علي حسين
منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، شرعتُ في كتابة هذه الزاوية المتواضعة، وكنت خلال هذه السنوات أحاول طرح موضوعات لا تحاصر القراء بمزيد من البؤس، غير أنني أخجل أيضاً من أن أشغل القارئ بنكات جمال الكربولي عن محاربة الفساد، ونظرية عباس البياتي عن استنساخ القادة عن الإصلاح، وأحاول وأنا أكتب مقالاً أن أعود فيه إلى بعض الكتب التي حالفني الحظ وقرأتها، فأجد أن مفكراً بحجم غرامشي يعترف بأن "الاستبداد ينتعش في زمن الفوضى"، والفوضى هي التي جعلت البرلمان العراقي يترك قوانين تخص الخدمات والتنمية ويصرّ على أن العراقيين بحاجة إلى قانون يحدد لهم متى يتظاهرون، وكيف يحترمون قادة البلاد وعدم الاقتراب منهم، وأن الإنترنت أثر في العراق على تطور الصناعة والزراعة، للأسف اليوم نجد العشرات من النواب يخرجون علينا ليصرخوا من شاشات الفضائيات "نحتاج إلى قانون جرائم المعلوماتية" لأن المواطن يتعرض إلى "مؤامرة خارجية". وطوال هذه السنوات كنت وما زلت أكرر باستمرار، أنني أحاول قدر طاقتي وتحملي، الابتعاد عن سير خط ساستنا "الأفاضل"، وأن أشغلكم بالحديث عن الكتب.
بالأمس وأنا أتجول في هذه الشبكة العنكبوتية التي اخترعها لنا البريطاني "تيم بيرنرز – لي"، والتي نستخدمها في مرات كثيرة لبث الكراهية، والسخرية من الذين نختلف معهم، وترديد أسطوانة أننا علمنا البشرية القانون، من دون أن نحترم المرحوم حمورابي الذي حاول قبل ما يقارب الأربعة آلاف عام أن يرشد البشرية إلى شيء ينظم حياتهم أطلق عليه الشرائع أو القوانين.
لكن المشرع العظيم لم يدر بخلده يوماً أن مسلته ستلقى الاحترام في بلاد الغرب، وستحتضنها بلاد "العم" ديغول الزعيم الذي أنقذ فرنسا من سطوة هتلر، فيما بلاد الرافدين استبدلت القانون بـ"الكعدة العشائرية".
أعود لجولتي في الإنترنت حيث قرأت الهجوم الذي تعرض له صانع المحتوى المصري أحمد الغندور الشهير بـ"الدحيح"، وكنت منذ أشهر أتابع برنامجه على اليوتيوب، فوجدته برنامجاً ممتعاً لتبسيط العلوم والقضايا الاجتماعية والتاريخية وتقديمها بشكل كوميدي خفيف وشيق، مع إرشاد المتابعين إلى الكتب التي يجب أن يطلعوا عليها.
في مقابل الهجوم على "الدحيح" وجدت آلاف الشباب توجهوا إلى معرض الكتاب لمشاهدة الشخص الذي يناقش معه اصعب القضايا العلمية باسلوب فكاهي، شباب يتحمسون للمعرفة والعلم، تشاهد من خلالهم ملامح عراق متعافٍ.. وجوه مبهجة، تشعرك بالامل.
وسط حالة الحماس قال احمد الغندور للمئات الذين تحاور معهم: "إن أكثر المتابعين لبرنامجي والمعلقين عليه هم من الشباب العراقيين"، مضيفا: "أنا أعشق بغداد وعندما يقول لي أحد يارجل تعال إلى العراق فسأكون متحمساً لزيارة هذه البلاد الجميلة".