بقلم: نرمين المفتي
العواصف الترابيَّة التي شهدها العراق بجميع أقسامه حتى الشماليَّة مؤخرا، لم تكن جرس إنذار لتنبيه السلطات المختصة عما يواجهه البلد، إنما كانت نتيجة متوقعة لتأثيرات التغيير المناخي الذي يواجهه العالم كله والعراق الذي (يحتل وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة).
(المرتبة الخامسة من أكثر البلدان هشاشة على مستوى العالم من حيث نقص المياه والغذاء ودرجات الحرارة القصوى وما تخلّفه من هجرة داخلية، يضاف لذلك العدد الكبير للنازحين والفاقدين لمنازلهم بسبب الإرهاب والعنف، وتُشكل هذه العوامل تهديداً طويل الأمد للظروف المعيشية لملايين العراقيين، ولاستدامة الاقتصاد على المدى الطويل، وللأمن القومي العراقي)، الفقرة التي وضعتها بين قوسين جاءت في مقدمة نص مشروع إنعاش بلاد الرافدين لمواجهة آثار التغيّر المُناخي في العراق، المقدم من رئاسة الجمهورية، وتبناه مجلس الوزراء والمنشور في الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية في 17 تشرين الاول 2021.. وكانت الأمم المتحدة قد أشارت في أحد تقاريرها إلى أن العراق (أصبح البلد المعرّض للكوارث الطبيعيَّة، أكثر عرضة للمخاطر نتيجة التدهور البيئي الحاد وإهمال الحفاظ على البيئة، وضعف الأطر القانونيَّة والتنظيميَّة للإدارة البيئيَّة، وضعف الترتيبات والقدرات المؤسسيَّة).
إذن، نحن أمام خطر حقيقي بحاجة إلى مواجهة لا تختلف عن مواجهة الإرهاب سواء الإرهاب الظلامي أو إرهاب الفساد، وسط مخاوف من جفاف البحيرات ومن بينها بحيرة الثرثار، إذ أكد خبير جيولوجي بأنَّ قاع البحيرة قد يشهد بسبب تحركات الصفائح الأرضيَّة من الفتحات التي تسمى (sinkhole) وهي فتحات تشبه فتحات البالوعة وتبلع المياه التي تختفي وكانت هذه الفتحات أحد أسباب جفاف بحيرة ساوة.
وتحتاج هذه الفتحات حال ظهور بوادرها الى حقن كما حدث مع سد الموصل.. وهناك تقارير خبرية مصورة عن انخفاض مستوى المياه في بحيرة حمرين وقد تتأثر البحيرات الأخرى التي تتغذى من مياه دجلة والفرات بسبب السياسة المائية التي لم يفكر واضعوها ببناء سدود لحفظ المياه الزائدة في مواسم الفيضانات، فضلا عن سياسة دول الجوار التي تأتي مياه الأنهر منها والتي تسببت بانخفاض مستوى المياه من جهة وزيادة الملوحة في الأراضي التي كانت صالحة للزراعة وخاصة في الجنوب.
يعد التشجير من العوامل التي تقلل من تأثيرات الاحتباس الحراري والتغيير المناخي، إذ تساعد الأشجار كما درسنا في الابتدائيَّة من زيادة نسبة الاوكسجين في الجو، ولكن جولة واحدة في بغداد والمحافظات ستجعلنا ننصدم من الانقراض التقريبي للحدائق المنزلية وقلة عدد المتنزهات وتحويل الأراضي الزراعية إلى أراضٍ سكنيَّة سواء بموافقات رسميَّة أو بالتحاور، والجميع، مع الأسف، لم يرف لهم جفن وبساتين النخيل في جنوب بغداد ومناطق أخرى جُففت لبيع أراضيها للبناء.
وتكرر هذه الجريمة البيئية في كل محافظة تقريبا. وفقد العراق بسبب الحروب والإهمال والجشع أكثر من 20 مليون نخلة، عدا بساتين الحمضيات وغيرها التي أبادتها قوات الاحتلال الأميركي في محافظتي صلاح الدين وديالى.
وقطعا أنَّ قلة مياه الري وتقنين استخدامها أثرت أيضا على المساحات المزروعة، مما أسهمت في ارتفاع درجات الحرارة أكثر من معدلاتها.
وهناك الغاز الذي تحرقه الشركات النفطية الحكومية بدل الاستفادة منه، واستنادا إلى التقارير الدوليَّة، فإنَّ العراق كان مسؤولا في 2019 عن 8 ٪ من انبعاثات غاز الميثان في العالم، و 0.5 ٪ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون في العالم ايضا.
وفي تقرير مطوّل نشرته جريدة الغارديان اللندنيَّة في ١٥ نيسان الحالي تحت عنوان
(Iraq’s ancient buildings are being destroyed by climate change - الشواخص الاثرية العراقية تتدمر بفعل التغيير المناخي) أشارت فيه إلى زيادة الملوحة في الأرض والعواصف الترابيَّة وغيرها من العوامل تدمر أهم الشواخص المعماريَّة في العراق الذي يوصف بأنه مهد الحضارة.
وفضلا عن كل هذه التأثيرات، فإن المتضرر الأكبر هو الإنسان العراقي الذي يؤثر التغيير المناخي على غذائه وصحته وبيئته وسكنه، وهو ما يزال بانتظار الإجراءات الرسميَّة الملموسة وليست المكتوبة وإلّا فإنَّ العراق سيتحول الى مكان غير صالح للحياة.
أقرأ ايضاً
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- أثر الزمان في تغير الاحكام القضائية
- المصالحة بين حظر النازية وحظر حزب البعث في العراق