تراجع مستوى التعليم في العراق بشكل ملحوظ في السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي للبلاد، وسقوط النظام السابق عام 2003، وتذيل العراق قائمة التصنيفات التي تجريها مراكز عالمية والخاصة بجودة التعليم في عدد من بلدان العالم، إضافة إلى ذلك فقد تعرضت البنى التحتية لهذا القطاع المهم والحيوي إلى اندثار غير مسبوق وباتت أعداد المدارس والجامعات الحكومية غير كافية لاستيعاب الطلبة، ما جعل بعض إدارات المدارس تلجأ إلى الدوام المزدوج، هذه العوامل مجتمعة إضافة إلى أسباب أخرى أسهمت في تحقيق نتائج سلبية بالنسبة للتربية والتعليم، وبروز ظواهر عدة منها التسرب من المدارس وغيرها.
ويرى متخصصون أن عدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي بصورة صحيحة، أثر بشكل كبير على مستوى تعلم الأطفال وانحدار أغلبهم إلى العمل في الشوارع والأماكن العامة والسماح لذويهم في إجبارهم على ترك التعليم، دون أي رادع قانوني.
وحول هذا الأمر، تقول الباحثة التربوية إسراء نجم، إن “عدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي في العراق وبصورة فعلية ينتج عمالة الأطفال واستغلالهم في الشوارع، واليوم نشاهد هذا واضحا بصورة مرعبة بشتى أنواع الطرق من التسول وغسل السيارات وغيرها”. وتضيف “عندما نسمح لهذه الأعمار بالدخول إلى الشارع بعمر مبكر فإننا نحملهم مسؤولية أكبر من طفولتهم وسيؤدي ذلك إلى تشويه صورة الطفولة لديهم”.
وتشير إلى أن “الابتعاد عن هذا القانون سيخلق أعدادا كبيرة من المجرمين ومتعاطي المخدرات وجيل كامل لم يأخذ حقه من التربية الصحيحة، وأيضا يؤدي إلى هدر الطاقة الشبابية، حيث أن الشعب العراقي يصنف كشعب شاب، كون نسبة الفئة العمرية من 10 إلى 30 هي الأكثر في التعداد الأخير”.
وتبين أن “هذه الطاقة الشبابية حينما لا تستغل بالشكل الصحيح فهذا بحد ذاته هدرا كبيرا وسنبقى معولين على الجيل السابق الذي دخل مرحلة الشيخوخة وفقا للإحصائيات الرسمية”.
وعن أسباب عدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي، توضح نجم، أن “الدولة لم تأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السكانية الحاصلة وهذه الزيادة لا توازي الخدمات اللوجستية الخاصة بالتعليم فلا توجد مباني جديدة للكليات والمدارس تستوعب الطلبة، كما أن الدوام الثنائي والثلاثي ما زال موجودا والصف الواحد فيه أعداد كبيرة تمنع استيعاب الطلبة للمواد الدراسية بالشكل الصحيح الذي يجعل من الطالب مثالي”.
وتتابع “وأيضا لا توجد تعيينات للخريجين وهذا هدر جديد أيضا بهذا النوع من الطاقة ما يعني أن العراق داخل فعليا في دوامة هدر الطاقات البشرية بمعنى أننا ندور في دوامة الاستهلاك لعدم وجود تجديد للعملية التربوية وغيرها، وهنا لابد أن نسأل أين تذهب الموازنات الكبيرة المخصصة للتربية والتعليم”.
وكشف تقرير سابق نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، عن وجود 2.3 مليون طفل عراقي في سن الدراسة خارج المدارس، فيما أكد أن عقوداً من الصراع وغياب الاستثمارات دمرت النظام التعليمي في العراق.
وتعج طرقات وتقاطعات العاصمة بغداد بعشرات المتسولين من الأطفال والصبية والفتيات، وأعدادهم ترتفع بصورة مستمرة، من دون أن يكون هناك أي رد فعل حكومي تجاه تنامي هذه الظاهرة.
وينص قانون التعليم الإلزامي في العراق رقم 118 لسنة 1976، النافذ لغاية الان، على: أن يعاقب بغرامة لا تزيد عن 100 دينار، ولا تقل عن دينار واحد، أو بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع واحد، أو بكلتيهما، ولي الولد المتكفل فعلا بتربيته، إذا خالف أياً من احكام هذا القانون.
