- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الثامن عشر من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اَللّـهُمَّ نَبِّهْني فيهِ لِبَرَكاتِ أَسْحارِهِ، وَنَوِّرْ فيهِ قَلْبي بِضياءِ أَنْوارِهِ، وَخُذْ بِكُلِّ أَعْضائي إلى إتِّباعِ آثارِهِ، بِنُورِكَ يا مُنَوِّرَ قُلُوبِ الْعارِفينَ).
- سنتكلم بتوفيق الله وعونه في أمور ثلاثة:
- الأول: بركات السحر، أكدت الروايات الشريفة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) على أهمية هذا الوقت من شهر رمضان المبارك، والشيء عندما يرتبط بشي آخر يشابهه ويأخذ منه، فإن كان مقدساً أو ذا شرفية أخذ أيضاً منه قداسة وشرفية، فالمسجد هو مبنى لكنه لأنه ارتبط بالله وأصبح بيتاً لله أخذ قداسة وشرفية لارتباطه بالله عزوجل، وعليه: فإنه بلا شك أن شهر رمضان شهر ذو رتبة عالية جداً من الشرفية والبركة حيث أن الله عز وجل منحه تلك الشرفية والقداسة والبركة بأيامه ولياليه وساعاته، وأن السحر هو جزء من الشهر الشريف والمبارك، فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين والمستغفرين بالأسحار، فليتسحر أحدكم ولو بجرعة من ماء). ومنشأ بركات السحور هي أن وقت السحر هو أفضل أوقات التوجه إلى الله عز وجل بالدعاء والإستغفار والتهجد والمناجاة حيث أن عموم الناس يخلدون إلى النوم والسبات والراحة من مشقة عمل النهار، لكن الأولياء يجعلون تجارتهم الرابحة مع رب كريم كما وصفهم تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ).
نعم في هذا الوقت وعندما تهدأ الأصوات ويكون الغافلون في نوم عميق وتتوقف ضوضاء العالم المادي تقف أقدام الصالحين وتصطف وتتوجه قلوب الذاكرين لربهم لتلهج ألسنتهم بذكر الله ومناجاته وطلب العفو منه والمغفرة، تقف في صلاة الليل والتي تبلغ بالإنسان المقام المحمود عند الله: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا).
- الثاني: آثار السحر، بما أن السحر فصل مهم للمناجاة والذكر والدعاء ونيل المقام المحمود عند الله عز وجل، فإذا أحسن الإنسان فيه عبادته فإنها سيكون لها آثار معنوية في حياته تلك الرواشح المعنوية التي يكتسبها الصالحون في أوقات السحر هو الهداية الإلهية والإيمان الذي يدخل القلوب وينورها بنور الهدى و الايمان قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )، أو قوله تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)، هذا النور الذي حل في القلوب فأنارها واخرجها من حلكة ظلمات الذنوب والمعاصي، ومنحها الرؤية والبصيرة التي تبصر حقائق الأشياء وترفع عنها غشاء الأنانية والأهواء وتخرق جدران عالم المادة إلى عالم أوسع وأرحب وهو عالم الإيمان بالله تعالى والتعاليم الإلهية، وقد أشارت أدعية أهل البيت (عليهم السلام) إلى هذا النور فجاء في دعاء عرفة للإمام الحسين (عليه السلام): (فَاجْعَلْ لَنا اَللّهُمَّ فى هذِهِ الْعَشِيَّةِ نَصيباً مِنْ كُلِّ خَيْر تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ، وَنُور تَهْدى بِهِ، وَرَحْمَة تَنْشُرُها).
- الثالث: اتباع الاثار المباركة، إذن.. النور هو الهداية الإلهية والإيمان، ولهذه الهداية والإيمان انعكاسات عملية على حياة الإنسان، والتعبير دقيق جداً: (وَخُذْ بِكُلِّ أَعْضائي إلى إتِّباعِ آثارِهِ) أي لابد أن ينعكس هذا النور الذي نحصل في شهر رمضان على جوارحنا، حيث أن هذه الجوارح تحتاج الى تربية وتوجيه مستمر لينزهها من المعاصي وهفوات النفس وأهواءها، فالنور الذي يترشح على اليد أن يعصمها من الظلم وكسب لقمة الحرام والسرقة.. والنور الذي يترشح على العين أن يحميها من النظر المحرم، والنور الذي يترشح على اللسان أن يحفظه من الكذب والغيبة و النميمة وكل كلمة ليس فيها رضا لله تعالى.
إذن.. هذه الأنوار الروحية شهر الطاعة والرحمة لابد أن تلقي بآثارها على حياتنا باتباع نور الهداية الإلهية وأن نعيش هذا النور في دنيانا وأخرانا وأن نعيشه في قلوبنا كي نخرج من ظلمات الذنوب والمعاصي إلى نور الرحمة الإلهية والمغفرة واللطف الإلهي برحمته إنه أرحم الراحمين.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر