- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إسترداد الأموال المنهوبة مسؤولية وطنية كبرى
بقلم: د. أحمد عبد الرزاق شكارة
إن سرعة تفعيل الحراك العراقي لإسترداد كم هائل من الاموال المنهوبة "لم تحسم قيمتها الكلية بعد" من بلادنا تصل قيمها التقديرية لـ لآلاف من المليارات سربت خارج البلاد منذ عقود سابقة تعد مسؤولية وطنية كبرى لا مناص منها عبر عنها بشكل تشخيصي واضح في إطار المدونة الرئاسية القانونية وفي ظل مخرجات مؤتمر بغداد عقد برعاية حكومة السيد مصطفى الكاظمي في بداية شهر ايلول 2021 حضرته شخصيات عربية ودولية.
المؤتمر خصص لاسترداد الأموال العراقية المنهوبة خارج البلاد من خلال اعتماد مناهج وآليات قانونية "تشريعية" – قضائية وتنفيذية - سياسية وإعلامية شاملة وحازمة.
اي أنه ليس مجرد خيارا يمكننا تحمل مرونة وترف تأجيله لمراحل قادمة نظرا للمعطيات وللتداعيات الخطيرة التي تنعكس بظلالها وتداعياتها سلبا على صورة ومضمون المشهد التنموي الانساني – العراقي.
واقع الحال يقول إن العراق بأمس الحاجة للالتزام الصارم بنصوص وروح إتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد (2004) التي أنضم إليها العراق في عام 2007. النتائج عقب الانتخابات البرلمانية في العاشر من أكتوبر ستسفر عن إمكانية واضحة إما لمواصلة الجهود التي أختطها حكومة السيد مصطفى الكاظمي في عام 2020- 2021 لمحاربة الفساد من خلال حراك سياسي – دبلوماسي ، قانوني وإعلامي ينتج عنه زخم قوي للمتابعة الجريئة بأتجاه تفعيل حقيقي لعملية منع ومكافحة الفساد بصورة تحقق للعراق استرادا لبعض الاموال وممتلكات التي نهبت او هربت عوائدها خارج البلاد أم سنرى العكس نكوصا وتراجعا عن تفعيل الحراك الوطني المطلوب بصورة تعطي للفاسدين فسحة او فسحا أخرى من الوقت لإستمرار وتجذر فسادهم .
بعبارة أخرى ، يمكننا تصور سيناريو قاتم مفاده عدم حصول تغيير أيجابي في مسار إنعاش وبناء الثقة المتبادلة بين الجمهور العراقي بمختلف أطيافه والوانه الجميلة والنظام السياسي المقبل طالما لم تنتج العملية السياسية تغييرا حقيقيا في بنية النظام السياسي القائم على المحاصصة المقيتة وواقع تجذر الفساد . هيئات مثل هيئة النزاهة – مديرية استرداد الاموال - وديوان الرقابة المالية ولجنة مكافحة الفساد الحكومية وغيرها من مؤسسات حكومية يفترض أن تبني وتعزز أنجازات فعلية سابقة "محدودة نسبيا" إتساقا مع إستمرار المتابعة الحثيثة لجهود دبلوماسية وقانونية مؤثرة لجهات رسمية متعددة - بخاصة وزارتي العدل والخارجية – المعنية بإسترداد الاموال المنهوبة.
أنطلاقا من المنظور الستراتيجي يتوقع ولاشك ان يصدم كل من يتحدى الفساد من مؤسسات حكومية ، شخصيات نزيهة ومنظمات مجتمع مدنيتتمتع بالمصداقية والنزاهة بعقبات أوتحديات كبرى تستدعي اولا وقبل كل شيئ ضرورة الالتزام بمسار واضح محدد زمنيا ومكانيا يؤكد توافر إرادة "الدولة الراعية"بضرورة أستئصال كل مظاهر الفساد في الجسد الاداري ، الاقتصادي للدولة من جهة وبالاعتماد على جهود الامم المتحدة في ظل الاتفاقية الدولية لمنع ومحاربة الفساد من جهة اخرى . من هنا أهمية تأكيد دور مبادرة إستعادة الاموال المنهوبة التي تعرف ب(( The Stolen Asset Recovery Initiative- Star . المبادرة ناجمة عن شراكة بين مجموعة البنك الدوليWorld Bank Group- WB)) ومكتب الامم المتحدة للمخدرات والجرائم (The United Nations Office on Drugs and Crime)تستهدف دعم الجهود الدولية للدول النامية لإنهاء كل الملاذات الآمنة Safe-heavensلأموال الفاسدين .
