- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
منذ إحتلاله.. العراق مازال يعاني من تدمير وتمزيق لنسيجه الإجتماعي
بقلم: عصام الياسري
عشرون سنة من الزمن مضت على احتلاله في 9 نيسان 2003 والعراق لا زال يعاني من اختناق سياسي وأزمات متعددة حرجة، تكاد لا تفارقه. عرضت كيانه كدولة مستقلة ذات سيادة للدمار والخراب، فضلا عن تمزيق نسيجه الاجتماعي وتدمير إرثه الثقافي والحضاري.
فيما أوصل ذلك الغزو، الفكر الطائفي القومي الشوفيني القائم على أساس ديني عرقي "شيعي سني كردي"، للهيمنة على مرافق الدولة ومؤسساتها، ولجوء قيادات الأحزاب والمليشيات التابعة لها، الترويج للتعصب الديني والقومي، الأمر الذي أدى إلى ظهور الإرهاب وانتشار الفوضى وفقدان الأمن وتدهور الأوضاع الاقتصادية والبنيوية وتدمير الصناعة والزراعة. وفي ظل تفاقم الانقسام السياسي منذ تأسيس "مجلس الحكم"، بإرادة وفعل أمريكي، وتحوله مؤسسة لتقاسم الغنائم والامتيازات وتوزيعها بين القوى الطائفية والأحزاب الدينية والقومية "الشوفينية" المتربعة على عرش السلطة. فيما تمادت الدول الإقليمية في سعيها لزعزعة الوضع وتفتيت العراق من أجل السيطرة عليه ونهب ثرواته الوطنية.
وبسبب عدم نزاهة وإخلاص أغلب السياسيين، تفاقمت أزمات العراق السياسية والأمنية والاقتصادية والمجتمعية والثقافية بشكل شامل، حتى غدت مظهرا من مظاهر تفكك الدولة، وإلحاق أشد الضرر بالبلاد ووقف عجلة التطور والنمو والإبداع. كما وان ما يسمى بالعملية السياسية، التي جاء بها المحتل بحجة إحلال الديمقراطية لم تكن إلا أكذوبة كبيرة، إذ لم تكن لديه أية خطة أو برنامج يصلح لبناء دولة المواطنة العصرية عند احتلاله للعراق، كما كان الأمر مع ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، أو مع العديد من دول آسيا كتايلاند وفيتنام وكوريا الجنوبية... ولم يسمح بدستور وطني، ينسجم مع مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة. ولم يكن هدفه إلا سلب الدولة العراقية كل مقوماتها وإحلال مبدأ المحاصصة الطائفية بديلا. بالمقابل ترسخ مفهوم "اللامبالاة" عند الكثير من أبناء الشعب العراقي والنخب السياسية ووسائل الإعلام والمثقفين والمفكرين والمبدعين إزاء العديد من القضايا الوطنية المصيرية.
إن الحد من تردي الأوضاع السياسية وآثارها الوخيمة على مستقبل العراق وأهله، بات من الصعب إيقافه بسبب عدم مشاركة الأغلبية العظمى من المواطنين في التصدي لأحزاب السلطة وممارساتها، أو عدم جدية البحث عن سياقات واقعية باتجاه حوار وطني بين القوى الوطنية النزيهة لأجل توحيد الكلمة ومواجهة التداعيات الخطيرة التي يعاني منها المجتمع وحماية مستقبله والأجيال القادمة من الضياع والمصير المجهول. وعلى ما يبدو أن إمكانات تغيير اتجاه البوصلة السياسية لا زالت غير متوفرة لصناعة اصطفاف وطني يضع مصلحة الوطن في مرتبة فوق عقيدة الانتماء الحزبي والديني والقومي، والمصلحة الوطنية فوق المصالح الحزبية والصراعات الشخصية والإديولوجية.
اليوم ومع مرور عشرين عاما على غزو الولايات المتحدة وحلفائها للعراق، فقد العراقيون الأمل بمعالجة ما سببه الاحتلال في كافة المجالات الحيوية. أو البحث عن استراتيجية ناجعة لإصلاح ما خربته الحكومات المتعاقبة التي جاء بها. ما لم يتحقق العدل والقانون واستقلال القضاء وتركه بعيدا عن نظام المحاصصة السياسية والطائفية، وملاحقة من مارس الفساد وارتكب الانتهاكات والجرائم السياسية. والأهم حل المسألة القومية على نحو يكفل الحقوق المشروعة لجميع القوميات، وتوزيع خيرات البلد بشكل عادل بين جميع المحافظات دون تمييز لتتمكن من تحقيق النهضة التنموية وإحلال العدالة الاجتماعية. أيضا انتهاج مبدأ المهنية والإخلاص للوطن داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، والدفاع عن مصالح "الشعب والوطن". أيضا، إنهاء وجود المليشيات الطائفية والعرقية داخل هذه المؤسسات وخارجها. علاوة على إتباع سياسة خارجية تقوم على أساس التفاهم والمصالح المتبادلة ومبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ما هو مهم أيضا، ترسيخ مبدأ سيادة الدولة الإداري، ذلك يتطلب إطفاء الجنسية الأجنبية عن كل من يخدم في مؤسساتها الحساسة وأناطتها فقط بمن يحملون الجنسية العراقية وحصر المهام السيادية كالسياسة الخارجية والدفاع والأمن والمالية وحماية الثروات الوطنية النفطية والمائية، بيد الحكومة المركزية "الاتحادية"، وإلغاء اللجان الاقتصادية التابعة للأحزاب داخل الوزارات والتي تمارس نهب المال العام غير المشروع وتقديم مسؤوليها للقضاء.
المشهد العراقي كما يبدو كالحا!، ولكن المحن يمكن أن تشكل فرصة للنظر بجدية إلى الأخطاء التي ترتكبها القوى والأحزاب خارج الحكم أن كانت صادقة النوايا، معالجتها بموضوعية وواقعية، ولكن بشجاعة ووضوح، وليس كما يقول المثل: نعم، ولكن. عندئذ ممكن أن يؤدي ذلك إلى مقاربات وطنية يمكن عندها تحقيق حد أدنى من العمل بمسؤولية من أجل مستقبل البلاد وأجيالها القادمة. فمعظم البلدان مرت بهزات سياسية واجتماعية عميقة وخرجت منها معافاة بعد أن تعلمت الدروس من المحن، والعراق إذا ما توفرت الإرادة والنوايا الصادقة قادر على صد كبواته والنهوض من جديد معافى وقوي.
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى