بقلم: علي حسين
من بين رفوف الكتب المزدحمة بالعناوين والحكايات نشعر دوماً بأن عدداً قليلاً منها يعد الأقرب إلى النفس، لماذا؟ لأننا نجد فيها إجابات لأسئلة حائرة. يكتب أندريه جيد: "هناك كتب تصلح للقراءة في الحدائق والطرقات، وهناك كتب يقرأها المرء كمن يمشي على لحم الأرض، كم من التساؤلات يطرحها علينا أبطال شكسبير، وكم من الإجابات علينا أن نصغي إليها ونحن نسبر أغوار أحلام لير ومكبث".
يقال إن هتلر كان معجباً بمسرحيات شكسبير وإنه كان يحفظ عن ظهر قلب مناجاة هاملت الشهيرة "أكون أو لا أكون"، فيما يذكر كاتب سيرته أن "الفوهرر" ظل يقرأ الفصل الأخير من يوليوس القيصر كل ليلة ليتمعن في خصال بروتس، فتراه كل صباح ينظر في وجوه مقربيه خوفاً من أن يكون هناك بروتس آخر مندس بينهم.
في بلدان السياسي الفاشل تتحرك حياة الشعوب وهوياتها ومستقبلها، بإشارة النصر التي دائماً ما تكون طريقاً إلى الخراب، وفي دولة المصالح والبحث عن المناصب، لايهم أن تصبح مثل ريتشارد الثالث ترمي السهم أينما تشاء، فحيث يصيب السهم هناك الأعداء، الكل أعداء، أشهِر سيفك واضرب كما تشاء، لاتصغ لمن يقول لك إحذر إن أمامك أوهاما، الكل أعداء مادام البعض يريد من الجميع أن "ينبطحوا" تحت الفشل والخراب.
قبل أيام استضاف أحد مسؤولينا عدداً من الإعلاميين وبدلاً من أن يتحدث معهم عن مستقبل البلاد أخذ يكيل الشتائم للآخرين، فالكل في صف الأعداء ما داموا غير خاضعين لمنطق صاحب القصر، إهجم كي لا تهزم هذا هو منطق الديمقراطية العراقية، لم تعد السياسة في عرف البعض فن الوصول إلى المستقبل، وإنما خليط عجيب من الأحقاد والانتهازية، كان الناس يأملون العيش في ظل ساسة يكونون مزيجاً من الطموح والصدق وشجاعة الحلم والسعي لبناء الوطن، فوجدوا أنفسهم مع سياسيين غارقين في الطائفية واستجداء السلطة وابتزاز كل من يختلف معهم.
كما في مسرحيات شكسبير دائماً، تظل النهاية مفتوحة على أسوأ الاحتمالات.. ألم يقل "عطيل" يوماً إن العدو يعيش مع الهواء الذي نتنفسه.. أما "مكبث" فلم يتورع لحظة واحدة عن شيء في سبيل السلطة.. فلا يهم أن تقحم البلاد في حرب أهلية، فالكل "فقاعات" مادامت السلطة تحب الكثير من القرابين.. فالسياسي مصاب بهوس الكرسي، والدواء الشافي له مزيد من الخراب والفشل... والباقي من المشاهد مؤامرات، وسعي حميم لنهب كل شيء.. ومعارك من أجل ترسيخ وجهة نظر واحدة ووحيدة.. كل مشهد يعيدك إلى مشهد أقدم.. وفي المشهدين نجد من يكذب ويسرق ويراوغ ويسرق ثم يشير بسبابته ويسألك: ألسنا في بلاد تتعرض لمؤامرات خارجية؟!
أقرأ ايضاً
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (20)
- مسرحية العقوبات الامريكية على كتيبة صهيوني
- ملاحظات نقدية على الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق 2022-2031