لم يحصل العراق إلى حد الآن من تركيا على أي مكسب ملموس في الاتفاقية المائية التي وقعت خلال زيارة الرئيس التركي للعراق في نيسان، في وقت تمضي فيه القوات التركية في توغلها داخل الأراضي العراقية في الشمال لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي ينذر بمقايضة غير معلنة عنوانها الأمن لتركيا مقابل الماء للعراق.
ومع تزايد معدلات الجفاف في العراق، جراء ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار بسبب تفاقم ظاهرة التغير المناخي، أعلنت وزارة الموارد المائية، عن عزمها للاستفادة القصوى من بنود الاتفاقية الإطارية الموقعة بين العراق وتركيا، بهدف التوصل إلى تفاهمات تسهم في الحفاظ على الأهوار بصفتها محمية طبيعية وجزءا من التراث العالمي.
يشار إلى أن غالبية مناطق الأهوار حالياً شبه خالية من السكان، بينما كانت الحياة فيها قبل سنوات قليلة مزدهرة، سواء القطاع السياحي، أو صيد الأسماك والطيور، أو تربية المواشي، حيث تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى أراض قاحلة.
ويوفر العراق نسبة 70 بالمئة من إيراداته المائية من خارج الحدود، حيث تسعى الحكومة إلى التنسيق مع دول أعالي الأنهار بشأن الإيرادات.
إذ قال مدير منظمة طبيعة العراق، جاسم الأسدي بحسب صحيفة الصباح الرسمية، إن وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله ترأس الاجتماع التاسع عشر للجنة الوطنية لإدارة الأهوار كممتلك للتراث العالمي، بحضور الأعضاء المعنيين من الوزارات ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة”.
وأوضح، أن وزارته “تواجه تحديات كبيرة لتأمين المياه بشكل مستدام للأهوار، بسبب محدودية الإطلاقات المائية التي ترد للبلاد والتغيرات المناخية وشح المياه الذي يعصف بالمنطقة عموما والعراق بشكل خاص. وأكد الوزير على أهمية الاستفادة القصوى من بنود الاتفاقية الإطارية مع الجانب التركي للتوصل إلى تفاهمات من أجل معالجة البنى التحتية للمشاريع الاروائية، بما فيها مشاريع الأهوار، للحفاظ على إرثها البيئي والأيكولوجي”.
وأشار الأسدي، إلى أن “الاجتماع تناول الإجراءات المتخذة والتوصيات الخاصة بوضع الممتلك المائي والبيئي والثقافي للأهوار، وأهم المشاريع المنفذة أو المزمع تنفيذها”.
كما ناقش الاجتماع، “مشروع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) في أهوار البصرة، والذي يهدف إلى دعم صمود المجتمعات المحلية للتكيف مع آثار التغير المناخي وتحسين سبل عيشها”.
وكانت لجنة المياه والاهوار البرلمانية، كشفت في 12 آيار الماضي، عن عدم تطبيق تركيا الاتفاقية بشأن الحصص المائية العادلة، داعية الحكومة إلى استغلال الحكومة مقررات القمة العربية التي عقدت في المنامة لضمان حصوله على حقوقه المائية من تركيا.
وشدد البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة، في 16 آيار الماضي، على أن الأمن المائي العربي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، خاصة لكل من جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان، والتشديد على رفض أي عمل أو إجراء يمس بحقوقهما في مياه النيل، وكذلك بالنسبة للجمهورية العربية السورية، وجمهورية العراق فيما يخص نهري دجلة والفرات، والتضامن معهم في اتخاذ ما يرونه من إجراءات لحماية أمنهم ومصالحهم المائية، معربين عن القلق البالغ من الاستمرار في الإجراءات الأحادية التي من شأنها إلحاق ضرر بمصالحهم المائية.
ووصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 22 نيسان الماضي، إلى العاصمة بغداد في زيارة هي الاولى منذ 13 عاما، فيما وصف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، زيارة اردوغان الى العراق، بأنها “ليست زيارة عابرة”، وستتضمن لأول مرة وضع الحلول بدلا من ترحيل الأزمات، فيما وقع العراق مع تركيا ، 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم تتعلق بمجالات مختلفة أبرزها اتفاقية إدارة الموارد المائية.
ورغم الترحيب الرسمي، فقد أثارت الاتفاقية غضب خبراء المياه لعدم إنهائها الخلاف حول “محلية” أم “دولية” نهري دجلة والفرات، وعدم الوضوح في تحديد كميات المياه التي سيتم إطلاقها إلى العراق، حيث تعتبر أنقرة نهري دجلة والفرات نهرين محليين تركيين، وليسا نهرين دوليين.
وحذر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو، فى 1 نيسان الماضي، بأن يكون العراق مقبل على حرب مياه بحلول العام 2050.
وشهدت الاهوار العراقية العام الماضي، اقسى موسم جفاف منذ إعادة اغمارها بالمياه من جديد بعد عام 2003، بحسب الخبير البيئي جاسم الاسدي.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.
وأصبحت تربية الجاموس “عبّ” على عاتق المربين فغياب المراعي الخضراء أدى إلى ارتفاع “العلف النباتي” من 300 الف دينار للطن الواحد إلى 800 ألف.
ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.
ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضاً إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهراً داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.
وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع.
ورصدت المنظمة من منتصف أيلول 2023 نزوح أكثر من 21 ألفا و700 عائلة بواقع 130 ألفا و788 فردا، أغلبهم من المحافظات الجنوبية، وما تزال هذه المناطق في حالة نزوح بسبب حالات التغير المناخي، وكانت ذي قار الأكبر عددا بحالات النزوح إذ وصل عددهم إلى 7890 عائلة، تليها ميسان، ومن ثم النجف.
ومع حلول كل فصل صيف تضرب الأهوار والأراضي الزراعية أزمة مائية تؤدي إلى انحسار مساحات كبيرة في الأهوار وتقليص الخطط الزراعية بسبب شح المياه الواصلة إلى البلاد من دول المنبع، وأحيانا تبلغ الأزمة ذروتها في بعض المحافظات وتؤثر سلبا على تغذية محطات مياه الشرب بالكميات الكافية لانخفاض مناسيب الأنهار المغذية لها وتحولها إلى ضحلة يعصب تنقيتها.
أقرأ ايضاً
- أنقرة تنفي نقل المكتب السياسي لحماس إلى تركيا
- الداخلية تستحدث قسماً جديداً للوقاية واستقراء الجرائم
- طقس العراق.. أمطار رعدية بدءاً من الغد