في بغداد، ما إن تدق ساعة الصباح حتى تتحول شوارعها إلى ما يشبه “نهرا من الحديد والدخان”، حيث يعلو صخب الأبواق فوق أصوات المارة، وتختفي وعود المشاريع الحكومية تحت غبار الحفر وصيانة الطرق. وبين امتحانات الطلبة واقتراب العام الدراسي الجديد، يتساءل البغداديون: هل ستبتلعهم شوارع العاصمة من جديد، أم أن هناك بارقة أمل لحل أزمة السير؟
نور محمد العالقة بين أدخنة عوادم السيارات منذ ساعات الصباح الباكر، من أجل الذهاب إلى عملها في أحد المصارف الأهلية، تقول، إن “العراق يمتلك موارد مالية ضخمة كان يمكن استثمارها منذ سنوات في تطوير منظومة نقل حديثة، لكن سوء الإدارة والسياسات العشوائية حولت شوارع بغداد إلى ساحة ازدحام دائمة تخنق الاقتصاد وتضاعف معاناة المواطنين”، مؤكدة أن “استمرار هذه الأزمة دون حلول واقعية سيؤدي إلى تفاقم الخسائر لا سيما مع بدء العام الدراسي الجديد”.
وتضيف أنه “رغم المشاريع الأخيرة مثل توسيع الطرق وصيانة الشوارع، فإن الازدحام ما زال على حاله”.
بدوره، يرى أبو محمد، وهو كاسب، أن “أزمة الاختناقات المرورية تعود لزيادة عدد السيارات والكثافة السكانية، حيث أصبح للعائلة الواحدة أكثر من سيارة، في ظل بقاء الطرق على حالها منذ عقود”.
وحول شكل شوارع العاصمة، مع بدء العام الدراسي بعد أيام، فإنه يتوقع أن “الحكومة ستلجأ إلى الحلول الترقيعية من خلال تغيير ساعات الدوام، وتتجاهل القيام بحلول ناجعة، وذلك لانشغالها بالحملات الانتخابية. وإلك الله يا عراق”.
أما علي محمود، وهو سائق تاكسي فيقول، إن “الزحام المروري بات كابوسا حقيقيا لهذه المهنة، حيث أصبح سواق الأجرة يقضون ساعات طويلة في الشوارع دون أن يتمكنوا من نقل عدد كاف من الركاب”.
ويضيف محمود: “إذا أنجزت خمس رحلات في اليوم الواحد فهذا إنجاز احسبه لنفسي”، مبينا أن “التكدس المروري واستهلاك الوقود جعلا من أرباح هذه المهنة شبه معدومة”.
وكانت دائرة الطرق والجسور التابعة لوزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة، قد أعلنت أمس الجمعة، عن قطع مسار الذهاب القادم من ساحة النسور باتجاه ساحة قحطان لاستكمال أعمال التطوير.
ومن المعروف أن مسار هذا الطريق حيوي ومهم جدا لكونه يربط عددا من المناطق مع بعضها، مما يعني أن الازدحامات ستكون في ذروتها يوم غد الأحد، بسبب الدوام الرسمي للدوائر الحكومية.
وخلال الفترة الماضية، افتتحت الحكومة عدة مشاريع من أبرزها مجسرات جديدة في جانبي الكرخ والرصافة، مع توسيع مقاطع من الطرق الرئيسة في أحياء الشعلة، الدورة، والزعفرانية وصيانة شوارع متضررة وإعادة تأهيل الأرصفة والجسور.
ورغم هذه الجهود، فإن الزخم المروري لم يتراجع بالشكل المطلوب، حيث يرى مراقبون أن “المشاريع الهندسية وحدها لا تكفي إذا لم ترافقها إجراءات تنظيمية وحلول مستدامة في النقل العام”.
وأجمعت أوساط اقتصادية وبيئية على أن الاختناقات المرورية في العراق لم تعد مجرد أزمة يومية، بل أصبحت نزيفا اقتصاديا يستنزف نحو 2 مليار دولار سنويا، وسط فشل حكومي في إيجاد حلول جذرية.
يذكر أن مجلس الوزراء قرر في آذار 2024، اعتماد توقيتات جديدة للدوام الرسمي في وزارات ومؤسسات الدولة تحت التجربة لمدة 3 أشهر، لتقليل الزخم الحاصل من الموظفين الحكوميين الضاغط على شوارع العاصمة، وتقليل ذروة الدخول والخروج من دوائرهم ووزاراتهم.
وقسم قرار مجلس الوزراء، دوام وزارات ومؤسسات الدولة على 4 أنواع من التوقيتات، الأول من 7 صباحا إلى 2 ظهرا، والآخر من 8 إلى 3، وأيضا من الـ9 إلى 4، وأخيرا من الساعة 10 إلى 6 قبل الغروب.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن أعداد السيارات في بغداد خلال العام 2024، وصلت نحو 7 ملايين و27 ألف سيارة بارتفاع 6% مقارنة بـ 2023، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشكلة الازدحام المروري والتلوث البيئي.
ودخلت العاصمة ملايين السيارات في العقدين الأخيرين، من دون أية توسعة في شبكة الطرق والجسور، ولا أي تحديث بوسائل النقل العام، في ظل قطع مستمر للعديد من الطرق الرئيسة والفرعية، لأسباب مختلفة بينها الأحداث الأمنية والتجاوزات عليها وتحويل بعضها لأماكن وقوف.
ووصفت مجلة الإيكونومست البريطانية في آذار 2023، بغداد في تقرير بأنها واحدة من أسوأ المدن في حركة السير، حيث تشهد ازدحامات مرورية خانقة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!