وقد نص القانون أيضا على إن إدارات المدارس الابتدائية تقوم بحصر حالات التخلف عن التسجيل، بموجب القوائم المعلنة لديها وما يطرأ عليها من التعديل، بالاضافة او الحذف، وتتخذ الاجراءات لابلاغ اولياء الاولاد وحثهم على تسجيلهم وعلى انتظام دوامهم والحيلولة دون تسربهم عن الدراسة، ولابلاغ الجهات المسؤولة عن مراقبة الدوام، ومديرية التربية المختصة.
إلى ذلك، يشرح النائب رفيق الصالحي، أن “التعليم الإلزامي موضوع مهم جدا بالنسبة لوضعنا اليوم، ولهذا نشدد على لجنة التربية البرلمانية لتنضيجه ودراسته بشكل مستفيض ودمجه ضمن أعمال المجلس في الجلسات المقبلة”.
ويردف “يجب أن يعالج القانون حالات التسرب المدرسي وأيضا توجه العديد من الآباء إلى جعل أبنائهم يتركون دراستهم للتخلص من الأمية التي بدأت تتصاعد نسبتها بشكل كبير في البلد والانحدار نحو ترك التعليم والدراسة ما يؤثر بالسلب على مستقبل الأجيال المقبلة”.
ويشير الصالحي، إلى أن “ترك الدراسة من قبل الأطفال يخلق جيلا قادرا على ارتكاب القتل والسرقة ومختلف أنواع الجرائم ولهذا يفترض الاتجاه بالضغط على الطلبة من خلال قوانين صارمة توجب التعليم وإلا فإن الأجيال المقبلة ستنحدر في اتجاهات سلبية وسيئة في حين أن بناء مستقبل البلاد يتوقف على مقدار التعلم، فقانون التعليم الإلزامي موجود الآن لدى لجنة التعليم وتجري دراسته وتعديله بشكل مركز”.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء، كشف في 2019 أن العام الدراسي 2017 – 2018، هو أكثر الأعوام تسرباً للطلبة من المرحلة الابتدائية، حسب إحصائية أجراها على جميع المحافظات، واتضح أن أغلب المتسربين من المدارس الابتدائية دون سن 15 عاما، بواقع 131 ألفا و368 طالبا، نسبة الاناث منهم 47 بالمائة، فيما كان عدد المتسربين للعام الدراسي 2016 – 2017 هو 126 ألفا و694 طالبا.
وأصدر تصنيف “التايمز” العالمي للجامعات نتائج نسخته الجديدة للعام 2024، حيث قام بتصنيف 1904 جامعات حول العالم من 108 دول مختلفة، في حين حققت الجامعات العراقية نجاحا ملحوظا في هذا التصنيف، حيث ارتفع عدد الجامعات العراقية المدرجة في التصنيف مقارنة بالعام الماضي، حيث حصل العراق على المرتبة 37 عالميا.
بدوره يوضح الخبير القانوني علي التميمي، أن “الدستور العراقي نص في المادة 34 منه على حماية الطفولة وتكفل الدولة بالتعليم ومحو الأمية، إلا أن المشكلة تكمن في تطبيق القانون من قبل الحكومات المتعاقبة”.
ويتابع “قانون العمل النافذ يمنع عمل الأطفال دون سن 18 عاما، إلا أن الواقع خلاف ذلك من خلال مشاركة مئات الآلاف من الأطفال في سوق العمل خاصة في المناطق الصناعية والتجارية دون أي رادع قانوني”.
ووفقا لتصنيفات منظمة اليونسكو، فإن العراق كان يتبوأ المراتب الأولى عالميا في جودة التعليم ومحو الأمية خلال سبعينيات القرن الماضي، إلا أنه وفق التصنيف الأخير، جاء العراق ضمن أكثر البلدان التي تعاني من ارتفاع الأمية بما يتجاوز 47 بالمئة، في ظل وجود أكثر من 11 مليون أمّي في البلد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- ما علاقة التوتر الإقليمي بارتفاع الدولار في العراق؟
- هل تنجح "الدورات الإلزامية" للمقبلين على الزواج بالحد من تزايد الطلاق؟
- هل يؤثر خفض الإنتاج النفطي على اقتصاد العراق؟