بقلم:عباس الصباغ
جرى العرف السياسي في اغلب الديمقراطيات الرصينة والعريقة في العالم بمراقبة الاداء الحكومي في المائة يوم الاولى من عمر الحكومة الجديدة وذلك لجسّ النبض ولمعرفة مظاهر الفشل والنجاح في ادائها واعطاء حكم اولي عنه. وبخصوص حكومة السيد السوداني فمن المبكر رسم صورة توضيحية عن ادائها لحداثة تشكيلها ولعدم وضوح استراتيجية طاقمها ، ولا احد يعرف مدى جديتها في ترجمة شعاراتها التي اعلنت عنها وانطلقت بموجبها ، ولكن بموجب ذلك فان امامها الكثير من التحديات والمهام والاولويات الجسام اضافة الى تعهداتها المبرمة وقد يكون واقع الحال اكبر من امكاناتها ، مع تمنياتنا لها بان تكون على قدر المسؤولية والتحدي ولايصيبها الفشل والوهن ـ لاسمح الله ـ . ولكن الذي يبدو من حراك هذه الحكومة انها نشطة في مشروعها وتريد ان يتحول هذا النشاط الى واقع ملموس اجرائيا وعمليا وليس شعاراتيا فضفاضا ، ومن جملة ذلك محاربة الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة وشرايينها فهذه العملية بالتأكيد ليست سهلة والاصعب منها استرجاع الاموال المنهوبة والمسرّبة الى الخارج بسبب السرقات التريلونية المرعبة والتي يقوم بها حيتان الفساد يعاضدهم في ذلك بعض المتنفذين في الدولة الذين يستغلون مناصبهم للتغطية على تلك السرقات ذات الارقام الفلكية والتي تُنهب من المال العام ومن قوت الشعب، ولهذا فالحقيقة مرّة اذ يجب التصدي اولا لهذه الكارتلات المافوية وتحمّل اذاهم وتسقيط اذرعهم الاعلامية والمليشياوية فهي عبارة عن اخطبوطات تمد اذرعها في كل المجالات ، فالمسالة ليست هينة كما يبدو فمن يتصدى لهؤلاء عليه ان يواجه (الدولة العميقة) التي لها اذرعها وشبكاتها التي قد تكون اكبر من الدولة نفسها بسلطاتها وقد تكون تلك السلطات مسخّرة لخدمتهم خاصة وان العراق يتصدر دول العالم في الفساد كما يرد في تقارير منظمة الشفافية الدولية ، فالمسالة اذن اكبر من الشعارات والاجراءات الترقيعية ، ويجب ان يبدأ العمل بمبدأ (من اين لك هذا ؟) للانطلاق منه لكشف الحقائق في الاقل امام الراي العام . ومن جهة اخرى على حكومة السيد السوداني ان تعالج اثار التراكمات السلبية لمجموعة التأسيسات الدولتية الفاشلة خاصة الاخير 2003 منها ، وتراكمات الاداء الحكومي الخاطئ للحكومات السابقة فهي سبب الخراب والمعاناة ، ويجب ان تتحلى كابينة السوداني بالجدية والمصداقية وان تنفذ وعودها حسب نظام الملفات لا ان توضع جميعها في سلة واحدة وفي ان واحد . نظرا لجسامة هذه الملفات ، نرى انه لاجدوى من تخصيص مدة زمنية محدودة وقبل ان يشرع السوداني في معالجة الاخطاء السياسية القاتلة وقبل ان ينجح في " "اصطياد" حيتان الفساد والشبكات التي تمولها فمهلة المئة يوم غير كافية بل ربما تحتاج الى اضعاف هذا الرقم لكشف المستور .