- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
النشر الصحفي لقضايا الرأي العام
القاضي ناصر عمران
تدخر قضايا الرأي العام في مكنوناتها التي لا يُفصح عنها الكثير من الأمور التي يجد الرأي العام من حقه الاطلاع عليها، كونها ترتبط في الأمور التي تؤثر عليه والتعامل معها يجب ان يكون بنوع من الحذر وكثير من الوعي وبموضوعية بعيداً عن الآراء المسبقة التي قد تضلل وتشوه حقيقة الواقعة او الحدث او موضوع القضية واذا عَلمنا ان موضوعها قد يكون اجتماعيا او اقتصاديا او ثقافيا او امنيا او سياسيا يرتبط بهيكلية النظام السياسي القائم سيتضح لنا اهمية قضايا الرأي العام.
وفي جميع فرضيات الموضوع فان السكوت عنه اشبه بالمرض الخطير الذي يستشري في الجسد فالقضية التي تشغل الرأي العام في مراحلها الأولية وتتفتق عن تصورات وأشياء كثيرة تدخل الاشاعة والتضليل والكذب والتشويه وأشياء كثيرة مضخمة أو غير حقيقية اذا ما تركت حبال الحقائق على غارب الوهم، وهذه القضايا من الاتساع والتنوع والخصوصية فلكل مجتمع طبيعته ولكل فرد خصوصيته ولكل واقعة ظروفها واسبابها بل وتمثلاتها احيانا، وقضايا الرأي العام المتداولة امام المحاكم تختص بطبيعة مهمة كونها تشير الى العلاقة بين الصحافة والقضاء، وهي علاقة فيها من التقاطع والتشارك الشيء الكثير، فالصحافة الساعية الى الحصول على المعلومة والتي تعتبرها حقا لها وللمجتمع وتسعى الى نشرها في الجانب الآخر يقف القضاء في مساحات العمل والتحقيق محتفظاً للسرية في جوانبها التحقيقية والمهنية طريقا للوصول الى حقيقة الواقعة وبالتالي النجاح في القضية مع حفظ خصوصيات موضوع هذه القضية وان كانت هذه الشخصيات بذاتها موضوعا للقضايا والتي غالباً ما تكون ذات بعد اجتماعي مؤثر.
هذه العلاقة المتضادة في ميدان واحد بين الصحافة والقضاء والتي تتمثل في مناخات متعددة فمثلا وسائل الاعلام ذات طبيعة اتصالية بحسب طبيعتها بالجمهور والتي حدد خبراء الإعلام الآثار المترتبة على ذلك بعدة جوانب اهمها الآثار السلوكية التي يحدثها الإعلام في سلوك الجمهور او الآثار الوجدانية العاطفية والاخلاقية إضافة الى الآثار المعرفية والثقافية وحقيقة التأثير، أما في الجانب القضائي ذا طبيعة باحثة عن حقيقة الواقعة طريقها الى ذلك السرية والتكتم على المعلومة المتحصلة وفي أحيان كثيرة تتمخض عن اتهامات تسند لأشخاص آخرين لهم اعتباراتهم الوظيفية والاجتماعية والدينية ومراكزهم السياسية أو شخصياتهم الاعتبارية الفنية والثقافية ونشر المعلومة يهد التحقيق حيث يفقد قاضي التحقيق ومعيته القائم بالتحقيق والمحقق وعضو الادعاء العام القدرة على تقديم إضبارة تحقيقية كاملة انسجمت مع رؤية التحقيق وتجلت بقرار الإحالة الى محكمة الموضوع التي ستجد نفسها أمام تحد اكبر من مرحلة التحقيق فإذا كان التحقيق سريا فان المحاكمة الجزائية علنية وعلنية المحاكمة تحقق أشياء مهمة وكبيرة منها هي نوع من حق الجمهور في الرقابة الديمقراطية على أعمال القضاء وعرض القضاء لشفافيته وبتقديم وتوزيع عدالته في القضايا المعروضة وسلامة إجراءات التقاضي إضافة إلى الغاية المهمة لفلسفة العقاب والمتمثلة بالردع العام لكن العلانية في قضايا الرأي العام في الجانب الآخر تنطوي على انتهاك الأسرار والحياة الخاصة للأفراد إضافة الى أضرار نفسية جسيمة بهم وبعائلاتهم واحيانا تشكل علانية المحاكمة الجزائية في بعض الجرائم بالنظام العام والآداب العام حيث قد تثير المسائل الاجرائية دوافع وتثير غرائز او عيوب اخلاقية وهذه لا تنعكس سلبا على قرينة البراءة فحسب بل في ذات الوقت مساسا باستقلال القضاء.
وبالمحصلة فان ما يتم الحديث عنه من تباين في أداء عمل الصحافة والقضاء فانه في جوانب عديدة يشكل عملا متكاملا في نقل المعلومة وتحقيق الكثير من الحقوق والحريات التي أشارت نصوص الدستور اليها والأمر يستدعي من الصحافة أن تكون مهنية وملمة بطبيعة التشارك مع القضاء في توضيح طبيعة واقعة موضوع قضايا الرأي العام فقد يجر نشر وقائع توصل اليها القضاء او مرتهنة لإجراءات قضايا تحقيقية تدخل الناشر والاعلامي ووسيلة الاعلام في المحظور التجريمي وبالتالي سينعكس سلبا على عمل الصحافة والقضاء معا،وخلاصة الامر فان النشر الصحفي لقضايا الراي العام بحاجة الى صحافة ووسائل اعلام مهنية تستطيع الموائمة بين هدفها وغايتها الإعلامية في التوضيح للرأي العام والحصول على المعلومة وتقديمها دون الدخول في المحظور القانوني سواء في جانبه القضائي او في جانبه الشخصي المرتبط بالحقوق والحريات ومنها الحق في الخصوصية والحياة الخاصة وان تكون محصنة الى حد كبير في تعاملها اليومي مع مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصالات الأخرى.