- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كرة القدم والأجواء الحارّة.. الأضرار والمخاطر الصحية ومعالجتها
بقلم: د. باسل عبد المهدي - أكاديمي متخصِّص في (السياسة الرياضيّة)
المتابع لمباريات الدوري الكروي العراقي كُل الحقبتين ونيف المارّة سيُلاحظ بأن هناكَ خللٌ بائنٌ في توقيتات أدواره ومواعيد مبارياتهِ، وهي حالة تضعف شرط العدالة المنشودة لكافة الفرق المشاركة. هذه الأوضاع تكرّرت وهي نتيجة غياب تعريف ملائم للشروط وعدد الفرق المنضوية في منافساتهِ والتي غالبًا ما تقرّرها المصالح الانتخابيّة لاصحاب القرار وصعوبة التقيّد بانضباط بسبب الضغوط والتدخلات المزاجيّة التي تؤثر بالسلب على السلاسة والترتيب في توقيت وتنظيم أدواره التي تمتدُّ أو امتدّت نهاياتها في سنوات عدّة لمُدد تجاوزت ما يمكن أن يستغرقهُ الموسم الكروي لعام واحد.
كذلك، وبسبب اعتبارات مهمّة لعدد من المناسبات سنويًّا، يفترض أن يكون لها حسابات مدروسة قبل وضع وإعلان التوقيتات بصورتها النهائيّة. منها مثلًا، التوقيفات التي تحصل بسبب التزامات المنتخب الوطني، أو عند حلول الشهر الفضيل ووجوب توقيت المباريات خلاله بعد موعد الافطار وليس قبله للأسباب المعلومة.
إلا أن الأكثر أهميّة من كُل ما أشير إليه هو النظر بجديّة إلى التأثيرات المُضرّة التي تسبّبها المباريات المقامة في أشهر الصيف الحارّة على الأداء الكروي ولاعبيه، سنستعرضها كما في أدناه:
عندما نتكلّم عن القيظ فإن المعني بذلك هو شدّة الحرّ وما يُصاحبها من ظروف مناخيّة في فصل الصيف .
علينا أوّلًا أن نضعَ اعتبارًا للتباين الكبير في هذه الشدّة وما تسبّبهُ في مناطق الشمال قياسًا بما هي عليه في الجنوب، وفي أوروبا مثلًا مقارنةً مع أجواء المنطقة العربيّة وبالتحديد منطقتي شرق وجنوب المتوسّط. مع ذلك سنتعرّض للتأثيرات هذه على كُرة القدم ولاعبيها في العالم ومسبّباتها خلال هذا الفصل من السنة بشكل عام وبضمنها منطقتنا.
عند حلول أعالي فصل الصيف في شهري تموز وآب، وحين تبلغ درجات الحرارة مدياتها ، تتوقف في الغالب المباريات (الرسمية) بكرة القدم في معظم دول العالم، عدا دول أقاصي الشمال التي عملت على تمديد مواسمها الكرويّة باتجاه شهور الصيف هربًا من صقيع الشتاء وآثاره المترتبة على سير ضبط المباريات والأهم ما يسبّبهُ من ضعف ارتياد المتفرّجين للملاعب في الأجواء المتجمّدة.
مع حلول هذا الفصل (الحار) يتمتع لاعبو فرق الأندية بفترة انتقال تمثل الراحة السنويّة وتمتد ( 6-8) أسابيع، تبدأ في الغالب خلال النصف الأول من حزيران.
ومع انقضاء فسحة الاستجمام هذه تبدأ الفرق ولاعبيها ثانية تحضيراتها للموسم الجديد الذي تنطلق مبارياته الرسميّة اعتياديًّا أو في الغالب خلال النصف الثاني من شهر آب.
في مثل هذه الأجواء الحارّة تتدرّب الفرق بشكل مكثف لأجل استرجاع مستوى اللياقة البدنيّة والفنيّة التي تراجعت خلال أسابيع الراحة (كتحضير) للمشاركة في المباريات الرسميّة مع موعد انطلاقها.
بعض مدارس التدريب تركّز اهتمامًا أضافيًّا في هذه الفترة بقصد التعجيل باتمام مراحل الإعداد بجوانبها المختلفة وتلجأ لهذا الغرض إلى توظيف عدد متزايد من الوحدات التدريبيّة، تصل في بعض الأحيان لثلاثة وحدات تدريبيّة في اليوم الواحد ولمُدد طويلة مجموعها يقارب (5-7) ساعات يوميًّا.