ضمن هذا الاطار يفترض أن يتعاون العراق سياسيا -دبلوماسيا -وقانونيا وبشكل مستمر ممنهج مع دول المبادرة والدول النامية والمراكز المالية في الدول المتقدمة بخاصة التي تتمتع بالمصداقية الاقتصادية – السياسية نظرا لأن المجتمع الدولي يجب أن يستشعرمدى الاهمية العاجلة لإسترداد الاموال المنهوبة عبر آليات فاعلة وحازمة منعا لانخراط هذه الاموال في عمليات غسيل فاسدة Laundering proceeds of corrupt Assets أتساقا مع جهد حثيث منسق ومنظم دبلوماسيا وقانونيا لاستعادتها كي تستثمر فعليا في بناء وتحديث الدول النامية ومن ضمنها العراق . اما الدول المعنية بتقديم مساهماتها المالية في إطار صندوق الوقف متعدد الاطراف ضد الفساد Multilateral anti- Corruption Fundفهي : النروج ، السويد ، سويسرا ، فرنسا ، المملكة المتحدة ، وهولندة . هذا بالاضافة إلى دور مساعد من قبل الولايات المتحدة ، استراليا ، كندا، لوكسمبرغ و برنامج الامم المتحدة للتنمية UNDP. ضمن هذا التصور تتصاعد أهمية بل وضرورة تفعيل علاقات العراق السياسية –الدبلوماسية –القانونية – الاقتصادية والاعلامية "السلطة الرقابية الرابعة" مع الدول والمؤسسات المعنية بحقوق الانسان وبمحاربة الفساد وبالتخلص من تداعيات الفقر المدقع (نسبته لازالت مرتفعة في العراق بين 30-45%) ما يستدعي إقامة شبكة متسعة من العلاقات ، الاتفاقيات ، المعاهدات ومذكرات التفاهم وتبادل المعلومات ذات المصداقية.
إنطلاقا من التوجه الستراتيجي يمكن للعراق ان يستفيد من مبادرة Star القائمة على شراكات دولية International Partnershipبين أطراف متعددة حيث تتلاقح الخبرات الوطنية مع خبرات وتقنيات مهنية ناجحة في دول العالم مبنية على الركائز Pillarالتالية:
اولا : التمكين Empowerment : حالة تركز على سرعة تقديم المساعدات الضرورية للدول النامية في ظل تأسيس مهني متخصص للكوادر، للادوات والامكانات القانونية وتأصيل للمؤسسات المهنية الوطنية بغية العمل الجاد على استرداد الاموال المنهوبة. ترتيبا على ذلك ، يتصاعد الاهتمام بتنمية المهارات و الكفاءات الوطنية المتخصصة لاستعادة الاموال المنهوبة. من ضمن هذه المهارات إقامة ورش العمل المتخصصة والمؤتمرات التي تطرح المبادرات التي تناقش طروحات وتساؤلات حيوية ، وتتفاعل مع تبادل الافكار والمعلومات الخاصة بالاموال الفاسدة(حجمها ، أماكن وجودها وكيفية التوصل إليها ). مضافا لكل ذلك الانتفاع الشامل من برامج ومناهج التدريب والتآهيل عالية ودقيقة التخصص للاشخاص الذين عليهم مسؤوليات التزام المسار الوطني المهني الخالص باستعادة كافة الاموال المسلوبة ضمن إطار التعاون الدولي القانوني أو لاستعادة اقصى ما يمكن من الاموال وعوائد الممتلكات المهربة خارج العراق.
ثانيا: الشراكات Partnerships : ظاهرة تجمع اطراف متعددة من حكومات دول ذات انظمة سياسية متنوعة ، وكالات ومؤسسات مالية مميزة، و منظمات المجتمع المدني المتخصصة والمعنية بشؤون حقوق وحريات الانسان والتنمية الانسانية . الجميع يجب أن يتحلى بروح المسؤولية الجماعية التي ستوفر رادعا وضامنا ضد مشروعات الفاسدين البعيدة عن مضمون وروح بناء الدولة المدنية الحديثة.
ثالثا : الابداع Innovation: يستند إلى حيوية استخدام افضل المعارف ، المهارات والممارسات العالمية القانونية والتقنية المعنية باسترداد الاموال المنهوبة بأقل الخسائر الممكنة . من هنا أهمية إستدامة الاستعانة بالخبرة العراقية والدولية المتخصصة قانونيا وتقنيا – إستخباريا للاسهام الفاعل بمثل هذه المهام الجسام في ظل تسخير مناسب لاقتصادات رقمية –معرفية - سايبرية - أمنية وسياسات قائمة على الشفافية والحوكمة "المحاسبة" الرشيدة.
