمّ أكفه الحرّ والبرد.(24) ثمّ ألبسه درعه الحديد وشدَّ ذا الفقار الّذي هو سيفه (صلّى الله عليه وآله) في وسطه وأعطاه الراية ووجّهه نحو الحصن، فقال (صلّى الله عليه وآله): (أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله تعالى فيه، فو الّذي نفسي بيده، لإن يهدي بهداك ـ أو لغن يهدي الله بهداك ـ رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم). قال سلمة: فخرج والله يهرول هرولةً وإنّا لخلفه نتّبع أثره حتّى ركز رايته في رخم من حجارة تحت الحصن، فأطلع إليه يهوديّ من رأس الحصن، فقال: من أنت ؟ قال: (أنا عليّ بن أبي طالب). قال: قال اليهودي لأصحابه: غلبتم، وما أُنزل على موسى.(25) ثمّ خرج إليه أهل الحصن، وكان أوّل من خرج إليه الحارث أخو (مرحب) وكان معروفاً بالشجاعة، فانكشف المسلمون ووثب عليّ (عليه السلام)، فتضاربا وتقاتلا فقتله عليّ (عليه السلام) وانهزم اليهود إلى الحصن، ثمّ خرج مرحب وقد لبس در عين وتقلّد بسيفين واعتمّ بعمامتين ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان. فاختلف هو وعليّ بضربتين، فضربه عليٌّ بسيفه فقدّ الحجر الذي كان قد ثقبه ووضعه على رأسه، وقدّ المغفر، وشقّ رأسه نصفين حتى وصل السيف إلى أضراسه، ولمّا أبصر اليهود ما حلّ بفارسهم (مرحب) ؛ ولّوا منهزمين إلى داخل الحصن وأغلقوا بابه. فصار عليّ (عليه السلام) إليه فعالجه حتى فتحه، وأكثر الناس من جانب الخندق ـ الّذي حول الحصن ـ لم يعبروا معه (عليه السلام) فأخذ باب الحصن فقلعه وجعله على الخندق جسراً لهم حتى عبروا وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم.(26) وروي: أنّه اجتمع عدّة رجال على أن يحرّكوا الباب فما استطاعوا. قال ابن عمرو: ما عجبنا من فتح الله خيبر على يدي عليّ (عليه السلام) ولكنّا عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين ذراعاً، ولقد تكلّف حمله أربعون رجلاً فما أطاقوه، فأخبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بذلك فقال: (والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه أربعون ملكاً). وروي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في رسالته إلى سهل بن حنيف: والله ما قلعت باب خيبر ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوّة جسدية ولا حركة غذائية، لكنّي أيّدت بقوّة ملكوتية ونفس بنور ربّها مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء.(27) فهذه هي بطولات أسد الله الغالب سيدي ومولاي أمير الأمام علي(ع) والتي تم التعتيم عليها أو يتم المرور عليها ولكن بصورة سريعة ولايتم التركيز والتي تدلل على عظمة شخصية الأمام علي ومدى اخلاصه في حمل الدعوة مع أخيه ورسوله محمد(ص) وذلك ما اشارت إليه فاطة الزهراء في خطبتها عند ابي بكر عند غب حقها في فدك فتقول في اشارة إلى دور زوجها وابن عمها ووصف حالتهم فتقول { و كنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب و ﻧﻬزة الطامع و قبسة العجلان و موطئ الأقدام تشربون الطرق و تقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد(ص) بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواﺗﻬا فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه و يخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله مشمرا ناصحا مجدا كادحا لا تأخذه في الله لومة لائم وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الأخبار و تنكصون عند النزال و تفرون من القتال}. فكان سيف علي ومال خديجة هو من أحد دعائم قيام الإسلام ونجاحه ومن يقول غير ذلك فهو مبغض للأمام ولأهل البيت(سلام الله عليهم أجمعين) ولا يستحق إن ندعوه بأنه يحمل أي فكر عقلاني أو موضوعي. وفي أجزائنا القادمة أن شاء الله إن كان لنا في العمر بقية سوف نستكمل تلك الأدوار الخالدة التي كانت للأمام علي روحي له الفداء في قيام الإسلام وبناءه ننشر الدعوة المحمدية والتي كان له الدور الأول في ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. _____________________________________________________ المصادر: 1 ـ (الفتح: 24-25). 2 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد ٢: ٧٢. 3 ـ الكامل في التاريخ ٢: ٨٦. 4 ـ تاريخ اليعقوبي ٢: ٥٤. 5 ـ تاريخ اليعقوبي ٢: ٥٤. 6 ـ الإرشاد: 108، الفصل 30 الباب 2، وكشف الغمة: 1 / 280 باب المناقب مثله. 7 ـ سيرة الأئمّة الاثني عشر للحسني: 1 / 217 نقلاً عن ابن إسحاق. 8 ـ سلوا عليا/ص186 سنن أبي داود و صحيح الترمذي بالإسناد الأول و من مسند أحمد بن حنبل رحمة الله عليه. 9ـ [الفتح: 24-25]. 10 ـ الخلاف: 5/528. 11 ـ الإرشاد: 1/119. 12 ـ الطبري(2/278). 13 ـ (الإمتاع: 1/289، وغيره). 14 ـ في الكشاف: 3/547 15 ـ تفسير أبن كثير: 4/207. 16 ـ كشف الغمة، للاربلي ج1 ص210 والارشاد للمفيد ج1 ص120 وأعلام الورى ص97 وبحار الأنوار ج20 ص359 و363 وذكره ص357 مختصراً عن الخرائج أيضاً. 17 ـ السيرة النبوية لدحلان ج2 ج43. 18 ـ إعلام الورى:1/371. 19 ـ تفسير القمي:2/313. (*) خيبر: مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير، تقع خارج المدينة على بعد حوالي (90) ميلاً، وقعت الغزوة في بداية محرّم من العام السابع للهجرة. 20 ـ صحيح البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد: 2 / 282 ح 2731. وكتاب التفسير، سورة الفتح: 3 / 294 ح 4844..صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب (34) صلح الحديبية: 12 / 382 ح /1785.مسند أحمد: 4 / 328. سيرة ابن هشام: 3 / 331. 21 ـ كتاب: السيرة النبوية عند أهل البيت (ع) ـ ج 2.الشيخ علي الكوراني.الفصل الخمسون: غزوة خيبر. 22 ـ تاريخ الطبري: 2 / 300 ط مؤسسة الأعلمي، وتأريخ دمشق لابن عساكر: 1 / 166 ترجمة الإمام علي (عليه السلام)، تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنفي: 32، والسيرة الحلبية بهامش السيرة النبوية: 3 / 37. 23 ـ تذكرة الخواص: 32. 24 ـ تأريخ الطبري: 2 / 301 ط مؤسسة الأعلمي، والكامل لابن الأثير: 2 / 220، وفرائد السمطين: 1 / 264، حديث 203 25 ـ أعيان الشيعة: 1: 401. 26 ـ تأريخ الطبري: 2 / 301 ط مؤسسة الأعلمي، والإرشاد للمفيد: 114، الفصل 31 من باب 2، وبحار الأنوار: 21 / 16. 27 ـ الأمالي للصدوق: المجلس السابع والسبعون، الحديث 10.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- ماذا بعد لبنان / 2