كثير من اللاعبين يتساءلون عن المخاطر الصحية التي يمكن أن تترتب جرّاء الجهود الشاقة المبذولة في مثل هذه الأجواء. أنهم يتأثرون ككُلّ الناس بما يُقال وينشر من اخبار ودعايات حول تزايد تأثيرات ارتفاع نسبة (الأوزون) في الجوّ ومُعدّلات ثاني أوكسيد الكاربون فيه. كذلك تأثيرات ارتفاع مُعدّلات الرطوبة النسبيّة وكُثرة الحشرات في مثل هذه الأجواء.
وحيث يتمتع أطباء الفرق وملاكاتها الصحية في هذه الفترة بقسط وافر من الراحة أو البطالة الإلزاميّة نتيجة انعدام المباريات (الرسميّة) وقلّة حدوث الاصابات، تنصرف اهتماماتهم المهنيّة إلى دراسة هذه الظواهر ومحاولة تسويق آراء ووجهات نظر قد تخدم في تحضير إجابات على تساؤلات اللاعبين ومخاوفهم نذكر أهمّها:
نسبة الأوزون ومعدّلات ثاني أوكسيد الكاربون
يحاول بعض الأخصائيين وأطباء الفرق تطمين اللاعبين بأن ما يثار من نقاشات حول اضرار تزايد كميّات الأوزون في الجو مسألة تتجاوز أحيانا حدود المبالغة.
وبقدر تعلّق الأمر بحقيقة النسب المُعلنة لكميّات هذه المادة في أجواء اواسط قارّة أوروبا مثلا فإن تأكيداتهم هذه تشير إلى ضُعف امكانيّة وقوع مخاطر صحية مُصاحبة.
بالتأكيد تختلف الحال هذه في مناطق الجنوب وشرق المتوسّط، بسبب التباين الكبير في المناخ مُقارنة بأجواء أوروبا من جانب، وبسبب ضعف أو انعدام وسائل البحث والقياس فيها من جانب آخر !
لذلك من المهم الإشارة إلى احتمال ظهور عوارض سلبيّة ونوبات مفاجئة جرّاء الجهد الحاصل أثناء اللعب في مناخات كهذه في مناطق الجنوب وبالتحديد عند أولئك اللاعبين المُصابين بداء الحساسيّة أو منهم من يعاني أحيانًا بضيق في التنفس (الربو).
إن ارتفاع نسبة هذه المادّة في الجو يمكن أن يقود إلى ما يشابه الهجوم على الأنسجة المخاطيّة، كما يُضعف نظام عمل الحويصلات الهوائيّة، وقد يؤدّي إلى حصول تهيّجات وتدمُّع مُصاحب في العينين. ولا نظن بأن هناك حاجة إلى الإسهاب عند التذكير بأن زيادة تصاعد الأدخنة وكميّات ثاني أوكسيد الكاربون في الجو في هذا الموسم من السنة يؤدّي بالنتيجة إلى تحديد قدرة البدن على تحسّن في مستوى الأداء وقد يترتب نتيجة ذلك أيضًا ظهور خلل في قدرة اللاعب على التركيز وزيادة حالات الملل وضعف في مستوى الإنجاز إضافة إلى الأضرار الصحية المذكورة.
درجات الرطوبة النسبيّة
إن ارتفاع معدّلات هذه النسبة في مثل هذه الأجواء المناخيّة يُمهّد أو يعتبر سببًا أساسيًّا إلى تزايد تسلّط الجهد الواقع على جهازي القلب والدورة الدمويّة. وحين تتجاوز هذه النسبة مُعدّلاتها المعقولة وتصل إلى حدود 90 في المائةِ، كما هو الحال في أغلب دول الجنوب أثناء هذه الأشهر، فإن حالات كهذه تسبّب إعاقة في عمليّات التبخّر في الجسم وتُضعف عمليّات التبريد القائمة فيه، فتظهر نتيجة ذلك متاعب بدنيّة وصحية مُتعدّدة وفيها بعض الخطورة أيضًا.
درجات الحرارة العالية
معلوم بأن الأخصائيين في دول أوروبا مثلًا يؤكّدون ويصرّون على لزوم إجراء تدريبات تطوير المطاولة (الجلد) أثناء فصول الحرّ في المناطق المُظلّلة كالجري في الغابات مثلًا.
