بقلم: يعقوب يوسف جبر
القبيلة وحدة اجتماعية تشكل حيزا اجتماعيا برزت في أعماق التاريخ قبل ظهور مكون الدولة ونسقها استجابة لحاجة الفرد إلى الحماية الاجتماعية، لكن بعد ظهور الدولة الحديثة لم يعد للقبيلة دور فاعل باعتبار أن الدولة الحديثة هي البديل الفاعل والمناسب، ونتيجة لذلك نشب الصراع الساخن بين النسقين، فتقاليد نسق القبيلة القديمة لم تعد تتناسب مع تطور العقل الاجتماعي ولم تعد تتلاءم مع كيان الدولة وقوانينها، لذلك حينما تطغى سلطة القبيلة ضمن الدولة الواحدة، على سلطة الأخيرة تزداد وتيرة العنف ويبرز التعصب القبلي، فتضعف قوة الدولة وهيبتها، وما يحدث اليوم في العراق مثال بارز على تراجع قوة الدولة وانهزامها وطغيان العقل الجمعي القبلي الذي لا يتلاءم مع قيم الدولة المتمدنة، فأخلاقية الثأر الجمعي التي يتصف بها العقل القبلي تشير إلى فوضى فاضحة واستهتار بحقوق الانسان، بينما نجد في ظل نظام الدولة أن نظم العقوبات تشمل كل فرد يعتدي على حقوق غيره، بينما ضمن سنن القبيلة تمتد العقوبة لتشمل الفرد المعتدي وسواه من قرنائه ضمن القبيلة الواحدة.
أما على صعيد حريات الانسان خاصة تلك المتعلقة بالمرأة، فنجد أن هنالك تفريطا واضحا فالمرأة حسب العرف العشائري يمكن أن تكون عبارة عن ثمن بخس يتم منحه من قبل عشيرة إلى عشيرة اخرى دون ارادة من المرأة كدية، لقاء خطأ ارتكبه أحد افراد عشيرة المرأة بحق فرد أو أفراد من العشيرة الثانية، بينما ضمن قانون الدولة الدستوري وقانون الأحوال الشخصية تتمتع المرأة بكافة حقوقها، ولا يجوز إكراهها على القيام بعمل او تصرف ما، فجميع حقوقها مكفولة.
وحسب تقاليد القبيلة يجوز العبث بالنظام الأمني العام، متى تشاء القبيلة، منها إطلاق الإطلاقات النارية والتسبب بمقتل أشخاص من القبيلة نفسها او غيرها، لكن حسب قانون العقوبات المرسوم من قبل الدولة يعد ذلك جريمة معاقبا عليها بالحبس او الغرامة او كلاهما معا.
هكذا تبدو القبيلة بالنسبة لبعض عاداتها وتقاليدها لكن ليس معنى ذلك أن جميع العادات والتقاليد القبلية سلبية الاتجاه، بل هنالك عادات وتقاليد وأخلاقيات راقية، منها التعاون الذي يبديه أفراد القبيلة في الحفاظ على أمن البلد، إضافة إلى المساهمة في بنائه والحرص على دولته وسيادتها، اذن يمكن المواءمة بين القبيلة من جهة والدولة من جهة اخرى لكن باستبعاد جميع العادات والتقاليد التي تتنافى مع نظام الدولة العام.
من هنا لا بد من اتباع نهج جديد لتعديل مسارات القبيلة، عبر اعادة النظر في بعض العادات والتقاليد القبلية واستبدالها بعادات وتقاليد تتواءم مع نظم الدولة وقوانينها.
فعوضا عن محاكمة القبيلة للمتهم واصدار العقوبة القبلية تجاهه يمكن لقضاء الدولة العادل أن يحاكمه وفق قانونها، وان يكفل القضاء له جميع حقوقه منها حق الدفاع عن نفسه.
أما بخصوص مركزية الدولة في جميع المجالات فهي مهمة للغاية، فعندما تتحدد هذه المركزية القانونية وتكون السلطة بيد الدولة في اتخاذ القرارات وادارة شؤون البلد، فلا بدَّ من أن تختفي مركزية القبيلة، لتلافي التناقضات بينها وبين الدولة، بينما لو تمتعت القبيلة بالسلطة والمركزية وبالوقت نفسه تتمتع الدولة بهذه المركزية وهذه السلطة.
الخلاصة أنه من غير المنطقي أن تزاحم سلطة القبيلة سلطة الدولة، بل يجب أن تبقى الدولة هي مالكة السيادة والقرار والسلطة، بينما تبقى القبيلة مجرد نسق اجتماعي يخضع لسلطة الدولة لخلق فرص تطور الأخيرة واستقرارها.