بقلم: علي حسين
كان مدهشاً حقاً أن تفوز عاملة النظافة " راشيل كيك " بمقعد في الانتخابات التشريعية الفرنسية ، والمدهش أكثر أن هذه السيدة التي ولدت في ساحل العاج وعاشت شبابها في هذا البلد الفقير قبل أن تقرر الرحيل إلى فرنسا، تفوقت على الفرنسية "الأصل والفصل" روكسانا ماراسيننو مرشحة الرئيس ماكرون وكانت تشغل منصب وزيرة الرياضة.
أرجو أن لا يظن أحد أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين بلاد ديمقراطية المرحوم فولتير، وبين ديمقراطيتنا العرجاء ، لكنني أحاول القول إنه لا شيء يحمي الدول من الخراب سوى برلمان حقيقي، لا دكاكين تباع وتشترى بها المناصب. لم تنته حكاية السيدة راشيل كيك، فقد تحدثت لوسائل الإعلام قائلة : هذا الانتصار تاريخي، مشبهة ما حصلت عليه بكأس العالم، ثم أضافت : أعتقد أن مهمتي الحقيقية هي تنظيف الجمعية الوطنية .
في كل عام عندما تحين ذكرى المهاتما غاندي يخط آلاف الهنود على ملابسهم عبارة "أنا إنسان عادي" وهي كلمات كان غاندي قد أطلقها في وجه بريطانيا عندما كانت دولة عظمى.. العبارة يرفعها شباب وضعوا لهم هدفاً رئيساً هو محاربة الفساد، المدهش في الأمر أن هؤلاء الشباب اتخذوا من المكنسة شعاراً لحملتهم التي تهدف إلى كنس المفسدين والسراق ونهّازي الفرص.
لا أعتقد أن هناك من لا يتذكر صورة الرجل النحيف الذي قال لأعدائه ذات يوم: "لقد عرفت القانون وجربته فنجح أعظم نجاح، ذلكم هو المحبة ".
هذا العام، ستمر تسعون عاماً على قرار غاندي البدء بالصيام احتجاجاً على التمييز ضد المنبوذين الهنود، كان غاندي يقول لمرافقيه إن هذا الصيام سيكون الخطوة الأولى في تحقيق الحلم بهند تنبذ العنف وتسعى للحرية...
اختصرها غاندي الذي كان يرفض أن يخدع الناس: "إني أوثر الانتظار أجيالاً وأجيالاً، على أن ألتمس حرية شعبي بالخطب الزائفة والزاعقة". يتكرر في بلاد الرافدين مشهد أصحاب الشعارات دون أي تغيير، مجرد إضافات جديدة، ولا يزال معظم السياسيين يخبروننا كل يوم أننا الشعب الأول في مجال الحريات والاستقرار والازدهار والتنمية، وينسون طبعاً أن يضيفوا إلى قائمة الامتيازات، القتل والفساد وسرقة مستقبل المواطن.
ما أحوجنا اليوم إلى شباب يرفعون المكنسة شعاراً ويواصلون إرثاً ثقافياً بغدادياً بدأه قبل ثمانية عقود شيخ الساخرين العراقيين "ميخائيل تيسي" الذي أصدر أول صحيفة عراقية فكاهية أسماها "كناس الشوارع" أراد من خلالها انتقاد العادات والنواقص في الناس والمجتمع، فاختار لها المكنسة التي قرر ان يرفعها في وجه الانتهازية والخراب ، عسى أن نسعى ذات يوم الى تنظيف برلماننا "العتيد".