ابحث في الموقع

اليونسكو وعقدة السياسة

اليونسكو وعقدة السياسة
اليونسكو وعقدة السياسة
علي حسن الفواز

من الصعب عزل السياسة عن الثقافة، لأن ذلك يعني إخضاع صناعة الخطاب الثقافي والتربوي إلى مركزية تلك السياسة، وإلى ما يجعلها تحت الهيمنة التمويلية، والسيطرة على مهنية البرامج الثقافية، وعلى توجيه القضايا التي تتعلق بها، لا سيما ما يخص موضوعات التعليم والتنمية والتربية.

انسحاب الولايات المتحدة من منظمة «اليونسكو» التابعة للأمم المتحدة، بدا وكأنه موقف سياسي، وتشويه خطير لأهداف هذه المنظمة الدولية، وتحت يافطة اتهامها بمواقف ثقافية ضد الكيان الصهيوني، وهو ما يضع برامج المنظمة أمام واقع صعب جرّاء امتناع الولايات المتحدة عن الدعم المالي لها، والذي يبلغ 75 مليون دولار، وهذا سلوك يكشف عن طبيعة الأجندة السياسية، حتى الفكرية التي تروّج لها.

هذا الإجراء يحمل معه أهدافاً غامضة يمكن أن تهدد النظام الثقافي العالمي، وتكشف عن علاقته بالأخطار السياسية، والتوجهات التي تعمل على فرضية جعل العالم في خدمة المركزية الأميركية، حيث كان الانسحاب الأميركي الأقرب إلى العقاب، منه إلى التصرف العقلاني أو النقدي، والذي سيضع هذه المنظمة أمام تحديات معقدة، وربما أمام انقسامات داخلية بين المؤيدين للسياسة الأميركية والداعمين للكيان الصهيوني، وبين المدافعين عن استقلالية المنظمة، وعن مشروعية عملها في دعم القضايا الإنسانية والثقافية.

اتهام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنظمة بالانحياز يفتح الباب لمساءلات متعددة، ولمواقف تخص هوية السياسات الثقافية لها، ولبرامجها الخاصة في مجالات التربية والتعليم والثقافة والتنمية، وأهدافها الاستراتيجية في حماية التراث الثقافي الطبيعي، والمساعدة في تعزيز أنماط العيش والحوار والسلام بين الثقافات، فضلاً عن برامجها الخاصة في مجالات العلوم والاستدامة البيئية، ومواجهة تحديات الواقع والأزمات السياسية والصراعات الطائفية والعنصرية، لا سيما في «المناطق الساخنة» التي تعاني من مشكلات بنيوية عميقة، والتي تحتاج إلى جهود استثنائية، وإلى إجراءات واقعية تتعزز فيها تلك الجهود والبرامج.

إن ما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم حرب، ومن تهديد حقيقي للسلام والأمن المجتمعي يتقاطع تماماً مع أهداف منظمة اليونسكو، وأن الموقف من هذه الجرائم، ومن أجندتها السياسية هو ما دفع إلى اتخاذ الإجراءات الرافضة للسياسات الصهيونية، والتي أثارت حفيظة الولايات المتحدة، ودفعها إلى رفضها، وإلى اتهام المنظمة بمعاداة الكيان الصهيوني.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!