بقلم: زيد الحلي
ربما نعطي العذر، مرغمين، لكُتاب التاريخ الذين يخوضون في تاريخ الشواهد ما قبل الميلاد، في ذكر التواريخ الدقيقة، وانني شخصيا مؤمن بأنّه لا توجد حقائق راسخة في التاريخ القديم، فحقائق ذلك الزمن الموغل في القدم، حتى تلك التي أشدها وضوحًا فهي نسبيّة في المقام الأول، وهي معرضة للتصحيح كلما تقدم البحث التاريخي .. لكني لا أجد عذرا لمن يتصدى إلى فعل تاريخي لم يتجأوزعمره المئة عام أو يزيد قليلا ..
وأوضح الأمر أكثر، فأقول إن شاهدا تاريخيا ما زالت آثاره باقية على الأرض، واسمه متجذر في أذهان الشعب العراقي، واعني هنا سجن "نكرة السلمان" الذي يتأرجح كُتاب التاريخ في ذكر سنة انشائه، ووصف الحياة داخله، بل أن بعضهم لا يفرق بينه وبين سجن قريب عليه لا علاقة له بأسمه (القلعة) تم انشاؤه في ستينيات القرن المنصرم، فبعض الدراسات تقول إن المبنى تأسس ليكون مقرا لشرطة البادية في العام 1924، فيما البعض يؤكد بأنّه أسس كسجن من قبل القوات الإنكليزية في عشرينيات القرن المنصرم، ودراسات أخرى أن السلطات الملكية شيدته سنة 1930 وإلى آخر التناقضات (التاريخية) التي ما زلنا أسراها !
لكن الجولة التي نظمتها مؤسسة "خطى" لتكريم رواد الثقافة والفنون في محافظة المثنى، وشملت زيارة آثار سجن (نكرة السلمان) وكنتُ أحد المشاركين فيها، أثمرت عن اجابات مهمة عن هذا السجن رواها أحد الشهود من المسجونين فيه، هو الشاعر ناظم السماوي الذي تحدت بشجن عن ظروف السجن والسجناء، بمعلومات لا يسع حجم العمود إيرادها، لكني شاهدتُ شخصيا في احدى القاعات المهددة بالسقوط، ما كتبه أحد السجناء حفرا على الجدران عبارة تقول: (لا نجد شيئا نعتاش عليه، فالقمل يعتاش علينا) وهي عبارة تختصر معاناة السجناء المؤلمة..
باختصار يمكن القول إن السلطات آنذاك، أياً كانت، استعانت بأرض نائية موحشة ملآى بالعقارب والافاعي والذئاب، تبعد عن مدينة السماوة بنحو 150 كيلو متر، باتجاه السعودية، لتجعلها سجنا عصيا على الهرب منه، فالهارب اما أن يموت من الظمأ أو تأكله الذئاب، أنه مقبرة للأحياء !