- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مجزرة المعمداني.. مصداقية النظام العالمي في حماية الأمن الإنساني على المحك
بقلم: د. أحمد عبد الرزاق شكارة
أن مصداقية النظام العالمي بكل مضامينه السياسية الدبلوماسية الاقتصادية الثقافية العلمية التربوية بل والاستراتيجية بالمجمل أضحت على المحك عقب مجزرة مستشفى المعمداني وقبلها مجازر عدة المجزرة الاخيرة ذهب ضحيتها ما ينيف عن الالف شهيد بين قتيل وجريح.
إن المصداقية تنبع من ضرورة تقصي مدى رغبة وقدرة مثل هذا النظام القيام بواجباته والتزاماته تجاه الشعوب المقهورة أو التي يراد لها الاستسلام ليست فقط لإهمية وأولية حماية الامن الانساني والدفاع عن الحقوق الشرعية المشروعة لهذه الشعوب وعلى رأسها الشعب الفلسطيني الذي عان مآسي العدوان والاحتلال الصهيوني لمدة لاتقل عن 75 عاما ولكن لضرورة أستثائية فحواها استعادة الكرامة الانسانية بكل ما تعنيه كلمة كرامة.
صحيح إن ما حدث من مآسي أنسانية من قبل النظام الصهيوني لم يعد يعتبره الكثيرون مسألة مستغربة ولكن ما حدث بالفعل من استمرار قصف المدنيين الذين لاناقة لهم ولاجمل في ما حدث اللهم إلا رغبتهم التحرر من أحتلال صهيوني دام اكثر من 75 عاما مسألة لم تعد قضية بسيطة يمكن المرور عليها بتغريدات وكلام ادانة لايسمن ولايشبع ولايشفي غليل كل أنسان له حس إنساني ولا اقول وطني فقط إنطلاقا من ضرورة استعادة الكرامة الانسانية لشعبنا الفلسطيني والعربي بل والانساني والتي بالضرورة هي انعكاس لإولوية أستعادة الحقوق والحريات الاساسية تتوجها كرامة الانسان الذي يعتبر أعز خلق الله عزوجل. "ولقد كرمنا بني آدم" وفقا للقرآن الكريم.
منذ بداية يوم السابع من اكتوبر 2023 ثبت بالدليل القاطع أن اجهزة اسرائيل الاستخبارية بل ونظامها السياسي وللعسكري – الامني عالي التقنية قد فشل في حماية ارضه ومؤسساته بل وشخوص قياداته وجنوده أنه نظام لايعكس اسطورة سبق ان حطمت في جانب مهم منها أكدته حرب اكتوبر1973 من كون الجيش الاسرائيلي لايقهر.
علما بإنه و بغض النظر عن التداعيات لحرب اكتوبر سياسيا وأمنيا إلا أنها اكدت عامل حيوي تمثل في المفاجاة من جهة والابداع من جهة أخرى في كسر حاجز بارليف الذي اعتز الاسرائيليون ببنائه كونه سدا منيعا لحماية امنهم وفاتهم بإن الامن يجب أن ينبع من ارادة سياسية حقيقية تتمتع بمصداقية دولية ترغب بالسلام العادل واعطاء الحقوق المشروعة والشرعية لأصحابها وهذا لم ولن يحدث طالما تستمر اسرائيل بإتخاذ موقفا أمنيا وسياسيا متعصبا عنصريا وصل إلى حد جرائم الابادة الجماعية على اية حال ما أود أن اقرره في هذه المقال جملة امور
1. تصريحات نجدها بعيدة عن المضمون الدبلوماسي – السياسي المتعارف عليه عالميا مثل ان ما يجري من حرب حاليا هي بين القوى الحضارية ضد قوة حماس باعتبارها "نازية جديدة" (تصريح ادلى به المستشار الالماني) او داعشية (بايدن) في تصريح آخر اشار الكثير من المسؤولين الاسرائيليين ان من يدعي تمثيل الفلسطينيين "هؤلاء ليسوا اناسا بل حيوانات" يضاف إليها تصريحات تقول بوجوب تسوية غزة بالارض لاتعني سوى جريمة ابادة وتطهير عرقي جماعي اقوال ليس فقط لايمكن قبولها بل لابد من مواجهتها قانونيا وفقا للقانون الانساني الدولي خاصة وأن الحصار أضحى متكاملا وقاسيا جدا يحرم شعب غزة من الغذاء الماء الدواء وكل مستلزمات البقاء على الحياة. موقف صهيوني يسانده الحليف الاساسي في الدعم الامني - العسكري بكل انواعه سواءا للقبة الحديدية أوللاجهزة التقنية العالية الدقة في قصف الاهداف التي لم تعد عسكرية فقط بل بشرية مدنية في الغالب الاعم.
2. روايات نتياهو وغيره ليس فيها من المصداقية دون أدلة وبراهين انها بمثابة اضاليل كما الامر في ما صور من قطع رؤوس الاطفال وغير ذلك من الفضائع التي لم يثبت انها صحيحة إذ أن فضائية الـCNN اعتذرت عنها كما الامر بالنسبة لما روج الناطق العسكري الاسرائيلي بإن ما جرى في مجزرة مستشفى المعمداني يرجع لصاروخ اطلق من قبل الجهاد الاسلامي مسألة تقبلها الرئيس الامريكي بايدن من طرف واحد دون إجراء تحقيق دولي مستقل يكشف الحقائق على الارض. من هنا لابد لشبكات الاعلام العربية ذات المصداقية ان تلعب دورا اساسيا لفضح العدوان الاسرائيلي بكل الادوات المشروعة والقانونية معززة بالادلة المادية للجرائم المرتكبة بحق شعبنا العربي في فلسطين.
