حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اهتدوا بالشمس، فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر، فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة، فإذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين. فقيل: يا رسول الله ما الشمس وما القمر وما الزهرة وما الفرقدان ؟ قال صلى الله عليه وآله: الشمس أنا، والقمر علي، والزهرة فاطمة، والفرقدان الحسن والحسين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله جعل عليا وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي، من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم.
أول الغيث فيض
سيدي أبا عبد الله انتفض بي شوق الولاء المحكم المستحكم وبوثاقة كما هي وثاقة البصيرة الحادة .فأمسى يقود روحي سيرُها إلى اللا محدود .. لتسيح في أودية العقيدة ..تتسامى وتشهق حتى ترتمي على أعالي مشارف ودادك وربوات ولائك . ثمةَ نسمةٌ تتسلل دون أن يقيدها موعد أو جهة لهبوبها . يردفها رذاذ ورشحات من نثيث بارد ينسل في صباح صيفي وليس شتويا . نسمة سماوية المذهب والمسرى عقائدية الهيبة والوقار موسومة بالدفء والرأفة والأمان. نفحت وكأنها لامست عينيَّ .. لتؤرجح جفني حتى أطبقتهما وتوقفا عن الرمش . من أجل أن تدعوني إلى التنعم بغفوة تحقق السكينة للأحداق والانتعاش للقلب .. ولا تدع لي إلا البصيرة لأبصر بها .. فأحيط علما بما ينبغي أن أحيط به.. فأَنفَلِت من عالمي هذا إلى عالم اللا وجود والتأملات .. محمولا على عاتق فطرتي . لتنتقل بي إلى رحاب عالم الذر .. لتصطف روحي مطمئنة مع الأرواح ..صاغرة منزوع منها أي هوى أو أي درن وزيغ دنيوي .. وتصغي بإنصات لا انقطاع له.. لتجيب كما تجيب الأرواح بالتسليم والطواعية والإذعان للأمر .. حين يصدح الصدى الرباني من اقاصي مديات الأزل التي لا تحيطها حدود : ( ألست بربكم ) ؟(وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) ـ طه / 108 تتهاوى المسافات وتتلاشى التواريخ وتتداعى الفوارق بين المديات .. فتنسل روحي من عمق مستقرها لتتسلق بريقا يمتد بين السموات والأرض.. فترتقي لتشاهد الأشباح تطوف حول آفاق السموات مرة وتتكئ مرة على أظلة ساق العرش .. أشباح أراد لها اللهُ جل وعلا بسلطانه وعظمته أن تكون معدن الرحمة تتهجد بترنيمة إلهية : ( وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) ) ـ الصافات أشباح ملكوتية خمسة .. ابتدعهم الله ُعز وجل فجعلهم مَصَابِيحَ الدُّجَى وَأَعْلَامَ التُّقَى وَذَوِي النُّهَى وَأُولِي الْحِجَا وَكَهْفَ الْوَرَى وَوَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَثَلَ الْأَعْلَى وَالدَّعْوَةَ الْحُسْنَى وَحُجَجَ اللَّهِ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْأُولَى .. أحرزت الملائكة منهم هيبة عزتها بأمر الله واقتبست منهم انوارا .. ومدت زند قدحها ليستضيء الكون ويزدهي ويتحصن بوهج هذا النور الإلهي المقدس.. يتصدر توهج أنوارهم وضحُ لمعانِ نورِ خير خلق الله .. الذي اجتباه الله جل وعلا سيدا على الأنبياء والرسل بل على الخلق أجمعين واصطفاه وجاد عليه بكوثرٍ لا ينضب ابدا : إنا أعطيناك الكوثر .. أزجى له كوثرا فاطميا زهرائيا أنقى من النقاء وأعذب من العذوبة .. تنهمر منه البركات ويفيض الخير .. لينبعث منه كوثرٌ آخر .. حسيني المنبع .. رقراقي التكوين .. سائغ الجريان .. زلالي العصمة .. سلسبيلي الولاية تشريعية وتكوينية .. حسين العزة والإباء والوفاء .. يا كوثرا نقيا عذب المذاق لارتواء القلوب ترتشف منه الأرواح والألباب والأفئدة فلا تظمأ بعد الرشف ابدا ..
الصبح الحسيني يتبلج
آن أوان إنبلاج الصبح الحسيني ليتلجلج الليل .. فيهمي من السماء حبورا وسرورا لا نظير لِسِعَة حجمه كلها تتسرب لتستلقي على صدر سيد الخلق وتحشده بالاستئناس .. لينحني صلى الله عليه وآله بكل مديات نوره وسعتها على مهد أنزله للتو روح القدس ..ليغفو عليه مولود لا مثيل له في الأرض وعد الله نبيه الكريم صلى الله عليه وآله بقدومه .. ـ والله لا يخلف وعده ـ .. واحتسبه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قربانا لرسالته ولعظم دستور السماء .. لابد للوليد من مهد ..وُضِعَ المهد وأي مهد ؟ تفرد بوجوده وخصائصه.. مهدٌ لم يماثله مهدٌ لا من قبل ولا من بعد . إنه من ابتداع الله جل وعلا قامت الملائكة بصنعه في أعالى الفردوس .. أحضرته وخصت به الحسين عليه السلام لا غير .. لا في الشرق ولا في الغرب .. فصار محط توسلٍ للملائكة .. فطرس .. يسعى نحو روح القدس وجبرئيل والملائكة الكروبيين يلتمسهم لأن يتخذهم أخلاء في ترادفهم بالنزول فثمة مهد موعود بمن يتوسده لأن يعيد جناحه فيعرج إلى السماء ليعلن حبوره وانبهاره وتشرفه وافتخاره وتباهيه على الملائكة بأنه عتيق روح رسول الله صلى الله عليه وآله وحبيبه بل نفسه المقدسة بلحاظ قوله صلى الله عليه وآله : حسين مني وأنا من حسين ) سيدي ابا عبد الله أقول : قد نال فطرسُ عند مهدك مغنما ** إذ قال ربِّ اقبلْ بهذا توبتي فإذا بك الملكُ المعاقبُ قد نجا ** بك كيف لا يمحو الإلهُ خطيئتي سيدي ابا عبد الله سلاما عليك أيها النور الإلهي الباهر .. المنبلج من فجر الجلالة .. ليطوف في آفاق السموات .. يسبح ويهلل ويُعَلِّم الملائكة التهليل والتسبيح .. سلاما على السراج الوهاج .. المخلوقةِ من وهج إبتهاجه الجنانُ والحورُ العين .. سلاما على النور الذي استقر بأمر الله في الأصلاب الشامخة .. وأودع في الأرحام المطهرة .. فانسل منها طهرا طاهرا مطهرا .. منبلجا من طهر طاهر مطهر .. سلاما لك من سكان السموات والأرضين .. أيها الباذل كلَ نفيس وأنفس .. وكلَ عزيز وأعز .. ليحيا الفداء والوفاء .. قاصدا خلودك في المقام الأعلى في جنات عدن .. وتتقد به الكرامة .. وتتلألأ منه العزة والإباء ... سلاما على مشرق خلودك السرمدي الأبدي .. الذي لا يحدوه الغياب ..ولا يؤوبه إياب .. سلاما على نورك الذي يستشرق بزهوه الفردوس الأعظم .. وعلى عرشك الذي تَرَبَّعتَ عليه لتسود بقدسك وجلالك على شباب أهل الجنة .. سلاما عليك يا أبا عبد الله .. يا أبا الشهداء .. سلاما على ميعاد شروق نورك البهي الأزهر .. سلاما على مولدك المقدس ورحمة الله وبركاته .