رابعا: المعايير الدولية International Standards: إن الالتزام الحازم بالمعايير الدولية تسهل إمكانية استعادة الاموال المنهوبة من خلال إذكاء روح التضامن الدولي والذي من معطياته تأسيس فرق مهام متنوعة من التخصصات المهنية Task Forces تنتظم في إطار مؤسسات التنظيم الدولي متعددة الاطراف بهدف تعزيزدور الدول النامية ومنها العراق في مجال مكافحة الفساد بكافة اشكاله مع المتابعة والتقييم الدقيق لتداعياته الخطيرة على مسار الحوكمة الرشيدة والتنمية الانسانية المستدامة.
اما مسألة التكاليف المالية في محاربة الفساد فهي ولاشك ستكون كبيرة نسبيا ولكنها إن نجحت في تحقيق أهدافها ستحقق للمجتمع الدولي ومن ضمنه العراق مكاسب حيوية ماديا ومعنويا . أن للعراق – برغم الصعوبات المالية – الاقتصادية التي يمر بها – يمتلك من الثروات والعوائد الكثير ما يمكنه من أنجاح مبادرات استرداد الاموال . كما ويمكن للسلطات الرسمية العراقية ان تعتمد ايضا على خيار آخر يتمثل بأنتقاء شركات متخصصة مهنيا ذات سمعة عالمية عالية تسهم في المساعدة في استرداد الاموال المنهوبة مقابل عائد مادي او نسبة مقبولة دوليا من مجمل ما يسترد من قيم الأموال المهربة . علما انه وبرغم التحديات المتوقعة فأن لكل دولة ظروفها ، نماذجها وقوانينها الخاصة في بناء منظومة المؤسسات القانونية والتقنية المتخصصة للاسترداد للاموال المهربة من ملاذاتها الآمنة او من المراكز المالية الدولية بصورة لايتوقع الفاسدون ان يد العدالة ستصل إليها . من هذه الدول التي يمكن للعراق تنمية البنية القانونية – الدبلوماسية والتقنية معها الولايات المتحدة ، كندا ، بريطانيا ، فرنسا والمانيا ، ماليزيا ،وسنغافورة ،مجموعة دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الاوروبية OECDودول أخرى في جنوب شرقي آسيا وفي الباسفيكي الشمالي (اليابان والصين) والجنوبي (استراليا ونيوزلندة) والدول الاسكندنافية (النروج ، الدانمارك ، فنلندة والسويد). علما بإن لدول الخليج العربي تجارب متنوعة في استرداد الاموال المنهوبة يمكن للعراق ان يستفيد منها مستقبلا.
أخيرا : المآزق العراقي المتمثل بمواجهة الصعوبات والتحديات في استرداد الاموال المنهوبة على الصعد الوطنية والاقليمية - الدولية يجب أن لايثني المخلصين والمجتهدين الوطنيين في حماية المال العام وموارد الدولة التي ذهب الكثير منها في إطار اموال وممتلكات للفاسدين . إن بناء عراق خال من الفساد ينتظر جهدا أكبر بكثير مما خصص في موازنات سابقة لمحاربة الفساد ولم ينتج عنه سوى استرداد عشرات الالاف من الدولارات او بضعة ملايين من الدولارات أخر ما وردت الانباء حوله استرداد 18 مليون دولار ، في حين ان ما ينتظر استرجاعه (ولايوجد رقم دقيق) بحدود 150 إلى 500 مليار دولار او ربما أكثر بكثير تم تهريبها من العراق منذ 2003. علما بإن ما قامت به دائرة الاسترداد للاموال للنزاهة من اموال بالتعاون مع الدول والجهات المعنية (65 الف دولار من الاردن، 12 مليار يورو من أسبانيا و26 مليون دولار من المانيا) مجرد قطرات في مجرى عميق للفساد في داخل وخارج العراق. الامر الذي يستوجب تشجيع ودعم ما تقوم به اللجنة الرسمية في مكافحة ومنع الفساد بكل الطرق بضمن ذلك تقديم حيتان الفساد للعدالة واسترجاع المبالغ المالية التي هربت بأساليب وطرق غير مشروعة خارج العراق . مسألة يفترض أن تستمر بزخم أكبر ولكنها ليست ميسورة أو هينة بل تحتاج لإرادة سياسية وطنية كبرى.
أقرأ ايضاً
- مسؤولية الأديب في زمن الاحتضار.
- المسؤولية المدنية المترتبة عن استخدام الذكاء الاصطناعي
- القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية