بقلم:أحمد عبد الحسين
كثيرون حسبوا أن الردّ الإيراني على عدوان الكيان الصهيونيّ وتداعياته وموقف الأميركان منه سيسبب حرجاً ما لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني في زيارته لواشنطن، حتى أن البعض خمّن أنّ قسطاً وافراً من النجاح المنتظر للزيارة سيتوارى خلف المواقف الأميركية المساندة للكيان وسينسحب لصالح الزخم الإعلاميّ الغربيّ الذي بالغ في تضخيم الردّ وإدانة وتبرئة الكيان المحتل.
غير أن الصورة اتضحتْ خلال لقاء رئيس الوزراء بالرئيس الأميركي. ففي الوقت الذي كان فيه بايدن يقرأ من ورقة هيأها مسبقاً للتعبير عن مواقف أميركية تقليدية، جاء ردّ السوداني صريحاً حين أعلن أولاً عن وجود اختلاف في وجهات النظر، معبراً عن احتفاظ كل طرف بالحق في التعبير عن سرديته عن الحدث الفلسطيني، وكان لافتاً للغاية استذكاره لآلاف الضحايا من المدنيين الفلسطينيين من دون الإشارة إلى الخسائر المدّعاة في صفوف مدنيي كيان الاحتلال.
سياسيو الغرب، والأميركان بخاصة، يحترمون الواضح حتى لو كان وضوحه يشير إلى اختلاف في الرؤى. وفي مسألة بالغة الحساسية كموقف العراق من فلسطين كان لا بدّ من حضور هذه الصراحة التي أبداها السوداني أمام بايدن في البيت الأبيض.
كان يمكن للسودانيّ أن يجد في مطاوي اللغة الدبلوماسية مخارج تعفيه من قول ما يريد بهذا الانكشاف والوضوح، لكنّه عرف كيف يحوّل هذه النقطة التي ظنّها الآخرون مسببة للحرج إلى فرصة للتعبير عن موقف مبدأيّ عراقيّ كان ولم يزل مسانداً لفلسطين ومناوئاً لممارسات المحتلين الصهاينة.
وأحسب أنّ هذا الوضوح وتلك الصراحة صارتا عامل قوّة أسهم في إنجاح الزيارة ونقلا طبيعة العلاقات مع أميركا إلى مرحلة جديدة لم نعد فيها مضطرين إلى انتهاج أداء سياسيّ يحابي الأميركان على حساب ثوابت سياسية لها جذر ضارب في عمق البيئة العراقية، وفي مقدمة هذه الثوابت الوقوف مع الحقّ الفلسطينيّ.
الذين تخوّفوا من أن تزامن الزيارة مع الردّ الإيرانيّ سيضعفها، تنفسوا الصعداء بعد كلمة السودانيّ، لأنه عرف كيف يحوّل هذه التزامن إلى مناسبة لتأكيد وإبراز موقف عراقيّ مشرّف.