بقلم: د. أثير ناظم الجاسور
منذ الايام الأولى للانطلاق العملية السياسية في عراق ٢٠٠٣ ولغاية اليوم نشهد صراع عنيف يحمل في طياته التخوين والاتهام والتسقيط وسوء النية، فلا تنفك الاحزاب من ان تسيل كم هائل من التشكيك لكل حدث له صداه في العراق بالإضافة إلى الإجراءات التي تتبعها في تحديد مستويات هذا الصراع وعناصره، اليوم كما هو البارحة صراع على السلطة بالدرجة الأساس.
فلا تقبل الاحزاب ان تكون الخاسرة على الإطلاق بعد ان تعودت ان تلعب على الخاسر الوحيد في عمليتهم هذه (الشعب)، الذي تعود على خساراته جراء سياسات الاحزاب الحاكمة التي استطاعت ان تهيمن على كل تفاصيل حياته وحاضره وحتى مستقبله والاستحكام على ابسط المتطلبات، بالنتيجة الخسارة مفردة غير واردة في قاموس الاحزاب التي استمكنت من السيطرة على القرار والمؤسسات وكل ما له علاقة بإدارة الدولة.
مشكلة العراق الأزلية تبدأ مع كل دورة انتخابية منذ اليوم الأول للإعلان عن المرشحين المنضوين تحت رايات الاحزاب والكتل المشاركة انتهاء بتشكيل الحكومة، من هنا تبدأ قصة الصراع الذي لا ينتهي بسيل من الاتهامات والتشكيك سواء بين الاحزاب ذاتها او بين المواطن والاخيرة، فبعد ان اسست الاحزاب بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية نظام المحاصصة الذي شرعت من خلاله كل الخطوات والإجراءات التي اتبعتها وارسلها وفق سلوكيات ومفاهيم الكعكة والغنيمة، بالتالي ساعد هذا النظام على أن تتربع هذه الاحزاب على كرسي حكم العراق السير في إدارته وفق مفهوم المصلحة الضيقة التي عززت نفوذهم وسلطانهم عليه، جملة من الامتيازات بالإضافة للحصانة التي ساعدتهم على أن يُكونوا دول صغيرة داخل الدولة مما ساهم في سيطرة الأولى على الأخيرة، بعد أن امتلكت ثلاثية السلطة والمال والسلاح التي اسهمت في إمتداد الجذور بعد أن حصلت على الدعم الداخلي والخارجي وتنفيذ جملة من الاجندات التي كان من الضروري تنفيذها سيما وانها أجندات تطمح ببقاء العراق موحداً ضعيف افضل من مقسم كل إقليم يمتلك ادواته والياته في الحكم.
أظهرت نتائج انتخابات تشرين التصدع الكبير في جدار الشركاء بعد أن تحول الصراع إلى (شيعي- شيعي) (سني – سني)، وهذا الصراع لم يكن وليد لحظة هذه الانتخابات لكن توضحت معالمه بشدة بعد التنافس الكبير بين الكتل المشاركة وتحت مسميات مختلفة، وبدأ التمهيد عن التشكيك بنزاهة الانتخابات من جميع الأطراف بالإضافة إلى التسقيط الذي أصبح من بديهيات عمل الاحزاب، بالتالي فإن مسألة ان الانتخابات والاعلان عن نتائجها بشكل طبيعي باتت من مستحيلات العمل السياسي والانتخابي والحزبي، لأن هذه الاحزاب لا تؤمن بالمنافسة الشريفة ولا تؤمن ان اللعبة السياسية خاضعة للربح والخسارة وعليه فإن فكرة تزوير الانتخابات والتلاعب بالقوائم والأصوات وشراء الذمم هي لعبة الاحزاب الحالية، بالنتيجة فإن الصراع الدائر اليوم بين هذه الاحزاب والتخوين والتشكيك هو انعكاس طبيعي لمعرفتها بشكل ومضمون العمل الانتخابي الدائر في العراق، لكن هذا لا يمنع من ان المواطن سيكون المتضرر الأول من هذا الصراع وعليه لابد من صم الاذان عن سماع الخطابات المليئة بالكراهية وغلق العيون عن ممارساتهم غير المجدية.