بقلم: أ.د عامر حسن فياض
يشاع أن ما يحصل في العراق يوصف بأنه (انسداد سياسي) لان الخطوة الأولى من الخطوات الثلاث، بعد الانتخابات الاخيرة، لم تؤدِ اوتوماتيكيا الى الخطوتين الثانية والثالثة بانسيابية، كما الحال في الانتخابات السابقة للاخيرة.
بمعنى ان خطوة انتخاب رئيس مجلس النواب لم تنقل الحال الى اتمام خطوتي انتخاب رئيس الجمهورية القادم بعد، حيث تعقدت الأمور، والخطوة الثانية بدورها ستُعقد تجاوز الخطوة الثالثة الخاصة بتسمية المكلف لرئاسة مجلس الوزراء القادم.
وهذا الانسداد يعني أول ما يعني أن العلوية التوافقية، التي غلبت العلوية الدستورية في كل مرة سابقة قد أخذت تتعرض للثلم بعد أن تعرضت صلابة البيوت التقليدية الثلاثة (السنية - الكردية – الشيعية) للاهتزاز.
صحيح أن صلابة هذه البيوت غير مرغوبة للعقلاء في السياسة، بيد أن الصحيح جداً أن لا يرغب ولا يقبل عقلاء السياسة أن تثلم صلابة بيت لحساب تصلب بيتين، لان صلابة ثلاثة بيوت هي أقل سوءاً من تبعثر بيت واحد وتصلب بيتين من ثلاثة.
وإن هذه المعادلة هي واقعية عاقلة في السياسة، اما الأحلام الوردية للعقلاء والأمنيات المطلوب تحقيقها عندهم، فهي ان تتفتت صلابة البيوت الثلاثة معا ليصبح المواطن والمواطنية وليس البيوت والمكوناتية هي الأساس في الخروج من الانسدادات السياسية القائمة والقادمة مرة واحدة والى الأبد.
إنَّ عقلنة السياسة على ضوء ما يحصل وما سيحصل في العراق تقتضي مفتاح عقلنة يتعامل مع مغاليق تعثر بناء عراق الدولة الحقة. ولعل مفتاح عقلنة السياسة يتمثل بالاشتغال الحقيقي بالتعديلات الدستورية لمواد تستحق التعديل وأخرى تستحق التوضيح وإزالة الغموض وثالثة تستحق إعادة صياغة لمغادرة الركاكة ورابعة تستحق الإبقاء والتفعيل.
ويستلزم الاشتغال المُعقلن بالتعديلات الدستورية أن يكلف الساسة المنتخبون نخبة من أهل التخصص في السياسة والقانون والإدارة يتم اختيارهم، بعيداً عن الرغبات الشعبوية والانتقاء المحاصصي، لأن عقلنة التعديلات الدستورية هي مهمة تخصصية نخبوية، وليست مهمة رغبات شعبوية، وهي مهمة تثبيت استحقاقات وطنية وليست مهمة توزيع عطايا وامتيازات جهوية لصالح شيعة سلطة مسلحين بالعواطف ولسنة سلطة مسلحين بالتوق لزعامة غابرة ولكورد سلطة مسلحين بالعصبية القومية، فمن غير المنطقي وغير العقلاني أن يقوم هؤلاء بهذه المهمة.
وإنْ تمَّ امر التعديلات بهذه الآلية وعلى يد جهة عراقية وطنية مختصة فإن الدستور بعد تعديله سيوضع لحكم الجميع بما فيهم واضعوه، وسيزول الوهم بأن واضعيه غير مشمولين او غير معنيين بالالتزام بأحكامه وباحترامه، كما ان العلوية ستكون فقط علوية دستورية لا تنافسها او تتغلب عليها العلوية التوافقية، التي شهدناها ونتذوق مرارتها حتى اليوم.
وايضا إن تمَّ أمر التعديلات بهذه الآلية وعلى يد جهة عراقية وطنية مختصة فإن المضادات الحيوية النافعة في الدستور ستنشط وأن الفيروسات الضارة فيه ستتلاشى، ليصبح دستورنا خارطة طريق لمستقبل عراق جديد وليس وثيقة تقليب مواجع تاريخ المظلومية الشيعية والمنبوذية السنية والاقصائية الكردية.
أقرأ ايضاً
- لا مكان لـ "حُسْن الظن" في السياسة
- السياسة تتدحرج نحو الهاوية.. ومصير العراق على المحك !
- اصلحوا السياسة المالية واحموا المصارف العراقية