بقلم:حيدر عاشور
لم أتصور يوماً أن يطرق باب البيت من أجل قضية من أبشع القضايا المعاصرة، وهي ( قضية التحرش)، كانت الطارقة للباب امرأة قد تجاوز عمرها الخمسين عاما وأبنتها ذو اربع عشرة سنة، وحين فتحت زوجتي لها الباب كانت في أشد انفعالاتها وهي تتهجم على زوجتي بأن أبنها (يتحرش) بابنتها بشكلِ يومي. انصدمت الأم بابنها الصغير الفقير أن يكون بهذه الهمجية في التصرف، وفورا اتصلت به وجاء الى البيت بكل أدب، وتمت المواجهة أن الابن المسكين لا يعرف البنت نهائيا ولم يرها سابقاً، والبنت تصرخ وتشير بأصبعها إليه وهي غارقة بالدموع، واثناء المواجهة اتضح أن البنت كانت تراقب الولد ولأنه لا يعير لها أهمية ارتكبت عليه بهذا الفعل الشنيع ليصل الأمر بالتفاهم حين اختصرت أم الفتاة اذا كان يحبها فليدخل البيت من بابهِ وإلا ستكون هناك فضيحة عشائرية.. هذه القضية تتكرر في العديد من المناطق العراق ضحيتها الشاب او الشابة ليكونوا تحت عملية النصب والاحتيال بقوة ما تسمى بالقضاء العشائري.. وهناك الكثيرون والكثيرات لم يزل اعتقادهم السائد يصور ان الحب مرض إذا أصاب شخص ما يحوله الى شبه إنسان مسلوب الإرادة تائه العقل، زائغ النظرات مشتت الفكر كثير الوسواس تحييه كلمة رقيقة من الحبيب وتميته كلمة قاسية، ويعتبر أن نهاية الدنيا ستتحقق في اللحظة التي يحدث فيها سوء تفاهم مع الطرف الآخر يكون عن اختلاف وجهة نظر كل منهما لمسألة ما ربما تكون تافهة وعادية جداً. وهذا الحب المريض المضني القائم أساساً على أفكار خاطئة لا يمكن له أن يثمر عاطفة صادقة، ولا مشاعر إنسانية راسخة ولا أحاسيس يمكن ترجمتها مع الزمن الى نبع فياض من العطاء والاخلاص والتفاني والمحبة. إنما حالة مؤقتة تولد مشوهة، ولا تعيش الا في غرفة العناية المركزة بعد حقنها يومياً بأمصال الادعاء والنفاق والكذب والخداع. وشبابنا من المراهقين والمراهقات او حتى ممن تعدو هذه المرحلة، حالة الاغلبية منهم اذا ما اصابهم داء الحب ووقعوا اسرى (حمته) تراهم قد تبدلوا وتغيروا وتخلوا عن طبيعتهم التي نفرضها عليهم اعمارهم الصغيرة الشابة بكل ما فيها من مرح وانطلاق وتفتح على الحياة ليستبدلوها باكتئاب مصطنع، وحزن اكثر اصطناعاً وضياعاً عن كل ما يحيط بهم.. يمضون ساعات نهارهم ولياليهم في ضياع عن كل ما يحيط بهم، وتيه عن كل الوجود سوى كان طيف الحبيب وخياله وتصوراته وأوهام وأحلام في اليقظة والمنام اضافة الى الهزال والضعف والسقام. وإذا سالت الواحد منهم من أين أتتك العدوى..؟ وكيف حل بك هذا الداء..؟ فأنه يشير بأصابعه العشرة الى الافلام والمسلسلات التركية والهندية والكورية والروسية ووو.. وغيرها من الافلام المخلة بالذائقة العقلية والفكرية والثقافية التي يصر مؤلفوها ومخرجوها وممثلوها من الأبطال إلى الكومبارس أن يقطعوا كلهم منذ المشهد الاول بحب عجيب غريب لا شكل له ولا لون ولا طعم ولا رائحة. إنما هو حب مريض يتداوله مرضى ويتعاطاه نزلاء المصحات الغرامية ويتبادله فاقدوا المناعة العاطفية. لهؤلاء نقول، بئس الحب الذي لا يكون قوياً مشرقاً فياضاً متدفقاً متفجراً ومفجراً للمواهب والطاقات والقدرات. ويا ضياع كلمة حب تولد ميتة على الشفاه لا تعرف الابتسام.. انما الكآبة والحزن المرسوم على امتداد حياة مثل هذا الحب الوهمي.