بقلم: طالب عبد العزيز
على الرغم من كرهنا الخوض في مشاريع الحكومة العراقية، لعدم جدوى الخوض ذاك، حيث لا أحد يصغي، ولا أحد يقرأ، فقد ذهبت الى غير رجعة، ما دأبت عليه سنن المكاتب الاعلامية، التابعة للمحافظين والمسؤولين العراقيين،في متابعة ما ينشر في الصحافة، وتأشير ما يحدث إيجابا، او سلباً لأعمالهم، ولو أخذوا ببعض ما كتب نصحاً وارشاداً لكانت مدننا هي الاجمل اليوم، ولكان انساننا هو الاسعد، استناداً الى ما أنفق من المال والجهد، خلال عقود من الزمن.
ولعل الوصف بـ (حكومة المولات) هو الاقرب لحقيقتها، فهذه مدينة البصرة، وعلى تعاقب المحافظين فيها، فقد اشتغلت على قضم المساحات الخضر، وتحويلها الى مولات، وما فعلته ببهو الادارة المحلية، وحديقة الامة، ومتنزة الخورة، وغيرها خير دليل على ذلك، وقد يكون ما قامت به حكومة المهندس (اسعد العيداني) من تحسين في الجهود الخدمية ما نؤشره إيجاباً على علمه، لكننا، نود الاشارة الى أن تبليط الشوارع غير كافٍ ما لم يقرن بعمل جاد في شبكات الصرف الصحي، وسيكون إنجازا لا قيمة له، والتوسعة في بناء الضواحي والمدن السكنية سترتد بالسوء على ما تقوم به، إذا لم تكن هناك شبكة واسعة وحديثة للمجاري، إذا لم تكن هناك مصانع لتدوير النفايات، ولعل تجربة مدينة القبلة خير دليل على جميل ما قمتم به، مع تأشير جمهور البصرة الى أنَّ إلقاء المياه القذرة في شط البصرة لهو من أعمال الجهل بخطورة ما سينتج عنه.
أيّ صورة من الجو ستكشف حجم التوسعة العمرانية في المدينة، ونحن شهود على ذلك، وأي مقارنة بصورة لها قبل عشرين سنة ستكون ظالمة، ونحن نشهد مع الحكومة أيضاً بأنَّ سكان البصرة تضاعف كثيراً، فهي اليوم بأكثر من أربعة ملايين انسان، وبحركة عمرانية ملفتة، يقوم بها القطاع الخاص. ترى كيف سينظر المهندس الى قضية التوازن، بين حق المواطن في السكن، وحقه في المساحة الخضراء، مع حقه بوجود بيئة صحية وآمنة، مع حقه في التعليم والصحة والنقل ومتابعة شؤونه داخل الدوائر الرسمية وغيرها؟ أيعقل أن تكون ثاني أكبر مدينة عراقية بهذه العشوائية في الادارة؟ أيكون التخطيط للمدن بإزالة الأراضي الزراعية وتجريف البساتين وردم الانهار؟
في زاويتنا هذه كتبنا لأكثر من مرة عن المشاكل الصحية والبيئية التي ستنتج عن تحويل بساتين ابي الخصيب وشط العرب الى بيوت ومحال تجارية.
وقلنا بأنَّ الحكومة إذا كانت قد تخلصت من ضغط السكان في توفير المساكن لهم، عبر السماح لأصحاب البساتين ببيعها وتحويلها بيوتاً عشوائيات (وهو الاجراء الاسوأ في عملها) فسيرتد ذلك عليها عاجلاً أم آجلاً، ذلك لأنَّ الانهار المتفرعة من الشط الكبير والجداول الفرعية كلها ستتحول الى شبكات لصرف المياه القذرة، التي تنتهي بشط العرب، المصدر المائي الوحيد، الذي تعتمد عليه محطات الاسالة ومعامل التصفية، وبذلك سيكون المواطن قد إغتسل وشرب من ماء فضلاته، بمعنى أنه سيكون ضحية قبوله بالسكن هنا، وأنَّ ما تفضلت الحكومة به سيصبح وبالاً عليه، حيث لا موسسات صحية رسمية، قادرة على احتضانه، إذا ما علمنا بان الحكومة لم تنشئ مستشفى حكومياً واحداً منذ أكثر من 40 سنة.