بقلم: أحمد السراي
كرنفالٌ يجمعُ كلَّ دولِ الخليج في بطولتهم التي هي تميّزهم عن غيرها من بطولات في العالم ، كونها تجمع مجتمعات أخوية من ثمان بلدان، تجمعهم مشتركات كثيرة منها القبيلة ، والعرق ،والدم ،واللغة وإن اختلفت في اللهجات، واللباس.
فلا يختلفون سوى بأعلام بلادهم والنشيد الوطني ، فبالرغم من إن المشتركات هي الكفة الراجحة والأصل، بعكس ما يختلفون فيه من بعض الاعتبارات البروتوكولية والتي يمكن اعتبارها فرع عن ذلك الأصل المشترك ؛ وجدناهم في زمن ليس ببعيد إن أكثرهم إن لم نقل الجميع قد تكاتف بكل ما أوتوا من قوة لإبعاد ركن من أهم اركان الخليج ،ألا وهو العراق ؛ وذلك بسبب السياسات الكارثية لحكومات سابقة حكمت هذا البلد المظلوم فكانت السبب في بقاء افكارٍ مشوهة في عقول أبناء اخوتنا من تلك الدول ، فعشعشت في رؤوسهم، ودرّسوا اولادهم على الحقد والغل، وليس ذلك وحسب بل رُفعت اصوات علمائهم للنيل من العراق ، وزادوا على ذلك بإرسال شبابهم المغرر بهم لقتل ابرياء لا ذنب لهم سوى سياسة رعناء لحكومة تسلطت عليهم.
فكان من الصعب عودة هذا البلد الى اخوته الأشقاء ، فما كان من هذا البلد وأبناءه الغيارى ممن يحبون اخوتهم إلا أن يبذلوا جهودهاً جبارة في اعادة تلك الوحدة واللحمة العربية من جديد ، فبدأت الحكايات والقصص تتوالى ليصتدم البعض من اخوتنا الذين زاروا العراق وكانت البصرة هي الأم الحنون التي جمعت الإخوة في دارها، بكم الكرم والمحبة والود الذي يكنّه أبناء العراق لاخوتهم الأشقاء .
فمن ضمن القادمين شابٌ من قبيلة شمّر وصاحبه من المملكة العربية السعودية، فقد جاءوا لتشجيع فريقهم، وفي احدى الايام رغبوا في التجوال ببعض احياء البصرة ،ومن اخلاق هذه المدينة الترحاب والكرم والجود، وبينما هم يتجولون والجميع يرحب بهم، ومن بين الجموع امراة طاعنة في السن ، اصرت عليهم ان يتناولوا وجبة الغداء في بيتها المتواضع، فخجلوا بعد اصرارها أن لا يرفضوا طلبها، فوافقوا على الضيافة تلبيةً لرغبتها.
وأثناء دخولهم ذلك الدار وبينما هم جالسون ينظرون الى زوايا ذلك البيت المتواضع ذو السقف المتهالك الذي يكاد ان يسقط سقفه لينهار على تلك الاسرة التي تتكون من هذه المراة الكبيرة ، التي لم يرحمها الفقر فرسم خطوطه على وجهها ، ومعها ثلاث اطفال وامراة أخرى بأن عليها الانكسار توشحت بالسواد وانهكها التعب بدت على وجوههم حكاية حزينة لايكاد المرء يتحملها ، وبالرغم من كل ذلك لاحظ الشمري وصاحبه هرولة جميع أفراد هذه العائلة لتجهيز وجبة الغداء البسيطة .
فسال الشمري العجوز مَن هؤلاء الاطفال ؟
هل هم اطفالك؟"
فقالت لهم : كلا ، هم احفادي وهذه الموشحة بالسواد الكامل امهم
فقال لها: اين هو ابوهم؟
فاجابته : انه استشهد في احد الانفجارات حيث كان يمتلك بسطية- باللهجة العراقية - لبيع المواد المستعملة .
وبعد أن تم تقديم الطعام البسيط للضيوف وسط حفاوه كبيرة ولسان ترحيب ومودة وإذا بتفاجيء الشمري وهو ينظر إلى صاحبه الذي لم يعد يستطيع الاكل لإجهاشه بالبكاء .
فقال له : ماذا دهاك؟
هل تنتقص من بساطة الطعام؟!
فهذا الجود كله وليس بعض الجود ، وإذا بصاحبه يزاد بكاءه وهو يلعن من كان سبباً في زرع الكراهية والحقد بين الاشقاء ، وخرج من الدار ولم يذق الطعام والدموع قد أغرقته ، فلحقه صديقه ليوبخه
ماذا فعلت ؟
لما اخجلتني امام تلك المراة ؟
فقال له صاحبه كيف اتناول طعام من اناس كان اخي سببا في حزنهم .
فقال له الشمري وكيف ذلك ؟!
فقال له : أن اخي -ما يسمى بالاستشهادي- هو الذي فجر نفسه في ذلك المكان ، وهو من تسبب بمقتل كثير من الناس وإيتام اطفال هذه العائلة، وكنّا حينها فخورين به ، لقد غشونا وزرعوا في رؤوسنا الحقد على أخواننا الذين يرحبون بنا اليوم ، ويجمعنا معهم دين واحد ونبي واحد، وبالرغم من علمهم بما فعلنا فهم يرحبون بنا ، واذا به يرفع راسه للسماء
ويقول: يارب لما جعلتني ادخل هذا البيت، ويا ليتني لم ازر البصرة اصلا.
وهنا علمت ان من منع ان تكون البطولة في العراق سوف يعلم ان الشعوب سترى الحقيقة في أم عينها التي زيفها المنافقون.