3. تساؤل آخر هل يمكن تقبل أن يكون العالم رهينة لدور اسرائيل المفرد بمنع وصول الامدادات الاغائية العاجلة بكل انواعها ما يعني ان مصداقية النظام العالمي أضحت على المحك في حالة الاخفاق عن أدائها إن عدم الاستجابة إلى دعوة الامين العام للامم المتحدة بإيقاف فوري للحرب مسألة _وإن جاءت متأخرة_ سيعني مآسي وكوارث انسانية غير مسبوقة. أليس بالامكان مثلا من القوى الدولية التي تدعي رغبتها بإقامة السلم والامن الدولي أن تأسس لجسر دولي للاغاثة العاجلة لإنقاذ المدنيين كما حصل في برلين عقب الحرب العالمية الثانية وفي أفريقيا في راوندا أوفي تركيا وسوريا حيث لاجئي زلزال فبراير 2022 الذي دمر مدنا برمتها في محافظات تركية وسورية. من منظور مكمل بأفتراض ان تقصف اسرائيل طائرات نقل مدنية تقل طواقم طبية تحمل علامات واضحة للاغاثة (الصليب الاحمر والهلال الاحمر) إضافة إلى مواد الغذائية الوقود والادوية إلى غزة فإن المسؤولية الكبرى ستقع على عاتق اسرائيل وحدها كونها ترتكب جرائم ابادة او جرائم حرب وضد الانسانية. من هنا أهمية ان تترجم القوى المحبة للسلام والامن الدوليين مع المنظمات الدولية الانسانية ادوارها في إعمال مزيد من الضغط على اسرائيل وعلى القوى الساندة لها كي تعمد اسرائيل لفتح معبر رفح فورا إنقاذا للكثير من شعبنا الذي وصلت فيه المؤسسات الطبية والغذائية والمائية والخاصة بالوقود لحدود مآساوية لاشك أن مواقف منظمات هيومن رايت وج Human Rights Watch ومنظمة العفو الدولية Amnesty International واطباء بلا حدود - منظمات انسانية - وغيرها تقتضي منا التقدير والشكر والاحترام برغم التحديات الكبرى التي لاقبل بها كي تعمل بإمان وأمن لانقاذ شعب غزة باعتبار الامر اولوية إننا نرنو أن يكون النظام العالمي متعدد الاقطاب نظاما دوليا يعتمد القيم السلمية - الاخلاقية ممتزجة بروح التعاون والتنسيق مع مختلف دول العالم بهدف تحقيق التنمية الانسانية المستدامة. المآزق الاساسي حاليا أن مجلس الامن الدولي لايتقبل من خلال القوى الكبرى - بإستثناء صاحبة القرار روسيا والصين ودول معينة قليلة - على إعطاء هدنة أنسانية لايام قليلة من حرب شرسة دامية.
4. إن استمرار جرائم الحرب الابادة والتطهير العرقي وضد الانسانية لابد ان توصل مرتكبيها إن عاجلإ أم آجلا الى حصن العدالة الدولية ممثلا بالمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من مؤسسات قانونية دولية لإن تغيب هذا الدور الحيوي معناه أضعاف متعمد لسلطة القانون الدولي والقانون الدولي الانساني.
5. لو افترضنا وهو مجرد افتراض تعتمده اسرائيل وحلفائها كمقولة تؤمن بها القيادة الاسرائيلية إنها ستنجح في القضاء على تنظيم حماس عسكريا وسياسيا التساؤل هل ستنتهي الفكر السياسي الذي تؤمن به حماس او غيرها سواءا أتفقت معه أو ضده أو هل ستنتهي المقاومة الفلسطينية بكل انواعها بضمن ذلك سياسيا - دبلوماسيا وقانونيا او هل سترفع القضية الفلسطينية من أجندة المجتمع الدولي والاقليمي؟ الجواب من الصعب تصور ذلك أخذا بالاعتبار دروس التاريخ القريب والبعيد لبلادنا ولمختلف دول العالم التي لن تقبل ان تزال من خريطة العالم أوأن تطهر عرقيا او فئويا أي لابد من استعادة التكييف القانوني لحقوق الانسان وحريات الانسان الاساسية بضمن ذلك إنهاء الاحتلال وجريمة الابادة الجماعية. لعل من المناسب أن يلعب الدور العربي والاسلامي دورا أكثر حيويا لحماية حقوق الشعب الفلسطيني برمته لان في ذلك حماية للامن الاقليمي للشرق الاوسط وللعالم.
أخيرا أخذا بدروس الماضي القريب والبعيد لن يمكن ومن غير المقبول ان تعمد اسرائيل لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والاردن خاصة وان الدولتان ترفضان كليا حصول مثل هذه النتيجة المآساوية التي تنعكس سلبا على كل الاطراف العربية والاسلامية بل وعلى العالم لانها ستعني تعقد النزاع الشرق اوسطي مع تداعيات خطيرة على الامن الاقليمي - الدولي بعضها لايمكن التنبأ بنتائجه.