في الظروف الجويّة الاعتياديّة ترتفع درجة حرارة الجسم جرّاء هذا النوع من التدريبات من 37 درجة مئويّة لتصل إلى حدود 39 درجة. أما في أجواء الصيف القائظ حين تتجاوز درجات الحرارة مُعدّلاتها الاعتياديّة (45 درجة في الظّل) فتكون نتائجها أكبر وأخطر أيضًا.
في أوروبا يتحدّثون في هذه الأحوال حين تتجاوز حرارة الجوّ ما يزيد عن (30 درجة مئوية) في الظلّ، فكيف ستكون الأحوال إذا ما تجاوزت حرارة الأجواء في مناطق الجنوب ما يزيد عن (48 درجة مئوية في الظلّ)!
كنتيجة للعب أجواء قاسية كهذه تظهر تأثيرات سلبيّة، إذ ترتفع حرارة أجسام اللاعبين أثناء الجهد البدني وتصل إلى مديات مُضرّة وقد تسبّب حصول ما يسمّى بـ (الضربة الحراريّة) التي فيها نوعًا من الخطورة على صحة اللاعبين. إن رياضي الإنجاز العالي والمحترفين من لاعبي كرة القدم يمكنهم في أحسن الأحوال في ظلّ الأجواء الحارّة غير الاعتياديّة هذه توظيف ما لا يتجاوز (30-40 في المائة) من مجمل الطاقة المُحرّرة في اجسامهم لخدمة الأداء الحركي المطلوب، أما المتبقي منها، أي (الطاقة المحرّرة) فتفرز وتطرح خارج الجسم على شكل حرارة.
السوائل والمواد المعدنيّة
تفقد اجسام الرياضين إلى حدود ثلاثة ليترات من السوائل خلال وحدة تدريبيّة واحدة جرّاء التدريب واللعب في مثل هذه الأجواء الحارّة. وحين لا يستطيع الرياضي تعويض هذا الفقدان بوجوب الاستمرار على تناولها (السوائل) فسيقود الأمر إلى امكانيّة تعرّضهم إلى صداع مفاجئ وإلى تشنجات عضليّة. إن الجسم أثناء الجهد البدني المتواصل يستمرّ في عمليّة إفراز العرق وطرحه إلى خارجه مصحوبًا بالعديد من المواد المعدنيّة الضروريّة لتسيير العمليّات الحيويّة في الخليّة الجسميّة (كالمغنيسيوم والكالسيوم والصوديوم).
إن النقص أو الاختلال الحاصل في نسب تركيز هذه المواد في الخليّة يؤدّي إلى حصول الأضرار أعلاه وقد يُصاحب ذلك اختلال مؤثر في عمليّات التوافق العضلي العصبي.
لذلك ينصح بوجوب استمرار الرياضي أو اللاعب على تناول السوائل والمياه المعدنيّة أثناء التدريب حتى في حالات عدم الشعور بالعطش.
أما بالنسبة للمباريات المقامة في مثل هذه الأجواء الحارّة فإن الضرورة تقتضي قيام اللاعبين بأخذ كميّات تتجاوز الأربع ليترات من السوائل قبل وأثناء وبعد المشاركة في المباراة.
وفي معسكرات الإعداد والتدريب الصيفيّة فإن الأخصائيين ينصحون بوجوب تناول اللاعب ما لا يقلُّ عن ثلاثة أضعاف الكميّات المُعتادة من المياه والسوائل المعدنيّة، أي ما يقارب (5-6 ليترات يوميًّا). إن فقدان 2-3 في المائة من الماءِ من عضلات الجسم يؤدّي إلى تعطيل مُباشر في قابليّة إنجازها (أي العضلات).
في عددٍ من الدول الأوربيّة وأنديتها الكرويّة الكبيرة يُلاحظ بأن هناك تصاعد في طلبات شراء وتخزين كميّات من المياه المعدنيّة التي تسبّب تزايد في العروض المُقدّمة والإغراءات المُصاحبة وحدة التنافس بين المُجهّزين والمعامل والماركات لتمويل الفرق بالكميّات المطلوبة، والأهم من ذلك في احتلال مواقع الإعلان المناسبة سواء على ملابس اللاعبين أو في الزوايا المختارة في الملاعب، أما الأسعار والعمولات فتقرّرها أماكن قرب أو ابتعاد مواقع وحجم الاعلانات هذه عن مواضع كاميرات النقل التلفازي وتقديرات تكرار التقاط عيون المشاهدين لاسم الماركة المُعلنة!
نوعيّة الملابس الرياضيّة المُستخدمة
في الأجواء الحارّة يُنصح بارتداء ملابس اللعب من النسيج القطني والابتعاد عن ارتداء القمصان ذات النسيج المُعرقل لمرور الرطوبة. إن التعرّق وكميّات الرطوبة التي ينتجها الجسم نتيجة الجهد المبذول ينبغي تبخيرها باستمرار وعدم تعطيل ذلك عبر نسيج لا يسمح بمرورها. فإهمال الانتباه لحالة كهذه قد يسبّب حصول ما يُطلق عليه بـ (الزحمة الحراريّة) التي تؤدّي إلى اضطرابات مُضرَّة في عمل الدورة الدمويّة وتسبّب أحيانًا مُضاعفات تصل إلى حالات الاغماء أو أخطر من ذلك، كما تكرّر ذلك في الملاعب مرارًا.
أما بالنسبة للأحذية التي يرتديها اللاعبون فإن الأطبّاء يحذرون من كُثرة التدريب واللعب بالأحذية ذات المُساند المعدنيّة أو المطاطيّة الصلبة في الملاعب التي غالبًا ما تكون أرضيّتها صلبة أيضًا في هذا الفصل من السنة ممّا قد يُسبّب وضعًا سيّئًا تسهّل معهُ حصول اصابات في المفاصل والعضلات وربّاطاتها!
كُثرة الحشرات ولسعاتها
اعتياديًّا يبقى اللاعبون ساعات طويلة نسبيًّا في ملاعب التدريب في هذا الفصل من السنة فيصبحون نتيجة لذلك عُرضة مباشرة للسعات الحشرات التي تكثر اعتياديًّا في مثل هذه الأجواء الحارّة. في مواجهة مثل هذه الاحتمالات ينصح الأطباء بأخذ كميّات إضافيّة من فيتامين (ب) كإجراء احتياطي مفيد. إن مادّة الكالسيوم التي يحتويها الفيتامين المذكور لا تمنع حالات التعرّض للسع الحشرات وإنما تعطل أو تضعف حالات التورّم المُحتمل عند حصولها.
الخلاصة
هكذا نجدها قد تحوّلت من مشكلة رياضيّة ذات مسبّبات طبيعيّة ومناخيّة إلى سلسلة من المصالح والمنافع الماليّة والتجاريّة. سلسلة وزّعت حلقاتها وأدوارها بعناية على مراكز بحوث وأخصائيين وأطبّاء وفنّيين ومُدراء فرق. سلسلة يقف ورائها شركات تبضيع وأرباب عمل ووكلاء عمولة ومضاربي أسعار وبيوتات إعلان. سلسلة تبحث عن كُلّ شيء وتسوّق لكُلّ شيء ابتداءً من الغذاء ثم الدواء وحتى الحذاء!
كلمة أخيرة
كُل هذا الذي أتينا على تفصيله محسوب ومدروس في الغالب على أجواء أوروبيّة تعد معتدلة قياسًا بأجواء بلدنا في فصول الصيف العالي وما يصاحبها من مناخات تعد قاهرة فعلًا بكُل تأثيراتها .
نتساءل، ألا يكفي كُل ذلك أن تتحرّك الإدارات المعنيّة ولجان المسابقات فيها وتهمُّ بالتفكير ودراسة إعادة تكييف دوري كرة القدم في بلدنا وتوقيتاته بما بتلاءم كُليًّا وأجواء البلد وجغرافيته؟!
لتأمين القيام بذلك فإن أوّل إجراء بالاتجاه السليم المطلوب، هو وجوب إعادة النظر في عدد الفرق التي تشارك في مبارياته ونظام المنافسة المُقرّ وتوقيتاتهِ في كُل من فئاته انسجامًا مع عدد نفوس البلد ومحافظاته كافة وما يتوفر فيها من عوامل مساعدة كـ (النقل والإقامة والبُنى الملائمة) يجب أن تستثمر هذه جميعًا لخدمة الفرق الكرويّة وتطوّرها، بدلًا من التقليد الجامد لتجارب لا تتلاءم وأوضاعنا أو لخدمة مصالح بعيدة عن مصلحة الكرة ومستقبلها في بلاد الرافدين.
أقرأ ايضاً
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- عودة في الذاكرة.. ماذا فعلنا بعد الديكتاتورية؟
- ماذا بعد الانتخابات المبكرة؟